مقالات

كيف تقتل قيادات الحرس الثوري؟

أكثر بكثير من أن يكون «احتقاناً عصبياً»، كما تصفه بعض الأوساط الاسرائيلية. ثمة تصدعات بنبوية، وتنذر باندلاع حرب أهلية. المعارضون يتهمون بنيامين نتنياهو بأنه «لكي يحمي رأسه يضحي برؤوس اليهود»، لتقول له الأستاذة في الجامعة العبرية ايفا ايلوز «انتبه، أنت لست بداود، أو سليمان، أنت رمز مقيت للزبائنية السياسية».

لكن رئيس الحكومة يعتبر الآن أن الأميركيين يتواطؤون مع الشارع الاسرائيلي، وأن الدعوة الى الغاء مشروع الاصلاح القضائي يتوخى تعليقه على حبل المشنقة. اذاً، لا سبيل له سوى البحث عن الطريقة التقليدية، أي التفجير العسكري. واذ كان يفضل لبنان لدواع عملانية ولوجيستية، فهو يعرف أن الصواريخ موجهة حتى الى غرفة نومه. ماذا عن ايران…؟

لم يعد خفياً وجود خلاف بينه وبين الجنرالات، وجلّهم قريب من البنتاغون، الذين يشددون على أن المؤسسة العسكرية وجدت لحماية الدولة، لا لحماية الشخص. لا يبقى أمامه سوى الخيار الدونكيشوتي، أي الأهداف الايرانية على الأرض السورية التي مزقتها الحروب.

اعلان الحرس الثوري أن اثنين من مستشاريه قتلا في غارات أخيرة، يفسّر بأن قيادة الحرس تزمع الرد…

ثمة من ينصح طهران بضبط الأعصاب، وفي هذا الوقت بالذات، كي لا تعطي نتنياهو الفرصة للخروج من المأزق، والضغط لتنفيذ ما يجول في رأسه (ليدخل التاريخ كما قادة اسرائيليين آخرين). ضربة ضد ايران، وهو الذي هاله الاتفاق السعودي ـ الايراني، ولا بد أن يسعى لقطع الطريق على تنفيذه.

اذاً، التعاطي بمنتهى الدقة مع العارض الهيستيري الذي يضرب نتنياهو، وان كان بعض الصقور في ايران يعتقدون ـ وهذا في نظر أكثر من جهة حليفة ينطوي على التباس في الرؤية، وفي التجربة ـ أن هذه هي اللحظة المثالية لتوجيه آلاف الصواريخ الى اسرائيل التي يقرّ كبار المعلقين فيها أنها في حالة درامية من الضياع.

لكن أصحاب الرؤوس الباردة هناك عضّوا على الجرح أكثر من مرة، ان لعدم الانزلاق في التوقيت الاسرائيلي، أو ريثما تكتمل منظومات صاروخية، وغير صاروخية، لتكون النتيجة حاسمة لا حلقة من حلقات الصراع. الآن، العض على الجرح أكثر من أن يكون ضرورياً لتأخذ الأزمة في اسرائيل مداها، وحيث السقوط الحتمي للائتلاف.

نتنياهو عرف كيف يرتكب «الخطيئة المميتة» حين ترك رفاقه في الائتلاف يحملون على أميركا بالأعصاب المشدودة الآن، على الجبهة الروسية كما على الجبهة الصينية. وهذا ما يدركه عدد من نواب الليكود الذين طالما عارضوا افتعال أي أزمة (كبرى) مع البيت الأبيض.

هذا لا يعني التغاضي عن بعض الأسئلة الحساسة التي يفترض أن توجه الى المراجع الايرانية المعنية، لا سيما حول العمليات التي نفذها الموساد في العمق الايراني، باغتيال شخصيات فائقة الأهمية، و باختراق الأرشيف النووي، والاستيلاء على وثائق في منتهى الأهمية، ناهيك عن استهداف مراكز نووية، ان بالتفجيرات أو بالحرائق.

الأسئلة تطاول، بطبيعة الحال، سبل الحماية التي يعتمدها الايرانيون في سوريا. لا شك أن الحروب التي حدثت هناك، مع احتلال الأميركيين، والأتراك، لأجزاء حيوية من الأرض السورية، أحدثت اختلالاً في القطاعات كافة، بما فيها القطاعات الأمنية التي لا يمكنها احتواء كل منافذ الخطر.

هذا ما يدركه الايرانيون الذين فعلوا الكثير، وينبغي أن يعملوا أكثر، لحماية مواقعهم، وقادتهم. كيف عرف الاسرائيليون بوجود قائد الوحدة الالكترونية في الحرس الثوري، وفي هذا الوقت بالذات، ليستهدفونه بصاروخ من الجولان، أي من مسافة تتعدى المائة كيلومتر؟

لم يكن هذا الاستهداف الأول، وبتلك الدقة، ولن يكون الأخير أيضاً، كما تثبت الأحداث (والغارات) يوماً بعد يوم. ومع اعتبار أن الايرانيين خبراء في اقامة شبكات الانفاق. ولكن هل يكفي ذلك لمنع العيون الاسرائيلية، أكانت أقماراً صناعية أم كانت عيوناً بشرية، من تتبع المواقع، والرؤوس، الايرانية كهدف «مجاني» للغارات ؟

هذا في الحالة السورية. هنا الظهر الايراني الذي قد يكون مكشوفاً لأسباب شتى. ولكن ماذا حين يكون الصدر في داخل ايران مكشوفاً، مع ما لذلك من تداعيات كارثية في حال نشوب مواجهة عسكرية واسعة النطاق. على هذه الثُغر تراهن اسرائيل في أي عملية عسكرية.

على أمل أن يتقبّل الايرانيون أسئلتنا…

المصدر
نبيه البرجي - الديار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى