مقالات

صفقة رتباء الجمارك تُعيد النظر في تركيبة لبنان الكبير… كف يد الدويلة المسلحة أو صيغة حياة جديدة!

فيما الدولة تتخبط في أزمة الفوضى والإنهيار المالي والفساد السياسي والأزمات الإقتصادية والإجتماعية حتى باتت أقرب إلى مفهوم الدولة العابرة، وفيما المسؤولون السياسيون والحزبيون فيها يحيكون، كلٌ على هوى انتماءاته والتزاماته الوطنية، ثوب رئيس الجمهورية بمقاسات معينة، يستغل رافعو شعار “لا للتقسيم، ولا اللامركزية، في تطبيقها إنطلاقا من فيدرالية الدويلة التي أسسوها ويعملون على تعميم نظامها بالقوة على كافة الأراضي اللبنانية.

آخر الإجتهادات وليس أخيرها تمرير المجلس الأعلى للجمارك قرار تعيين 392 رتيبًا من عناصر الضابطة الجمركية في الجهاز الإداري للجمارك منهم 39 مسيحيا فقط!. والأفظع من ذلك أن الجميع خضع لمباراة “صورية” أقل ما يقال فيها أنها جاءت من باب رفع العتب بدليل أن النتائج صدرت في اليوم نفسه، وفازوا جميعا. وقد حصل ذلك بعلم ورضى مدراء مسيحيين في هذا الجهاز، على الرغم من أن المواد القانونية تقول بانتقاء عناصر، وليس إجراء مباراة صورية.

هذه الواقعة تثبت أكثر فأكثر أن استبداد “ولاة” الدويلة مستعجلون أكثر من أي وقت مضى لامتصاص شرايين الدولة ومرافقها من خلال الإنقضاض على بوابات مرافقها الحيوية بدءاً من مطار بيروت الدولي والمرفأ وصولا اليوم إلى إدارة الجمارك والخير لقدام. فهل دقت ساعة خروج الدولة من الدويلة ولماذا صمت المسؤولون السياسيون ورؤساء الأحزاب المسيحية عن هذه الواقعة التي ستترسخ في إدارة الجمارك؟ وإن رضي المعنيون بالرضوخ طوعا، لامتصاص رائحة النعرات الطائفية مما يهدد باهتزاز سلم العيش المشترك، فكيف يسكتون عن الصفات التي تلطخ سجلات بعض الرتباء من فسادٍ إداري، عندما كانوا ضمن وظيفتهم العسكرية ؟

الصفقة تمت. لكن ماذا عن الخلفيات والبصمات التي ستطبعها على خد لبنان الكبير؟ الكاتب السياسي الياس الزغبي الذي صدمه الخبر كما سائر اللبنانيين يؤكد عبر “المركزية” أن “هذا النموذج من الإجراءات التي تنتهز فرصة الفراغ في المؤسسات خصوصا مؤسسة رئاسة الجمهورية، لا يمكن وضعه في إطار مخطط مدروس ومتكامل، لكنه أقرب إلى الإنتهازية السياسية للإستفادة من الفراغ، والتأسيس لمرحلة سيقال فيها إن هناك أكثرية وأقلية في لبنان، ويجب البناء على هذه المعادلة للعودة إلى لغة العدّ تمهيداً لتغيير النظام السياسي وفقاً لأجندة تأخذ مستويات عديدة ليس فقط ضد المسيحيين تحديداً، بل بهدف تخريب التوازن الديمغرافي في لبنان وسوريا وسائر المنطقة. وقد شهدنا فصولا واضحة منه في تغيير الديمغرافيا السورية في بعض المناطق والميزان السكاني بين السنة والشيعة”.

إلى البعد الديمغرافي هناك بعدٌ مصلحي سياسي “فأطراف السلطة القائمة في لبنان تتبادل الخدمات السياسية والمعنوية. وقد جاءت خطوة التعيينات الفئوية الأخيرة في الجمارك لتعويم أحد أجنحة المنظومة بعدما أصيب بكسور بالغة، وقد كان التنسيق مكشوفا في هذا المجال بين الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر .من هنا يشير الزغبي إلى أن الإجراءات الإدارية والأمنية عبر التعيينات والتسميات والتشكيلات تقترن في الوقت نفسه بتبادل مصالح ضيقة”.

في المكان يمكن القول إن الصفقات لا تميز بين مؤسسة إدارية أو أخرى أمنية. أما في الزمان فالأكيد أن هناك انتهازية واضحة للفراغ الرئاسي، “وتسعى المنظومة للإستفادة من الوقت المستقطع قبل تنفيذ الإستحقاق الرئاسي كونها تدرك أنها لن تستطيع أن تملأ الفراغ الحاصل بمثل هذه الإجراءات وتهريب قرارات في ظل رئاسة جمهورية وطنية واعية لعمق حقيقة التوازنات بين المكونات اللبنانية بغض النظرعن مسألة العدّ والنِسب والأكثريات والأقليات، ووصول رئيس من غير القماشة التي جاءت به في التسوية المشؤومة عام 2016”.

ويضيف الزغبي ” إذا لم يصل رئيس على هذا المستوى الوطني الواعي والعميق فإن العلاقة بين المكونات اللبنانية ستكون عرضة للإهتزاز التكويني فيعاد النظر إذ ذاك بأسس قيام الشراكة الوطنية ومفهوم العيش المشترك وتصبح المعادلة على الشكل التالي: إما أن تُكف يد الدويلة المسلحة عن الدولة، وإما تبقى هذه الدويلة في إطارها الجغرافي والديمغرافي ويتحرر سائر الدولة بمكوناته الثلاثة المسيحية والسنية والدرزية من سطوة السلاح غير الشرعي وتكون هناك صيغة حياة جديدة وعيش مشترك بين هذه المكونات على أساس قيام دولة سيدة تمتلك شرعيتها الوطنية وتدير سياستها الخارجية ومصالحها الداخلية بعيدا من ضغط المشروع السياسي الخطير .وهذا بالطبع يرتبط بشرط أو آخر بمدى نجاح الإتفاق الموقع في بكين بين المملكة العربية السعودية وطهران.

ورداً على ما أثير حول صمت رؤساء الأحزاب المسيحية الأكبر في لبنان لأهداف ومصالح تتعلق بالإستحقاق الرئاسي، يشير إلى أن “التراخي لدى المرجعيات المسيحية من روحية وسياسية وإجتماعية مرده إلى وضعية الترقب للمرحلة الأهم التي ستقرر مصير العلاقات البينية بين اللبنانيين . وهذه الإجراءات بنموذجها الجديد تندرج في إطار التأسيس غير المباشر لفك العلاقة مع قوى الهيمنة. أما السكوت عن الإجراءات الفئوية فلا يعني الرضوخ لها، إنما التحفظ للرد عليها بقرار وطني وكياني أوسع وأشمل”.

ويختم الزغبي”هذه الأمور قد تشكل خسارة مرحلية للمسيحيين ولكنها تشكل مبررا ضرورياً وكافياً لفك رباط الهيمنة من الدويلة على الدولة.وهذه الإجراءات ستبقى معزولة وينتهي مفعولها حين يتم التوصل إلى صيغة جديدة في العلاقات اللبنانية الداخلية”.

المصدر
المركزية - جوانا فرحات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى