مقالات

بعيداً عن التجليط الإعلامي حول معاهدة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

التجليط الإعلامي ناشط بين الحين والآخر في موضوع تبرير أو تظهير حصول المعاهدة اللبنانية الإسرائيلية على #ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. لا معاهدة بلا “بطولات” إعلامية يقول “المطبخ” السياسي لما بعد الترسيم. لكن العنصر الناقص في كل هذا التظهير هو الموقف الإيراني الذي من دونه ما كان يمكن لهذه المعاهدة أن تتم.

لننسَ في هذا “التفنيص” الأسماء المحلية، رغم كل الجهود المشكورة التي بذلها أصحابها، ولنقرأ على الشاشة: الرئيس جوزف بايدن، الرئيس ايمانويل ماكرون، شركة #توتال، #العراق، القيادة الإيرانية، القيادة الإسرائيلية في الحكومة السابقة، بنيامين نتنياهو في الحكومة الحالية. كانت الصفقة التي أخرجها بذكاء فريق أميركي رأس جبل النار فيه المبعوث آموس هوكشتاين تدور رحاها من واشنطن إلى باريس فطهران وبغداد فبيروت.

كان الهدف يستحق المجهود:

1- الاتفاق الذي سيصبح بل أصبح معاهدة هو أول معاهدة بين دولتي لبنان وإسرائيل، وهذا بحد ذاته نقطة تحوّل غاية في الأهمية الاقليمية بعد “اتفاقات أبراهام” وتكملة سياسية لها بموافقة إيرانية.

2- الاتفاق يعني التحاق لبنان بالشبكة الإقليمية لإنتاج الغاز المتشكّلة بفعالية في المنطقة، شرق المتوسط، وتضم إسرائيل مصر قبرص اليونان تركيا وربما فلسطين غزة لاحقا. الشبكة الغازية التي تنتظرها أوروبا بإلحاح بعد الحرب في أوكرانيا.

3- في ظل تعثر الاتفاق النووي الثاني بين واشنطن وطهران، فإن اتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان كان أكبر إشارة إيرانية إلى استعداد النظام الإيراني للتكيف مع مرحلة سلمية جديدة في كل المنطقة. وفعلا لم تُكذِّب الأحداثُ اللاحقةُ الخبَرَ الجيِّدَ فظهرت القابليةالإيرانية التسووية في الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية. وكانت طهران قد نالت دفعة أميركية سياسية على الحساب في السماح لها بالاتيان بحكومة محمد السوداني العراقية الموالية لها بعد طول توتر مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. ولربما تأتي دفعات أخرى امام تسويات لاحقة إذا ناسبت الجانب الأميركي بعد الاتفاق السعودي الإيراني.

4 – كان الدخول القطري على تحالف توتال الفرنسية وإني الإيطالية علامة أساسية على ما يختزنه الاتفاق من جو جديد في المنطقة.

5- يحظى الاتفاق بتأييد لاشك فيه من الأغلبية الساحقة للشعب اللبناني المختنق بالانهيار الاقتصادي، والذي ينظر إلى الثروة الغازية على انها هبة من الطبيعة لبدء الخروج من الانهيار حتى مع مافيا الفساد المتحكمة به. وهذا، ما قد يريح مستقبلا المؤسسات الدولية المانحةللقروض من أنه يخفِّف عنها عبء الالتزامات المالية الآتية.

6- انتبهوا كيف خرج الحديث عن اتفاق الترسيم من البازار الإسرائيلي الداخلي والتزم بنيامين نتنياهو بتنفيذه البادئ أصلا دون إضاعة الوقت من حقل كاريش الإسرائيلي .

7- لم يبدأ الحديث بعد في البازار اللبناني الداخلي عن حصص الطائفيّات السياسية وفروعها المافياوية في عائدات الغاز. الاستعدادات لاشك في الغرف السوداء جارية للتحضير للمرحلة الآتية.

8- من يجرؤ على الاستهانة بالغنيمة العراقية على المائدة الأميركية الإيرانية. والعراق هو البلد الذي صار يتجاوز إنتاجه من النفط الأربعةملايين برميل يوميا. إذن أنعِمْ وأكرِم على أرباح الشركات الأميركية وحليفاتها من مليارات الدولارات منذ عام 2003 فصاعدا وتصاعدياً. وأنعِمْ وأكرِم على قنوات استفادة الاقتصاد الإيراني المأزوم والمحاصر الهائلة من السَنَد العراقي داخل مزاريب الدولة العراقية التي تصبح امامها مداخيل الفساد اللبناني مجرد مزاح صغير.

لا زال لبنان محتاجا في منظومته السياسية إلى المزيد من قشر الجِلْد الأيديولوجي. هذا أحد مداخل الإصلاح العميقة التي لا يتحدث أحدعنها في بيروت أو يقاربونها بلغات سياسية بالية. يمكننا على الأرجح أن ندخل إلى الحقبة النفطية مثل العراق وفنزويلا ونيجيريا وغيرها من دول الاختلال الوظيفي.

وهذا ما هو مرجّح. دول نفط وفساد. أما لبنان كدولة محترمة فلا أرى أفقاً لذلك مع هذا الجيل من المنظومة السياسية المعلنة والمستترة .

سينشط التجليط الإعلامي طويلا حول معاهدة ترسيم الحدود البحرية لا لأن الذي فعله لبنان بدعم أميركي إيراني هو فعل خاطئ، على العكس فهو يخدم المصالح العليا اللبنانية ولو كانت مهددة من تنين الفساد المحلي، ولكنه سينشط طويلا لأن بعض القوى التي صنعته مصابة بعقدة خطاب أخطر ما فيه خوفها من البعد المستقبلي لسياسة بلا ادعاءات أيديولوجية حتى وهي تصنع هذا المستقبل بخطاب ماضوي منهَك.

المصدر
جهاد الزين - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى