مقالات

الحكومة تفخّخ طريقها بنفسها

صحيح أنّ الحكومة مستقيلة وهي في مرحلة تصريف الأعمال بالمعنى الضيق، لكنها تبقى في الواجهة، فهي وحدها كسلطة تنفيذيةالمسؤولة عن تسيير القطاع العام ومرافقه، شاءت ذلك أم أبت، وبالتالي إن أصابت فستتمكن من تمرير هذه المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة بانتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف حكومة أصيلة، وإن أخطأت ستتعرض للسهام والتجريح، وستتحمل وحدها مسؤولية فشل إدارة البلاد في هذه المرحلة الحبلى بالمخاطر والتحديات.
إن في طليعة مسؤوليات الحكومة اليوم هي إعادة إدارات القطاع العام ومؤسساته إلى العمل بعد أن شُلّت تماماً بفعل الإضرابات المتواصلة، وأخطر ما في ذلك هو إضراب المرافق التي ترفد الخزينة بالمال كالنافعة والدوائر العقارية… ولم يبق فعلياً سوى إدارة الجمارك كمصدر جباية أساسي للدولة، لكن هذا المصدر لا يكفي بطبيعة الحال ولا بدّ من عودة جميع المرافق إلى العمل والانتاج بأسرع وقتٍ ممكن.
سبب إضراب الموظفين معروف وهو وصولهم إلى دون خط الفقر والعوز وعدم قدرتهم على التحمّل أكثر بعد أن خسرت رواتبهم ٩٥٪ من قيمتها الشرائية، فبات راتب الموظف لا يكفي لتسديد فاتورة الكهرباء فكيف سيسدّد تكاليف احتياجات عائلته من مسكن وطعام ومياه ودواء واتصالات، ورسوم وضرائب ارتفعت عشرات الأضعاف.
في موازاة هؤلاء الموظفين هناك المتقاعدون ، عسكريون ومدنيون، وهم من النسيج نفسه ومعظمهم لا يستطيع العمل بسبب التقدّم في العمر، ويعتمد على المعاش التقاعدي كمصدر رزق وحيد، وبالتالي فإنّ إهمال هذه الشريحة الواسعة من المواطنين هو بمثابة نكران لتضحياتهم في بناء الدولة وحمايتها خلال عقود من الزمن، وقنبلة مفخخة أمام الحكومة، إنفجارها سيؤدي إلى اضطرابات عنيفة في الشارع لا تحمد عقباها.

بعد رفض مصرف لبنان استمراره في تمويل الرواتب على سعر صيرفة، تدرس الحكومة وفي إطار مرسومين أعدتهما وزارة المالية، اعتماد زيادات متحركة على رواتب الموظفين في الخدمة الفعلية، ترتبط بسعر صيرفة لكنها تدفع بالليرة وليس بالدولار، وقد تراوحت هذه الزيادات بين ٣٠٠ دولار للفئة الأولى و١٠٠ دولار للفئة الخامسة. ولتوضيح هذه النقطة على سبيل المثال، إذا كان مجموع راتب موظف الفئة الأولى اليوم هو ١٨ مليون ليرة ، سيعطى زيادة مبلغ ٣٠٠ دولار الذي يضرب بسعر صيرفة اليوم (٨٧٠٠٠ل) أي ٢٦ مليوناً ومئة ألف ليرة، فيصبح مجموع الراتب نحو ٤٤ مليون ليرة، والأهم أنّ هذه الزيادة ستتحرك صعوداً مع ارتفاع سعر صيرفة وبالتالي ستحافظ على قيمتها الفعلية.

هناك مشكلة كبرى في المرسومين، وهي ورود الزيادات تحت عنوان “بدل انتاجية” وهذا أمر مخالف للقانون ومعيب بحق الحكومة والموظفين معاً، وكأنّ مهمة الموظف الأساسية هي عدم الانتاج، كما أنّ التسمية بحدّ ذاتها تنطوي على إلتفاف خبيث على حقوق المتقاعدين ومحاولة إرضاء هؤلاء بزيادات جامدة ستتآكل تلقائياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وهذا ما لن يقبل به المتقاعدون إطلاقاً مهما كلّف الثمن.

إذا ما هو الحل؟
الحلّ بكلّ بساطة هو استبدال تسمية “بدل انتاجية” بتسمية “تعويض غلاء المعيشة” أو “تعويض انخفاص قيمة الرواتب والأجور” ثم تطبيق زيادة الرواتب لموظفي الخدمة كما وردت في المرسومين المذكورين على معاشات المتقاعدين، وهذا ما نصّ عليه أصلاً كلّ من قانون الدفاع الوطني ونظام التقاعد والصرف من الخدمة، أي أن يحصل المتقاعد على نسبة ٨٥٪ من الزيادة المقررة لنظيره في الخدمة الذي يعادله في الفئة الوظيفية.

الغريب والمستهجن في الأمر عدم مقاربة الحكومة لهذا الحلّ حتى الآن، مع أنه يتّصف بالشمولية والعدالة والأهم أنه يستند إلى القانون، لا إلى طروحات عشوائية وارتجالية من قبل دوائر معينة، وكأنّ الحكومة بهذه السياسة الخرقاء تعمل ضدّ مصلحتها ومصلحة البلاد، لا بل تضع الأفخاخ عمداً في طريقها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى