مقالات

تأجيل البلديّات تمثيليّة بايخة

سابقاً كان يُعهد الى نائب رئيس مجلس النواب #إيلي الفرزلي، المعروف بحنكته، توفير الإخراج المناسب لبعض القضايا العالقة، وهو ما يقرّ به في كتابه “أجمل التاريخ كان غداً”. ويبدو أن نائب رئيس المجلس الحالي #الياس بو صعب “استحلى” الدور، حتى صار يخرج أرانب الرئيس نبيه بري، مدّعياً أنها من عندياته، وعلى مسؤوليته الخاصة، وقد ظهر ذلك جليّاً أمس في إعلانه تبنّي مشروع التمديد للبلديات أربعة أشهر، أو تأجيل الاستحقاق البلدي مدة أربعة أشهر، ستطول حتماً الى سنة، لأن عدم الجهوزية الحالية، لن يتبدّل في أشهر قليلة، خصوصاً في ظل مشهدية معقدة لا توحي حتى الساعة بانفراجات قريبة.

مسرحية البلديات كانت معروفة سابقاً. الحكومة لم ترصد المبالغ المطلوبة للاستحقاق، والأحزاب تنقصها السيولة وهي ترسل بعثات الى الخارج لجمع التبرّعات التي تأتي زهيدة. والنواب الذين ضمنوا مقاعدهم قبل أقل من سنة، ليسوا في وارد البذخ لكسب مقاعد بلدية تزيد الانقسامات والتباعد في المدن والقرى والعائلات من دون تحقيق مكاسب مرجوّة. واللبنانيون على دراية بالأمر، إذ لم يستعدّوا للاستحقاق، ولم يحضروا طلبات الترشيح، وذرائع التأخير وفيرة من عدم توافر إخراجات قيد وسجلات عدلية والمال للحملات والاتفاقات الفوقية التي غالباً ما تنزل على البلديات، باتفاقات سياسية لتقاسم الحصص.

في #بيروت أزمة كبيرة، ولا تنفع معها ضمانات من هنا وهنالك، ما دام الضامن الأكبر للمناصفة اختار الاعتزال، ومن بعده لم يمسك أحد الشارع، أو بالأحرى لم يتمكّن من ذلك.

في المناطق أزمات متفاقمة، خصوصاً في المناطق المتعدّدة والمتنوّعة الانتماءات المذهبية والحزبية، حيث يسود التباعد والخلاف، إذ تصعب التسويات، ولن تكون النتئج أقل من “كسر عظم” سيؤدّي الى مزيد من الفرقة والانقسام والمذهبية.

لذا كان قرار تأجيل #الانتخابات البلدية قائماً منذ مدة، وكل ما يقال علناً ليس إلا كلاماً، كما في كل شيء يردّده أهل السياسة عندنا، من أكبرهم الى صغار الببّغائيين الذين لا يفقهون شيئاً. ويذكر اللبنانيون كيف أنتج اجتماع بعبدا بين الرؤساء الثلاثة آنذاك ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب وعدد من الاختصاصيين، على ما يُسمّون، قرار تخلّف لبنان عن دفع سندات اليوروبوند، للمحافظة على الاحتياط الباقي الذي كان يُقدَّر بـ30 مليار دولار، فإذا بالقرار التاريخي يوصلنا الى ثلاثة أو خمسة مليارات أو أكثر قليلاً في الوقت الحالي.

ويذكر اللبنانيون كيف رفضت الطبقة السياسية الكلام عن “هيركات” ولا تزال كتلة تلو الأخرى، تتقدّم بمشاريع قوانين لحفظ الودائع، فإذا بالشيك المصرفي يُحتسب على 9 في المئة من قيمته الحقيقية، وإذا بالدولارات المصرفية تُحتسب على 15 ألف ليرة في مقابل 100 ألف للدولار الفعلي. وبذلك تحقق الـ”هيركات” من دون الإعلان عنه، بل تحققت أكبر عملية نهب في التاريخ، لأنه لا حدود لها، ولو أقر الـ”هيركات” في حينها لتحدّدت نسبته وعرف المودع حقوقه.
ويشاهد اللبنانيون فصول مسرحية انتخاب رئيس جديد للجمهورية التي تعطلها الكتل مجتمعة وبالمداورة في ما بينها رغم الاحتدام في الإعلان عن أولوية انتخاب الرئيس.

قبل الانتخابات النيابية، وبعد انتفاضة 17 تشرين، برزت الحاجة الى إعادة تثبيت شرعية التمثيل أمام اللبنانيين، وخصوصاً أمام الخارج، الأمر الذي دفع الى إجرائها.

أما اليوم، فالبلديات لا تقدّم ولا تؤخّر. لذا يفضّل أهل الحل والربط، تأجيل الاستحقاق، ولن يجدوا اعتراضاً واسعاً على الأمر، لأنه مطلب كثيرين أيضاً، ولأن اللبنانيين كأنهم استسلموا لواقعهم، وانكفأت القدرة على الاعتراض الى حدّها الأدنى.

المصدر
غسان حجار - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى