منوعات

لماذا استمتع الجمهور بهذه الأعمال أكثر من غيرها؟

بعد انقضاء نصف شهر رمضان، صار من الممكن الكلام عن بعض الأعمال السورية التي لاقت رواجاً منذ حلقاتها الأولى، خاصة أن الأعمال السورية حتى اليوم تقدم للدراما ما لم تقدمه أي من بلاد الشام من حيث تنوع القصص، وتميّز الأداء، والتفنن في الإخراج.

“النار بالنار”: عنصرية دسمة
يدخل مسلسل “النار بالنار” السوري اللبناني المشترك السباق الرمضاني من خلال عرضه تجليّات النزعات العنصرية القائمة بين الشعبين السوري واللبناني، والتي بدأت بذرتها من الثمانينيات وتفاقمت بعد الربيع العربي. لذا قدّم الكاتب رامي كوسا الجانب اليومي المعيوش في حارة شعبية يترأسها “عمران” الذي يلعب دوره عابد فهد، السوري الحامل للجنسية اللبنانية منذ عام 1994، والذي يخوض علاقات شائكة قائمة على فرض السلطة بالقوة وتغليب المنفعة في حي يسكنه لبنانيو الأصل وبعض النازحين السوريين.

يلعب عابد فهد شخصية تشبه إلى حد كبير شخصية “تشارلوك” في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، إذ ينتفع من الحرب السورية إلى أبعد حد، ويعزز ثروته عبر إقراض سكان الحي مبالغ مالية بسيطة، ثم يستعديها بفائدة كبيرة، لكنه لا يعطيها إلا مقابل رهن قطع ثمينة أو عقارات.

استطاع العمل بعد عرض نصفه التغلب على الدعاية الدرامية التي سادت في العقد الماضي حول ضعف أداء الممثلين/ـات في لبنان، فيقدّم “عزيز” الذي يلعب دوره جورج خبّاز أداءً مبدعاً، إذ شاهدناه بشخصية الوطني المتزمت لبلده لبنان لكن برؤية جديدة لهذا النمط من الشخصيات، فـ”عزيز” منحاز للبنانيته لكن بثبات انفعالي وصوت هادئ ونظرات قوية ووجهة نظر لا يمكننا كمشاهدين إلا تفهمها حتى حين تكون مجحفة أو غير مناسبة.

أما “سارة” التي تلعب زينة مكي دورها، فقد جسدت شخصية تعيسة تعاني من ماض أليم أوصلها لتكون في عداد سكان هذا الحي البائس، إنما تجمعها علاقات إنسانية طيبة مع معظم سكانه من جهة، ومشاعر حب من طرف واحد مع “عزيز”، وفي نفس الوقت هي تواجه قصصها مع طليقها الذي يستمر في إيذائها.

وكعادتها تقدم كاريس بشار دورها ببراعة، حيث دخلت “مريم” إلى الحارة لاجئة لا تحمل اوراقاً، لكنها ظلّت شرسة في الدفاع عن نفسها، وفي الوقوف أمام العنصرية المتفشية بين كل من حولها، ثم قامت ببناء علاقة حذرة مع بعض السكان لتؤمن نفسها بحماية أكبر تستند إليها في مواجهة ظروفها الصعبة خاصة عند وفاة زوجها.

زادت جرأة ووضوح شخصية مريم حين قامت بنزع الحجاب والحصول على جواز سفر مزوّر لتصبح نداً لكل من يحاول إيذائها.

لم يكن غريباً على كاريس بشار قيامها بدور صعب وجديد، لكنها هذه المرة إلى جانب انفعالها المدروس في كل مشهد أضافت تغييراً في مشيتها ونبرة صوتها وبعض اللازمات اللغوية التي استخدمتها مثل “عقل التنا تنا”.

“زقاق الجن”: كسر نمطية البيئة الشامية
في الفترات الأخيرة، طالت دراما البيئة الشامية القديمة انتقادات كبيرة، وقد قامت بعض القامات الفنية بتوصيفها بأنها “إهانة للمرأة السورية وتقزيم لدورها في المجتمع”، إلا أن “زقاق الجن” يحاول الخروج من هذا الحكم المسبق على كل مسلسل “شامي” تقليدي على الرغم من أن أحداثه تدور في فترة قديمة، فيقدّم قصة شعبية عن حارة يعتقد سكانها بوجود جن يقتل الأطفال، ويتكرر قتل بضعة صغار دون وجود أدلة تشير إلى مجرم ما، لكن ما يعزز الحبكة هو وجود شخصيات نسائية غير مألوفة في البيئة الشامية، أبرزها شخصية “شيماء” التي تلعب دورها أمل عرفة المرأة المعتزة بنفسها ومكانتها كـ”خانم” لا تهاب العادات والأعراف التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وأهمها عدم تدخل المرأة في أي شيء، إذ يعتمد دورها بالدرجة الرئيسية على التناقض الحاد بينها وبين بطل العمل زوجها السابق “أبو نزيه” الذي يقدم شخصيته الممثل أيمن زيدان، ويمثل دور الأب النرجسي القاسي عديم الأخلاق في تعامله مع عائلته.


تجرأ كاتب العمل محمد العاص على إظهار نوعية أكثر إقناعاً من العلاقات العاطفية والإنسانية التي سادت في أعمال البيئة الشامية، فقد انخفض منسوب جمل من نوع “ابن عمي”، “أمرك” “تاج راسي” لصالح الارتفاع في واقعية العلاقات بين الرجال والنساء، سواء الأزواج أو العشّاق.

كما قدمّت صفاء سلطان دور “ثريا” الخادمة اللعوب في منزل العائلة، والتي تتسلل لرجال البيت من خلال إيحاءات جنسية واضحة، ودلال في الحديث، ومكر في الضرب على نقاط ضعف كل رجل. وعلى الجانب الآخر لعبت أمارات رزق دور “صبحية” المومس التي يؤمّن لها زوجها “أبو عزّو” الزبائن، الذي يحمي منزلها مقابل منافع مادية واجتماعية بينهما، ويلعب دوره عبد المنعم عمايري.

المصدر
سنابل قنو - رصيف رصيف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى