إقتصاد

“هدنة” نقدية مؤقتة وحذر شديد… ما سبب “هدوء” الدولار الأسود؟

لم يُنْتِجْ الهدوءُ النسبي في أسواق المبادلات النقدية اللبنانية، النظامية منها والموازية، أيَّ تَحَسُّنٍ مَنْشودٍ في الأوضاع المعيشية المتردية والفوضوية التي يعانيها السكان على مدار الساعات والأيام الثقيلة انتظاراً لانفراجاتٍ غير معلومة التوقيت، فيما تقتصر الرقابة الرسمية على مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد التي تقوم بجولات وحملات جزئية، بحُكْم قلة عديدها وتَواضُع عقوباتها مالياً وإجرائياً.

وما من مؤشراتٍ يمكن الركون اليها، بحسب مصادر مالية وناشطة في أسواق القطع، تبرّر عملياً تضييق هوامش التقلبات النقدية واستقرار عمليات سعر الصرف قرب 100 ألف ليرة لكل دولار، والمستمرّ بعد انقضاء 4 أسابيع على التدخل الأحدث للبنك المركزي بائعاً الدولار النقدي عبر «المنصة» بسعر 90 الف ليرة، قبل خفْضه في الأيام الأخيرة إلى نحو 87 ألف ليرة، فيما تعْرض الأسواق الموازية العملة الأميركية بسعر شبه مستقرّ عند مستوى 97 ألف ليرة.

ويُستدلّ من أداء أسواق الاستهلاك التي تتفاعل بصورة فورية مع الانهيارات المتتالية لسعر الليرة، أن التجار، من مستوردين وبائعين بالجملة وبالتجزئة، يميلون عموماً إلى التعامل بحذر شديد مع «الهدنة» النقدية، بدليل إبطاء تنفيذ خفض الأسعار التي رفعوها إلى ذروتها مع وصول الدولار إلى عتبة 150 ألف ليرة عشية 20 اذار الماضي، والتحايل عبر رفع السعر بالدولار كسعرٍ مرجعي بوشر حديثاً باعتماده في غالبية السوبر ماركت والمخازن الكبرى.

وتكشف جولات ميدانية، أنه باستثناء المشتقّات النفطية التي يجري تسعيرها يومياً من وزارة الطاقة وطبقاً لمعادلاتٍ تُراعي سعر النفط عالمياً وسعر الدولار محلياً، فإن تكاليف المعيشة لم تحتفظ بالمستويات السعرية الأعلى للمواد الغذائية والأساسية كافة فحسب، بل شهدت اندفاعة مضاعَفة لأسعار الخضروات والفواكه والأسماك والدواجن، جراء ازدياد الطلب في زمن الصوم الذي تزامن «طائفياً» هذا العام.

وتتماهى هذه المعطيات المرصودة، مع خلاصات رقمية استنتْجها دراسة محدّثة أجرتْها «الدولية للمعلومات» وخلصتْ فيها إلى أنه «مع انهيار سعر صرف اللّيرة وارتفاع الأسعار، ارتفعت تلقائيّاً كلفة المعيش المتقشفة» بنسبة 196 في المئة حتى بداية شهر نيسان الحالي، مقارنةً بالكلفة المحتسبة في شهر تشرين الأول الماضي”.

وبيّنت الدّراسة التي استندت الى عيّنة الأُسَر المؤلفة من 4 أفراد، مع مراعاة الفروقات المعيشيّة في السّكن بين القرية أو المدينة، والسكن بالتملّك أو الإيجار، أنّ كلفة المتطلبات الضرورية لكل أسرة، تراوح بين 39 مليون ليرة و77 مليون ليرة شهريّاً بالحدّ الأدنى، ومن دون احتساب كلفة الصحّة والاستشفاء، بينما تراوحت هذه الكلفة بين 20 مليون ليرة و26 مليون قبل 6 أشهر.

ولا يتورّع الكثير من تجار العملات وأسواق الاستهلاك على السواء، عن ترويج معلومات عن قرب انتهاء مهلة «الهدنة» النقدية. بل ان العديد بينهم يحدّد الحد الزمني الأقصى لأسعار المبادلات النقدية وفق الهوامش الحالية بانتهاء الأعياد التي بدأت الأسبوع الماضي مع حلول عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية، وستختتم الاسبوع المقبل بعيد الفطر لدى الطوائف الاسلامية.

وتشكل التجارب السابقة التي انتهتْ الى انسحاباتٍ مفاجئة، سبباً إضافياً للتشكيك بصمود «التدخل» الأحدث للبنك المركزي لبيع الدولار النقدي عبر منصة صيرفة. بل تزيد الارباكاتُ حدّةً بما يخصّ العوامل المؤثرة في القرار النقدي، حيث تتعارض استهدافاتُ سحْب أجزاء وازنة من الكتلة النقدية بالليرة، مع ضروراتِ زياداتٍ في الإنفاق العام وهو ما ستتطلبه الزيادات المرتقبة على رواتب القطاع العام والمتقاعدين في جلسة الحكومة الثلثاء المقبل، فضلاً عن احتدام الضغوط القضائية من داخل لبنان وخارجه على حاكم «المركزي» رياض سلامة وفريق من الأقرباء والمقرّبين والمصرفيين المتعاونين.

وزاد في تفاقم الخلل، دخول الفواتير الجديدة للهواتف المحمولة واشتراكات الانترنت والمستحقة عن الشهر الماضي، على خط المساهمة في تعظيم الأكلاف المعيشية الملقاة على عاتق الأسر. فقد تكفل رفع سعر الدولار على منصة صيرفة من 70 الى 90 الف ليرة، في زيادات تلقائية بنسب تراوح بين 20 و30 في المئة على هذه الفواتير، فيما بلغت الهواجس حد الهلع في احتساب الكلفة المرتقبة لهذه الفترة للاشتراك والاستهلاك من خطوط الكهرباء العامة، والتي تَصدر بالاستناد الى سعر صيرفة مضافاً اليه نسبة 20 في المئة، أي بما يرفع «دولار الكهرباء» إلى نحو 108 آلاف ليرة ليتجاوز بذلك سعر الدولار في السوق السوداء.

وتسري معلومات في الاوساط العامة عن توجه الحكومة الى زيادة السحب «على المكشوف» من ميزانية البنك المركزي، في موازاة توجُّه جانبي لإدخال زيادات جديدة على الرسوم والضرائب، وبما يشمل رفع سعر الدولار الجمركي مجدداً وتعديلات تخص الضريبة على القيمة المضافة التي يتكبّدها المستهلك الأخير حصرياً، بذريعة تغطية إقرار زيادات جديدة على مداخيل الموظفين والمتقاعدين في القطاع العام، وتخصيصهم أيضاً ببدلات انتاجية ونقل، فضلاً عن تحسين بدلات المساعدات الاجتماعية والصحية.

وتلفت تنبيهات صندوق النقد الدولي إلى أن تداعي إيرادات الموازنة قد دفع إلى تنفيذ تخفيضات هائلة وغير منتظمة في الإنفاق العام إلى أدنى المستويات.

ومع ذلك، تعتمد الحكومة على التمويل من البنك المركزي، ومراكمة المتأخرات، وبعض المساعدات من المانحين لدعم عجز الموازنة في حدود تزيد قليلا على 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وكان من الممكن أن يتجاوز العجز هذا المستوى، إذا تم إدراج العمليات شبه المالية العامة التي يواصل البنك المركزي تنفيذها مثل توفير النقد الأجنبي بأسعار مدعومة.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى