إجتماعمقالات

دمج واستبدال وتهديد بالصرف: “التربية” تستفزّ الأساتذة ولا تفتح الثانويات

التواصل شبه مقطوع بين مكاتب وزارة التربية وبين الأساتذة في المدارس والثانويات على الأرض، والمسافة التي تفصل الجهتين تكبر على إثر صمّ الجهة الأولى لآذانها عن المطالب، وكتابة «صك غفران» لنفسها عن كلّ ما مضى، معتبرةً نفسها قد أدّت قسطها للعلى، فيما الأساتذة يعيشون الفقر والعوز، إذ «لا يوجد في المنزل اليوم خط كهرباء، وأستعين بجيراني لتأمين هذه الخدمة، كيف أعود لوظيفة أصرف عليها؟» يقول أستاذ ثانوي من منطقة صور.

أمّا الوزارة، فتريد إجراء الامتحانات الرّسمية أولاً، وفكفكة إضراب التعليم الثانوي بأيّ ثمن ثانياً، ولا ترى نفسها معنيّة بالوضع المادي للمعلّمين. وتشير مصادرها لـ«تحضير لوائح بحوالي 200 اسم من الأساتذة»، تصفهم بـ«المشاغبين والمحرّضين على الإضراب»، سيقوم الوزير بوضع هذه الأسماء أمام مجلس الوزراء في الجلسة المقبلة لـ«إحالتهم إلى المجلس التأديبي أو حتى فصلهم من الوظيفة» وفقاً للمصادر ذاتها، التي تشير أيضاً إلى أنّ «حركة الوزير تهدف بالأساس إلى إعادة الأساتذة المعارضين كلّهم إلى بيت الطاعة»، ولكنّ «لم يهضمها عدد من المكاتب التربوية، فسُحبت من التداول مرحلياً».

«يسيطر جو من الرخاء على وزارة التربية»، بحسب أستاذ نقابي، إذ يبدأ كلّ بيان أو تعميم بعبارة «بعد انتظام العمل، في حين أنّ الثانويات لا تزال تعيش حالة فوضى كبيرة مع امتناع آلاف الأساتذة عن التعليم». ولحلّ هذه المشكلة تلجأ الوزارة إلى سلاح جديد، فالتهديد بالإجراءات العقابية يمتدّ ليشمل مديري الثانويات المتضامنين مع التحرّكات كما الأساتذة. يهدّد هؤلاء بـ«العمل على نقل التلامذة من ثانوياتهم إلى أخرى تعلّم في جوارهم، أو دمج أكثر من ثانوية في واحدة ما سيفقدهم منصب الإدارة»، بحسب مدير في منطقة الشمال، حيث نفّذت وزارة التربية تهديدها، وأصدرت قراراً بـ«إرسال طلاب صف الثالث ثانوي من ثانوية رحبة إلى ثانوية بزبينا»، على إثر عودة أساتذة الأخيرة للتعليم بناءً على تمنيات مديرة الثانوية والأهالي، إلا أنّهم عادوا إلى الإقفال التام أمس بعد تلاوة القرار عليهم، رافضين التعليم أو حتى التوقيع على دفاتر الحضور، ولم يستكملوا اليوم التدريسي.

إصرار عدد كبير من الأساتذة على مقاطعة الصفوف، تقابله ضغوط هائلة يتعرّضون لها، وآخرها تتمثل بطلب مديرية التعليم الثانوي إيفادها بأسماء الممتنعين ليصار إلى «استبدالهم مؤقتاً» عبر آلية التعاقد. في آلية مستنسخة عمّا قام به عدد من المديرين في الثانويات التي لم تلتزم نهائياً بالإضراب منذ انطلاقه مطلع العام الجاري، فيذكر أحد المديرين الذين حضروا اجتماعاً مع وزير التربية الشهر الماضي أنّ «زميله، العضو السّابق في الهيئة الإدارية، تقدّم إلى الحلبي بمقترح استبدال الأساتذة المضربين بمتعاقدين، مستنداً إلى تجربته الشخصية في الثانوية التي يديرها، حيث قام باستبدال أساتذة ملتزمين بالإضراب بمتعاقدين». ولكنّ «لجنة متابعة الأساتذة المنتفضين في صدد إعداد دعاوى قانونية لإبطال مذكرة الاستبدال» يقول عضو اللجنة صادق الحجيري.

إلا أنّ تجربة الأسبوع الماضي تظهر «سقوط خطة الاستبدال جزئياً»، إذ لم يتوافر العدد الكافي من الأساتذة من جهة، ورفض جزء كبير من أساتذة الملاك والمتعاقدين الذين عادوا إلى التعليم الدخول إلى صفوف زملائهم الممتنعين من جهة ثانية. ويسجّل أيضاً اللجوء إلى الناجحين من الفائض في دورات التثبيت عام 2008 و2016 للتعليم، فيشير علي عبدالله الناجح في دورة عام 2008 إلى «تلقيه اتصالاً من مديرة ثانوية المنطقة التي يقطن فيها للتعليم مكان أحد الأساتذة المضربين»، فكان ردّه على الطلب «لن أطعن الأساتذة»، ويذكر أنّ عبدالله «لا يعمل حالياً في مجال التعليم، بل التجارة العامة».

أمام هذا المشهد وتعقيداته، نجحت مساعي الحوار وتقريب وجهات النظر بين رابطة الثانوي وبين الأساتذة المنتفضين. بدأ التواصل أول من أمس بـ«اتصالات هاتفية»، وبحسب أحد الأساتذة العاملين على «إعادة اللحمة للصفوف» ، فـ«هناك لقاء مرتقب بين الهيئة الإدارية في الرابطة ولجنة الأساتذة المنتفضين».

يؤكّد نائب رئيس رابطة الثانوي حيدر إسماعيل أخبار التواصل، ويشير إلى أنّ «هناك تجاوباً»، متفائلاً بـ«تطور اللقاءات التي قد تنتهي خلال وقت قليل». ويقول إسماعيل «تقدمنا بمبادرة من حوالي الشهر باتجاه الأساتذة المنتفضين، فنحن بحاجة لرأب الصدع وحماية القطاع التعليمي، وعليه سنجدّد المبادرة»، ويتوقّع إسماعيل «الوصول إلى نقاط مشتركة، ووضع خطة عمل لكيفية استكمال وإنهاء العام الدراسي». وحول عمل الوزارة على «إحالة عدد من الأساتذة إلى مجلس الوزراء»، يرفض إسماعيل «وضع الاحتمال حتى»، ويؤكّد «أنّ الرابطة لن تقبل بوقوع الضرر على الأساتذة، وستتواصل مع المديريات المعنيّة لدفع أيّ أذى».

أمّا لجنة الأساتذة المنتفضين فـ«ترحّب بكلّ حوار من حيث المبدأ» بحسب الحجيري، و«لكن على قاعدة احترام آراء الأساتذة، وتحقيق مطالبهم، والالتزام بالنظام الداخلي للرابطة، إذ لا أهداف خاصة للأعضاء، والخلاف ليس بين الهيئة الإدارية واللجنة، بل بين الهيئة الإدارية والأساتذة»، ويختم الحجيري بالتأكيد على أنّ «اللجنة لن تكون موجودةً في حال العودة إلى النظام الداخلي وتطبيقه».

المصدر
فؤاد بزي - الاخبار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى