عربي ودولي

عودة سوريا إلى لبنان.. هكذا ستكون!

وسط التقارب السّعودي – السّوري الذي بات يتخذُ منحى تصاعدياً إيجابياً خلال الفترة الأخيرة وتحديداً بعد الإتفاق بين إيران والسعودية، تُطرح تساؤلات عمّا سيطال لبنان من الإنفراجة على خطّ دمشق – الرياض، والسؤال الأكثر بروزاً هو التالي: كيف سيستفيدُ لبنان مما سيحصل قريباً بين دولتين عربيتين أساسيتين، وهل ستعود دمشق إلى بيروت أقوى من السّابق؟

في بادئ الأمر، ما يمكن قوله بشكل حاسم هو أنّ أي إتفاق سعودي – سوري سيكون بمثابة خطوةٍ مهمة للبنان، لكنّ العبرة ترتبطُ بما سيتركه هذا الإتفاق من تأثير ملموسٍ على الصعيد السياسيّ الداخلي. عملياً، فإن ما يمكن للبنان أن يجنيه من أي اتفاق سوريّ–سعوديّ هو “تقريب التسويات الداخلية” أكثر فأكثر، والأساس هنا ستكون انتخابات رئاسة الجمهورية التي سترتبط حُكماً بما سيشهده مسار العلاقات السورية–السعودية من تطورات. وضمنياً، فإنّ أغلب التوقعات تقول بأنه في حال تحقق التقارب العلني المرتقب، عندها سيكون المرشح الذي يدعمه “حزب الله” ومن معه للرئاسة، أي رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية، هو الأكثر تقدّماً بين أقرانه المرشحين، شرط أن يُشكل تقاطعاً مع السعودية والعكس صحيح. وتوضيحاً بشكل أكبر، فإنّ وصول رئيسٍ ضمن تسوية يباركها التقارب السعودي-السوري، لن يكون على حساب دمشق ولا على حساب الرياض، وبالتالي فإن من سيدخل قصر بعبدا يجب أن يكون مقبولاً من الطرفين، لأنّ الأولوية اليوم هي على النحو التالي: لا لرئيس يتحدّى أحدا ، ولا لرئيس غير مقبولٍ من السعودية وسوريا أيضاً، ولا لرئيس يتحدّى “حزب الله” أيضاً.. حتماً، هذا الأمر سيعدّ بمثابة أمرٍ مهم لسوريا وحلفائها، إذ أنّ الأجندات السياسية الجديدة سواء في لبنان والمنطقة، سترتبطُ بما يريدها هؤلاء أيضاً من دون إستثنائهم.

مع كل ذلك، فإنه في حال طبعت سوريا نفسها من جديد في قلب المحور العربي، عندها سيكون لبنان على وفاقٍ علني معها، وبالتالي لن يكون مُحرجاً في إعادة بناء العلاقات السياسية والإستفادة منها في الإستحقاقات التي تهمّه. وإزاء ذلك، فإنّ لبنان سيرسم خارطته الجديدة وفق ما سيمليه الإتفاق السعودي – السوري من توازنات، والأمر الذي لا يُنسى أبداً هو أنّ مختلف الدول العربية هي التي سعت إلى سوريا، وبالتالي لن يكون هناك إحراجٌ لدى لبنان في عملية تفعيل التواصل مع جارته ضمن إطار الأخوة والحاجات المتبادلة من جهة، وضمن الإطار الإستراتيجي من جهة أخرى.

مقابل كل ذلك، تقول آراء عديدة أخرى إنّ محور القرار الداخلي في لبنان بشأن أي ملف، قد لا يكونُ مرتبطاً بدمشق حصراً مثلما كان سائداً في السابق، فالتركيبة الحالية في لبنان باتت تتعاطى مع هذه الأمور بمواجهة واضحة، وما لا يمكن نسيانه أيضاً هو أنّ الجهات السياسية التي لا ترضى أن تكون على وفاقٍ مع سوريا، كثيرة وعديدة. وبشكل أوضح، فإن تأثير دمشق الآتي لن يكون مثلما كان قبل 20 عاماً وتحديداً قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، فالتركيبة السياسيّة الحالية لا تُنبئ بعودة سوريّة تكون لها الكلمة الفصل، وحتماً من المفترض أن تُدرك دمشق هذا الأمر وتتعامل معه بجديّة تامة. إلا أنه ورغم ذلك، فإنَّ التمسّك بالتقارب السعودي – السوري سيكونُ الأكثر بروزاً في الآونة المقبلة، فعلى أساسه سيجري تفصيل القرارات، والخوف الأكبر هو أن تكون هناك معارضاتٌ وشعارات جديدة لأي معادلة تكون سوريا من ضمنها، عندها فإنّ قد يُفهم الأمرُ تحدياً للسعودية.. فهل يمكن لحلفائها أن يفعلوا ذلك؟

ماذا عن الأمن والإقتصاد؟

ما يُمكن قوله أيضاً هو أن لبنان سيحظى بدفع أمني إيجابي في حال انخرطت سوريا مُجدداً في تسوية عربية. فالأمر هذا يعني إستقراراً وانتعاشاً، وبالتالي ارتياحاً في الداخل اللبناني سواء على الصعيدين الإقتصادي والأمني. وعليه، فإنّ دمشق ستكونُ أكثر حضوراً على حدودها لضبطها وسيكون هذا الأمر مطلباً لبنانياً قبل أي شي. كذلك، فإنه من مصلحة دمشق أن تستفيد من علاقاتها بالأطراف العربيّة لتكريس الإنتعاش داخلها عبرهم، ما يعني تخفيف الضغط على لبنان بشكل كبير لاسيما على الصعيدين الأمني والإقتصادي. فالتهريب عندها سيتراجع، كما أنّ المقدرات التي يحتاجها لبنان للصمود وسط الأزمة، سينتفي الطلب عليها في الداخل السوري. إضافة إلى ذلك، فإنّ لبنان قد يستفيد من وضع سوريا الجديد في ملف عودة النازحين، إلا أن هذا الأمر يستوجب مباركة أوروبية وأميركية للضغط باتجاه حصوله، وهنا يأتي الدور العربي الذي من الممكن أن يسرع عجلة العودة بالتنسيق مع دول القرار، والأمر هذا ليس صعباً طالما كانت هناك نية باعادة السوريين الى بلادهم لأن ذلك سيخلص لبنان من ثقلٍ كبير تحمله على مدى 12 عاماً. وطبعاً، لن تكون سوريا رافضة لذلك لأنّ مبادرتها لإعادة النازحين ستُرسي اهتماماً لبنانياً وعربياً، وستُعطي لبنان أملاً بتنفس الصعداء وسط أزمةٍ تزدادُ وطأة يوم بعد يوم.. ولكن، هل سيبارك الغرب تلك الخطوة مع وضع سوريا الجديد المرتبط بالتقاربات الجديدة؟

أمام كل هذه الأمور، فإنه يجب عدم نسيان أنّ قانون “قيصر” الأميركي الذي يحكم سوريا ما زال قائماً، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل ستنجحُ الخطوات العربية في تحرير سوريا من قيود هذا القانون؟ طبعاً، هناك شروط كثيرة يفرضها “قيصر” وبإمكانها تطويق أي خطوات قد تساعد سوريا، وفي حال لم يجرِ التعامل مع هذا القانون عندها فإن الكثير من الأمور الداخلية الإقتصادية في سوريا ستبقى على حالها. مقابل كل ذلك، وعلى الرغم من الإتفاق المرتقب بين السعودية وسوريا، فإن ذلك لا يعني أن لبنان سيُصبح معفياً من خطوات الإصلاح الضرورية. عملياً، فإن الأمر هذا يرتبطُ بمطلبٍ سعودي ودولي، وبالتالي قد لا تكون سوريا معارضة لكل ذلك لأن مصلحتها تكمنُ في أن يكون لبنان ضمن عهد إصلاحيّ واضح المعالم.

إذاً، ومع كل ما قيل، فإن عودة سوريا إلى لبنان تحملُ الكثير من الأوجه، وبالتالي سيكون من الضروري جداً الإلتفات إلى تلك المسألة لأنها سترسي الكثير من الأمور، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وما علينا سوى الإنتظار لتبلور النتائج التي يُأمل أن تكون جيّدة.

المصدر
لبنان24

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى