مقالات

رسالة “محور الممانعة” من الجنوب إلى إسرائيل: “الاستفراد ممنوع”

لم يكن الإفطار الذي أقامه “حزب الله” مساء الأربعاء الفائت جلسة رمضانية عادية، من حيث الوجوه التي جمعها في الضاحية الجنوبية بمشاركة كبار المسؤولين عن “محور #الممانعة والمواجهة” في الإقليم.
إعلان

الى جانب كبار المسؤولين عن الحزب الذين تقدّمهم نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، حضر مسؤولون عن ” أنصار الله” في اليمن، و”الحشد الشعبيّ” من العراق، الى مجموعة من الأمناء العامين وكوادر فلسطينية من حركتَي “الجهاد الإسلامي” و”#حماس”، تصدّرهم زياد نخالة، واسماعيل هنية الذي وصل من غزة.
ومن أبرز الحاضرين هذا اللقاء الذي درج الحزب على إقامته في كلّ رمضان، قائد ” فيلق القدس” العميد اسماعيل قآني.

وجرى التشديد في الكلمات التي أُلقيت على خطّة العمل التي وضعت، والعمل على اتّباعها وعلى التشديد على “وحدة الساحات” في الإقليم وصولاً الى “وحدة الجبهات” عندما تدعو الحاجة، من غزة مروراً بالأراضي المحتلة وتحت سيطرة الإسرائيليين، أي بمعنى التحرّك في قلب القدس والضفة الغربية امتداداً الى لبنان ووصولاً الى سوريا. هذا ما شدّدت عليه مواقف المشاركين الذين يشكّلون قلباً عسكرياً واحداً، ويعتبرون أنّ استهداف أيّ عضو يصيب جميع أعضاء هذا المحور.

وحصلت المفاجأة في اليوم التالي بعد ظهر الخميس، حين أطلقت عشرات الصواريخ في اتّجاه الجليل وسقط عدد منها في مناطق حسّاسة في الجليل.
وتبيّن أنّه تمّ تجهيزها بطريقة عسكرية احترافيّة تدلّ على أنّ من أطلقها يتمتّع بخبرات في حقل هذه الصواريخ، ولو كانت من طراز قديم أو قد جرى تطوير حشواتها”.

في هذا الوقت، عمد هنية الى إلغاء برنامج زياراته ولقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين واقتصرها على الحزب والمسؤولين عن الفصائل الفلسطينية. وكان عندما يحضر الى بيروت يلتقي المسؤولين الرسميين ويزور دار الفتوى.
وجاء توقيت إطلاق هذه الصواريخ التي لم تتبنَّ ” حماس” إطلاقها، ولا “المقاومة الإسلامية”، دلالة على ممارسة “الغموض البنّاء ” الذي يطبّقه أقطاب المحور.

وفي قراءة هذه العملية التي جاءت بعد التضييق الإسرائيليّ على المصلّين والمعتكفين في المسجد الأقصى، في ذروة سياسات حكومة صقور اليمين الإسرائيليّ بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي يعاني مشكلات داخليّة عدّة تمنعه من استرجاع الصورة التي كان يحظى بها في حكومات سابقة.

وتقول مصادر متابعة هنا أنّ إطلاق دفعة الصواريخ في اتّجاه إسرائيل من سهل القليلة (صور)، والذي يبعد مسافة قصيرة عن مخيم الرشيديّة، جاء في توقيت ولحظة سياسية “مدروستين بعناية شديدة”، وأنّه ليس من مصلحة المقاومة ولا الفصائل الإعلان رسميّاً عن الجهات التي قامت بهذا الفعل الذي وجّه إلى تل أبيب أخطر رسالة عسكريّة بعد عدوانه ضدّ لبنان في تموز 2006.

وجاء هذا التطوّر بعد قيام إسرائيل بعمليّات وممارسات قاسية ضدّ الفلسطينيّين في القدس ومحيطها وفي أكثر من مدينة عربية، الى مخيم جنين وأخواته حيث يتصدّى الفلسطينيون بـ”اللحم الحي” لماكينة الموت الإسرائيلية، فيقوم الشباب الفلسطينيّ بعمليات مقاومة بعيدة فاجأت أركان الأمن الإسرائيليّ، وسط حالة من التخبّط داخل السلطة الفلسطينية في رام الله، وعدم قدرتها على مواجهة ما يحصل من تبدّلات وتطوّرات في هذه المشهديّة داخل الأراضي المحتلّة، مع استفادة المقاومين من عناصر الإرباك بين الأجهزة السياسية والأمنية في حكومة نتنياهو التي لم تعمد الى توجيه اتّهامات لـ” حزب الله” بإطلاق دفعة الصواريخ من القليلة، بل وجّهت أصابع الاتّهام إلى “حماس”.

وتزامنت التطوّرات الأخيرة في غزّة والقدس مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية في سوريا، والتي استهدفت مواقعَ ونقاطاً عسكرية إيرانية، وتمّ توجيه أكثر هذه الضربات والغارات من الأجواء اللبنانية.

وبعد دقائق على سقوط تلك الصواريخ في الجليل، أبلغت إسرائيل قيادة “اليونيفيل” في الجنوب بأنّها ستقدم على ” ضربة محدودة” في الجنوب وتحديداً في النقاط التي انطلقت منها تلك الصواريخ. ونقلت قيادة القوّة الدوليّة كلّ هذه الأجواء الى المسؤولين اللبنانيين وقيادة الجيش.

وكان الهدف من رسالة إفطار “حزب الله” وبإجماع كلّ الحاضرين، واستكمالاً لجلسات سابقة بين مكوّنات هذا المحور، توجيه رسالة الى القيادة في إسرائيل بضرورة التحسّب إلى أنّ هذا المحور لن يقف متفرّجاً في المستقبل على أسلوب “الاستفراد العسكريّ” الذي تمارسه آلة الحرب الإسرائيلية ضدّ أفرقاء هذا المحور، وأنّه عليها أن تتحسّب جيّداً لكلّ عملية تقدم على تنفيذها في المستقبل، مع توقّع أن تشتعل كلّ جبهات المحور الذي نجح في الضغط “على اليد المكسورة” لنتنياهو في زحمة خلافاته مع المعارضة الإسرائيلية، وحالة التخبّط التي تشهدها الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، مع معرفة أنّه يقدر على جمعها في المواجهة الحقيقية ويستفيد من هذه اللحظة، ولو انّ الحسابات التي يضعها لا تتلاقى مع المخطّط الذي يضعه في توقيت لا يخدمه.

في غضون ذلك، يشهد “البيت الفلسطيني” حالة من الانسجام بين فصائله، رغم توجيه المزيد من الانتقادات لسياسات الرئيس محمود عباس ومعاونيه الذين لا يواجهون ممارسات الإسرائيليّ “كما يجب”، بحسب مصادر فلسطينية، تدعو الجميع الى الوحدة حيال مشهديّة ما يحصل في المسجد الأقصى.

وكان تشديد هنية في لقاءاته الفلسطينية في بيروت على ضرورة “توحيد الموقف والخروج من التباينات القائمة بين الفصائل”. ولم تتلقَّ السلطة في رام الله بارتياح ما أقدم عليه عضو قيادة الساحة في حركة ” فتح” منير المقدح من تأييده لأعمال المقاومة، ودعوته الى ضرورة مجابهة إسرائيل ومقاومتها على هامش تخريجه دورة عسكرية في مخيم عين الحلوة.

وتفيد المصادر المواكبة هنا أنّ الجمهور الأغلب من “فتح” لا يتلاقى مع توجّهات قيادته التي وقعت في إحراج كبير في تعاطيها مع كلّ التطوّرات، وما يقوم به محور المقاومة الذي يبدو اليوم أنّه في “كباش ” مع إسرائيل، وخصوصاً من جهة “حزب الله” الذي يتعاطى مع كلّ هذه التطوّرات بـ “ميزان” لا يعرف الخطأ.

ولذلك ستبقى كلّ هذه التطوّرات تحت السيطرة في انتظار “المعركة الكبرى” التي لم يحن موعدها بعد، وأقلّه في هذه المرحلة الجديدة التي تعيشها المنطقة.

المصدر
رضوان عقيل - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى