مقالات

لقاء ثلاثي في القاهرة: سوريا ولبنان على الطاولة

تتردّد في أكثر من عاصمة عربية أخبار عن عقد لقاء رفيع المستوى في القاهرة قريباً بين ممثلين أمنيين من الصف الأوّل من مصر والسعودية وسوريا. وهو لقاء يُراد منه البحث في قضايا المنطقة بدءاً بالملفات السورية المتشابكة ومطالب العرب لعودة سوريا إلى الحضن العربي بعد غياب 12 عاماً، وثمن تلك العودة التي ترغب فيها وتنتظرها أطراف عربية باتت تشكل أغلبية وازنة.

عودة مرهونة بتعهّدات متبادلة

ويُقدّر للاجتماع الثلاثي إذا ما نجح أن يفتح الباب واسعاً أمام عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية على أن يتوجه الأمير فيصل بن فرحان في الأسابيع القليلة المقبلة لتسليم الرئيس السوري بشار الأسد دعوة لحضور القمة المقرر عقدها في الرياض في التاسع عشر من شهر أيار المقبل، كما أشارت وكالة «رويترز».

ويشير متابعون إلى أنّ سقفاً قد وُضع لعودة العلاقات العربية – السورية وهو يضمن الحصول على تعهدات واضحة من النظام في سوريا مقابل تعهّد العرب، الخليجيون منهم على وجه الخصوص، بمساعدة دمشق على استعادة عافيتها المالية والاقتصادية والشروع باستثمارات تُعيد إعمار البلاد وإطلاق الدورة الاقتصادية فيها. أمّا تعهّدات النظام، فتنطوي على أداء جديد على المستوى الداخلي يُشرك المعارضة في الحكم بشكل أو بآخر، ويمنع صناعة وتجارة الكبتاغون بالقوة عبر تدخّل أدوات النظام الأمنية، ومعالجة قضية السجناء والمفقودين، والأهم قضية النازحين التي بدأت تشكّل ملفاً متفجراً في أكثر من بلد مجاور.

ففي لبنان، بات العبء شديد الخطورة اجتماعياً وخدماتياً وحتى تربوياً وسكانياً، بل يحذّر مراقبون من اتخاذ قضيتهم بعداً أمنياً وجرمياً إذا ما طالت الأزمة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بيروت. وفي تركيا التي شهدت نكبة أكبر زلزال منذ عقود في شباط الماضي، يشكّل النازحون السوريون اليوم مادة ملتهبة وورقة ضاغطة في سرديات الخطاب السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في 14 أيار المقبل في دورتها الأولى. وفي الأردن المجاور، تعاني عمان من تبعات النزوح السوري وتهريب المخدرات عبر المملكة الهاشمية إلى دول الخليج.

الوجود العسكري الأجنبي في سوريا

إضافة إلى ملف النازحين السوريين، سيجري المجتمعون نقاشاً مستفيضاً حول وجود قوى عسكرية أجنبية على الأراضي السورية. وسيرتكز النقاش حول وجود قوات إيرانية في سوريا ولو تحت صفة استشارية، وميليشيات متعدّدة الجنسيات تابعة لها من عراقية وأفغانية وسواها، ووجود «حزب الله» العسكري بشكل واضح وصريح، والوجود التركي والقوى السورية المحلية المتحالفة معه. وسيتمحور النقاش أيضاً حول القواعد الأميركية وطبيعة القوة الكردية الموالية لواشنطن، وذلك من دون التطرّق إلى الوجود الروسي الذي أصبح شرعياً في سوريا بموجب اتفاقات ثابتة بين البلديْن على قواعد عسكرية ثابتة لعقود.

لبنان والفراغ الرئاسي

من المؤكد أنّ لبنان لن يغيب عن طاولة البحث، بل سيعرّج المجتمعون على أزمة الاستحقاق الرئاسي وضرورة ضمان الاستقرار في بلد الأرز. ومن المتوقع أن يطال النقاش فلسطين بـ»غزتها وضفّتها» والحكم المتطرف في الكيان الاسرائيلي الذي يقود معارك وجودية داخلية بين التجمعات اليهودية الغربية والشرقية، بالتزامن مع معارك إبادة بحق الشعب الفلسطيني الذي اتخذ قراراً بتصعيد المقاومة وتنويع أشكالها.

لقاء في توقيت إستثنائي

يأتي لقاء القاهرة الثلاثي في توقيت حساس يعقب توقيع الاتفاق الإيراني-السعودي برعاية صينية محمودة أميركياً. وقد رحّبت المواقف الأميركية المعلنة بهذا الاتفاق، بل كان الموقف الأخير الذي أطلقته باربارا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، بعد زيارتها بيروت، واضحاً جداً لقولها إنّ «الاتفاق السعودي-الإيراني قد يكون له تأثير مهدئ ونافع في لبنان والمنطقة كلها»، وتأكيدها أنّ «الإدارة الأميركية تبقى مركّزة على مصالحها الدائمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

ومن الواضح أنّ فريقي الاتفاق أي السعودية وإيران يرغبان في المضي قدماً بتحسين العلاقات بينهما بدليل الزيارات المعلنة التي قام بها السيد علي شمخاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي، إلى كل من الإمارات في 16 آذار والعراق في 19 منه، ولقائه وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي، الذي زار طهران في 27 من الشهر عينه. وآنذاك، أكّد شمخاني أنّ «تطوير التعاون الشامل مع دول الجوار هو الأولوية الرئيسية لإيران في العلاقات الخارجية». وقد ترافقت هذه التطورات الإيجابية مع زيارة رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية، كمال خرازي، إلى لبنان وسوريا حيث شدّد على إيجابيات الاتفاق مع السعودية برعاية صينية. ومِثل شمخاني نوّه خرازي بأهمية العلاقة مع كل دول الجوار العربيّ وفي مقدّمها المملكة العربية السعوديّة.

ولم يشأ خرازي المبالغة بتوقعاته، لكنه اعتبر أنّ «التوجه إلى حلول لبعض الأزمات والمشكلات الكُبرى من العراق وسوريا إلى اليمن بات مُتاحاً». يُذكر أنّ شمخاني وخرازي هما من دائرة الإمام الخامنئي التي تولّت بتوجيه منه فتح الحوار مع السعودية من أجل التوصل إلى اتفاق مع كل دول الجوار.

وعلى المقلب السعودي أيضاً، قامت وفود أمنية بزيارات غير معلنة إلى كل من سوريا ومصر والعراق، لشرح الاتفاق والاندفاع نحو تعزيز فرص نجاحه وإسقاط هذا النجاح على الإقليم الأوسع.

الاستحقاق الرئاسي على نار هادئة

في خضم كل ما سبق، يبدو الاستحقاق الرئاسي في لبنان وكأنّه موضوع على نار هادئة، قد ترتفع حرارتها كلّما اقترب الاتفاق حول ملف اليمن المتوقع توقيعه قبل نهاية شهر رمضان المبارك برعاية وزيري خارجية السعودية وإيران، على أن يتولى الفرنسيون إدارة ملف التفاوض والتنسيق حول لبنان. وهذا ما دفع باريس إلى دعوة أبرز المرشحين للرئاسة رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، المستند إلى دعم الثنائي الشيعي، أي حركة «أمل» و»حزب الله»، ومن يدور في فلكهما. وقد تسرّب عن هذا الاستقبال أنّ فرنجية قد أعطى كل الضمانات بالسير بالإصلاحات والتعاون مع صندوق النقد الدولي، وتأليف حكومة إصلاحية برئيسها وأعضائها بالتفاهم مع القوى السياسية. ويمكن لهذه الضمانات أن تريح العرب لكنها لا تكفي لبلوغ الرجل سدة الرئاسة، كون اللعبة الداخلية قادرة على خربطة الاتفاقات الدولية والإقليمية كما حصل أكثر من مرة في تاريخ لبنان الحديث. هذه الحقيقة تعني أنّه يُنتظر من فرنجية أن يحدث خرقاً على الساحة المسيحية يؤمّن له أصواتاً وازنة وغطاء مسيحياً لفترة رئاسته. ومن الجلي أنّ الفترة المعطاة لفرنجية لمحاولة إحداث هذا الخرق ليست مفتوحة، فبعدها يبدأ البحث عن البديل الذي يؤمن أكبر قدر من الأصوات كي يبلغ الرئاسة، وإلى ذلك الحين صبرٌ وعض أصابع لن يدوما طويلاً.

إنفراج قريب؟

يأتي لقاء القاهرة الثلاثي إذاً بعد سلسلة نزاعات دامية انطلقت مع الربيع العربي في 2011 ووصلت إلى سوريا واليمن حتى بلغت إيران التي خضتها التحركات الشعبية في أيلول الفائت. المنطقة منهكة وجميع القوى تبحث عن الاستقرار بعدما بلغت الأوضاع حداً غير مسبوق من التدهور بات يصعب احتواء آثاره المكلفة. وبعد عودة العلاقات السعودية–الإيرانية والانفتاح العربي على عودة سوريا، تبدو الظروف سانحة وممهِّدة لاتفاق يمكن أن يريح المنطقة بعد أكثر من عقد من النزاع.

المصدر
خلدون الشريف - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى