مقالات

العقوبات الاميركية على الأخوين رحمة: توقيت إصلاحي أم سياسي؟

وسط صمت سياسي مطبق قارب حالة الذهول لدى القوى السياسية الصديقة، فاجأت وزارة الخزانة الاميركية الوسط اللبناني بالاعلان عن فرضها عقوبات على الاخوين ريمون و#تيدي رحمة اللذين يعملان في قطاع الطاقة والنفط والطيران والاتصالات، وذلك على خلفية “ممارسات فاسدة تسهم في انهيار سيادة القانون في لبنان”، متهمة الشقيقين رحمة والشركات الثلاث التي يملكانها وأُدرِجت على العقوبات ايضاً، باستخدامهما ثروتيهما وسلطتيهما ونفوذيهما للانخراط في ممارسات فاسدة تسهم في انهيار سيادة القانون في لبنان، وتقويض العمليات الديموقراطية على حساب الشعب اللبناني.

لم تصدر أي ردود فعل داخلية على القرار، حتى ان بعض الجهات لم تعتبر انه كان مفاجئًا، ذلك ان قرار واشنطن بمعاقبة من تثبت عليهم تهمة الفساد بموجب قوانينها المرعية، ولاسيما قانون “#ماغنتسكي”، ليس جديداً، ولم يميز بين حلفاء او خصوم، او بين طائفة وأخرى.

تطوَّر سلوك الخزانة الاميركية في فرض العقوبات على اللبنانيين في الاعوام القليلة الماضية، بعدما كانت في معظمها تستهدف حصراً “#حزب الله” بتهم تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات، التي كانت تضعها #الولايات المتحدة في اطار تهديدها لسلامة الشعب الأميركي. اما اليوم، ومع قانون “ماغنتسكي”، فقد توسع اطار العقوبات ليشمل مكافحة الفساد ويستهدف من ترى الخزانة الاميركية انهم مسؤولون عن الاسهام في تمويل الفساد وضرب القانون في لبنان.

ترفض الادارة الاميركية ربط عقوباتها بخلفيات سياسية لها علاقة بتوقيت ما او حسابات محددة، مكتفية بالقول ان التوقيت يفرضه استكمال الملف بعد انجاز مساره القانوني، بحيث لا تترك ثغرات يمكن ان تسمح للمعاقَبين بمقاضاة الاجهزة الاميركية المعنية باصدارالعقوبات. لكن قراءة الاسباب الموجبة للعقوبات تبين مدى ارتباطها بالتوجهات السياسية للولايات المتحدة تجاه السلطات اللبنانية والمتعاملين معها او المسهلين لها في عمليات فساد وصفقات ورشى على حساب الشعب اللبناني.

ليست المرة الاولى التي تستهدف فيها واشنطن الطبقة السياسية في لبنان والمحتمين بها. فإلى جانب اللائحة الطويلة للمعاقَبين من عناصر او حلفاء او متعاملين مع “حزب الله”، شملت العقوبات نواباً ووزراء، كان ابرزهم عام 2020 الوزيران السابقان علي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب، ويوسف فنيانوس المنتمي الى تيار “المردة” برئاسة المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجيه، ثم جاء دور رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق #جبران باسيل في ذروة حكم عمه العماد ميشال عون.

لكل من هذه العقوبات استهدافاتها الواضحة وانعكاساتها في السياسة المحلية، إلا العقوبات على الشقيقين رحمة، التي لم تُفهم استهدافاتها نظراً الى العلاقات الوطيدة التي تجمعهما بأكثر من فريق سياسي على الساحة المسيحية تتنازعهم الخصومة. فآل رحمة القريبون من “القوات اللبنانية” ومن “التيار الوطني الحر”، تجمعهم علاقات صداقة طويلة الامد مع آل فرنجيه وتحديداً مع زعيم “المردة”، الذي كانت له الجرأة للجهر بهذه الصداقة عام 2020 عندما استهدف العونيون الشقيقين رحمة بملف الفيول المغشوش. شبكة العلاقات التي نسجها الشقيقان مع الطبقة السياسية في لبنان اعتمدت في الدرجة الاولى على شبكة المصالح التجارية والمالية. وقد يكون هذا السبب الرئيسي الذي دفع بأصدقاء وحلفاء الامس الى التبرؤ اليوم من تلك العلاقات، علماً ان العقوبات لم تأتِ من عدم، وقد بُنيت على معطيات ودلائل وقرائن ستبين المستفيدين من الطبقة السياسية.

بات واضحاً ان القرار الاميركي محسوم في المضي في سياسة العقوبات لفكفكة منظومة الفساد المحلية، وصولاً الى الرؤوس الكبيرة التي لا تزال تتحصن بمواقعها وحصاناتها السياسية، وكل ذلك تحت عناوين اصلاحية.

في الاجتماع الخماسي في باريس قبل نحو شهرين، كانت واشنطن حاسمة في قرارها اعتماد المسار العقابي في وجه معرقلي المسار الديموقراطي واستعادة لبنان تعافيه، رغم اعتراض عدد من الدول المشاركة في الاجتماع على قاعدة ان العقوبات لم تؤدِّ النتائج المتوخاة منها كما حصل مع باسيل. لم يغيّر رأيُ المعترضين في التوجه الاميركي الذي اثبت القول بالفعل عبر إدراج الاخوين رحمة على لائحة العقوبات.

اما السؤال عمن استهدفت واشنطن بهذا القرار، وهل يقتصر فقط على فرنجيه الذي يسير بخطوات واثقة نحو قصر بعبدا، فالجواب يأتي من مصادر سياسية متابعة بأن الاستهداف لا يقف عند فرنجيه، وإن كان فُهم على انه كذلك، نظراً الى العلاقة الوطيدة بينه وبين الاخوين رحمة. وهو في هذا السياق لا بد ان يفعل فعله ويبطىء مسيرة الرجل، من دون ان يطيحها عملياً، لكن الاستهداف المعنوي أبعد من فرنجيه ويتناول الجميع على قاعدة ان “لا خيمة فوق رأس احد”، وان قاعدة “business as usual” لم تعد تصلح بعد الانهيار الذي بلغه البلد وافقر شعبه لمصلحة حفنة من المنتفعين والمستغلين للنفوذ والسلطة.

في لبنان، تحرص السفيرة الاميركية على شرح حيثيات القرار ووضعه في اطار مكافحة الفساد ومواكبة العملية الاصلاحية في لبنان، وكذلك يفعل مسؤول الخزانة الاميركية. ولكن أياً تكن حيثيات التوقيت، فهو يعطي من دون ادنى شك رسالة الى الداخل اللبناني ان لبنان بات تحت المجهر الدولي وزمن غياب المحاسبة لم يعد قائما، وإن كان يأتي من الخارج!

المصدر
سابين عويس - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى