إقتصاد

فرحة الأعياد ناقصة في لبنان.. بسبب الأزمة

يعكس تراجع الزحمة في شوارع مدينة بيروت، أوضاع اللبنانيين الذين يحاذرون النزول إلى الأسواق إلا لشراء الأشياء الضرورية. «هذا المشهد لم نعهده خلال السنوات الثلاثين الماضية في مواسم التسوق»، كما يقول بائع شوكولاته في منطقة الحمراء، في إشارة إلى الأعياد. ويضيف أن الأزمة تظهر بشكلها «الفاقع» والواضح للعيان هذا العام، بسبب تزامن أعياد المسلمين مع أعياد المسيحيين «حيث يجب أن يكون الطلب كبيراً جداً، وتغصّ الأسواق بالزبائن، وهو أمر لا تراه الآن».

ويأتي موسما رمضان وعيد الفصح هذا العام في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وغلاء كبير في الأسعار يفوق قدرات اللبنانيين الذين تدهورت قيمة رواتبهم مع وصول سعر صرف الدولار إلى نحو 100 ألف ليرة لبنانية، في مقابل ارتفاع أسعار الحاجيات، وبينها المأكولات والحلويات، بالتزامن مع قرار وزارة الاقتصاد بدولرة أسعار السلع.

في شوارع مدينة بيروت، اختفت زينة رمضان وزينة الفصح من الشوارع، وذلك مؤشر مهم على قرارات تخفيض الإنفاق الذي يشمل التجار والمؤسسات الرسمية مثل البلديات، وصولاً إلى الأفراد.

وبجولة سريعة على الأسواق، بدا أن مؤشّرات أسعار الحلويات في لبنان سجّلت ارتفاعاً كبيراً، فقد سُعّر أغلبها بالدولار ومنها المعمول، الذي يتراوح سعره ما بين 10 و15 دولاراً حسب اسم الباتيسري ومكانه ونوع المعمول، ويصل كيلوغرام المعمول بالفستق إلى 17 دولاراً، أما كيلوغرام المعمول بالجوز فيبلغ نحو 13 دولاراً، بينما كيلوغرام معمول التمر فيبلغ نحو 11 دولاراً، وهو مبلغ يقارب 7 في المائة من متوسط ما يتقاضاه موظفو القطاع العام في لبنان شهرياً. وتتفاوت الأسعار بين الأشرفية في بيروت، أو طرابلس في الشمال، أو صيدا في الجنوب، أو مدينة جبيل…

أما الحلويات الرمضانية، فيتخطى سعرها القدرات الشرائية للمواطنين. ويتراوح سعر كيلوغرام الحلويات المشغولة بالقشطة (مثل العثملية وحلاوة الجبن والمدلوقة) بين 10 و17 دولاراً، حسب المتجر، أما القطايف والكلاج، فيتراوح سعر الدرزينة منها بين 9 و15 دولاراً. ويصل بعض أسعار الكيلوغرام الواحد من الحلويات الرمضانية إلى 20 دولاراً.

أما كيلوغرام الشوكولاته فيبلغ نحو 30 دولاراً، ولكن يمكن إيجاد أسعار أقل بكثير في السوبرماركت والمحال الصغيرة. من هنا بدت الحركة هذا العام خفيفة، مقارنةً بالأعوام الماضية، واتجه الناس إلى تحضير هذه الحلويات الخاصة بعيد الفصح في المنزل وبكميات صغيرة.

– الحلويات في المنازل

يضطر اللبنانيون إلى الاستغناء عن كثير من الأصناف، كما يضطر قسم منهم لصناعتها في المنزل. وما ينطبق على حلويات رمضان، ينطبق أيضاً على معمول عيد الفصح.

وبينما أسهم تدهور القدرات الشرائية للبنانيين في تقليص النفقات واختصار الاحتفالات وتغيير في عاداتهم في المناسبات، أسهم التكافل عند اللبنانيين، في المقابل، بتخفيف وطأة الأزمة، مما مكّنهم من الصمود، بعد الحصول على الأساسيات.

في الأحياء، ثمة حصص تموينية تصل إلى بعض المنازل التي يُعرف سكانها بالفقر والحاجة، وتشمل المساعدات حصصاً صغيرة من اللحوم، وقسائم لشراء الغاز الذي باتت قيمة الجرة منه تعادل ربع راتب موظف من الفئة الخامسة… كما تبلغ صيدليات في القرى أنه في مطلع رمضان، حضر لبنانيون وسددوا ديون أشخاص يعانون من أمراض مزمنة.

وثمة جانب آخر من المساعدات، يتمثل في دعمٍ من أقارب مسافرين تتراوح بين 100 و200 دولار للعائلة الواحدة، تمكّنها من الحصول على الإضاءة بالحد الأدنى، وثمن دواء يحتاج إليه المرضى. ويمثل هذا الجانب من التكافل، أبرز المبادرات الفردية لحماية العائلات، إلى جانب الدعم الذي تقدمه الجمعيات الإغاثية ويتمثل في حصص تموينية.

– روحية العيد

من ناحية أخرى هناك من يسعى لعيش روحية العيد وعمقه الديني بعيداً عن كل المظاهر الأخرى التي ترافقه، هذا ما أكده سامي الذي قال: «أسعى مع عائلتي لعيش روحية العيد على قدر المستطاع، ففي النهاية، عيد الفصح هو بالمعنى الديني وليس بالمظاهر والثياب الجديدة، ولكن اللبناني يحب أن يعيش العيد بالمظاهر غير الدينية، ولكن رغم هذا الأمر، اختصر اللبنانيون كثيراً ولم يشتروا سوى الأساسيات»، وتابع بالقول: «حتى الزيارات بين الأقارب والأصدقاء ستغيب هذه السنة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات وغلاء الأسعار».

– العيد قائم

رغم كل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، سيحتفل اللبنانيون بالأعياد. تقول أمل معوّض: «بالطبع سنحتفل بالعيد، ولكن ليس كما قبل نظراً للظروف، سوف نفرح، ولكن في القلب غصّة بسبب الأوضاع الاقتصادية. سنحتفل بالصلاة والتقاليد كالعادة، أما بالنّسبة للمأكولات والحلويات واللّباس فستكون محصورة، وحسب المستطاع».

أما فيما يتعلّق بالعائلات الميسورة، فالمشهد لم يكن مختلفاً كثيراً. شربل، وهو رب عائلة لبنانية تعيش في بيروت، يعمل مع شركة في خارج لبنان، ويتقاضى راتبه بالدولار النقدي، ومع ذلك يقول: «الوضع هذه السنة يختلف عن السنتين السابقتين، فحتى الدولار النقدي لم تعد له قيمة مع ارتفاع الأسعار وتسعيرها بالدولار»، ويتابع: «سنشتري المعمول والشوكولاته، والثياب الجديدة فأنا لا أحب أن يشعر أولادي بأي نقص». ويضيف: «فرحة العيد بالبيض وبيض الشوكولاته والخروج إلى المقهى يوم الفصح، ولكن بتّ أفتّش عن الأوفر بكل شيء».

من جهته، يقول ربيع مهنا: «لم يعد أي شيء كالسابق، حتى نحن تغيّرنا بفعل الظروف القاسية»، ويضيف الشاب الذي يعمل في القطاع الطبي: «كنا ننتظر العيد لنجمع العائلة يوم أحد الفصح كما جرت العادة، ونتبارى في (تفقيص البيض) إنما هذه العادات اختصرنا منها كثيراً هذه السنة، مع التخوّف من أن تختفي كلياً في الأعوام المقبلة في حال استمر الانهيار المالي، ولكن ما لم نتخلَّ عنها هي العادات الدينية والروحية، التي أعدها رغم كل شيء فرح العيد».

المصدر
الشرق الأوسط

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى