مقالات

رمضان اللبنانيين هذا العام… حتى الأيادي البيضاء فقدت قدرتها

“شهر رمضان هذا العام هو الأصعب على الإطلاق، فالقدرة الشرائية لديّ تكاد تكون معدومةً”؛ بهذه الجملة يختصر سعد واقعه ومعاناته الاقتصادية والمعيشيّة، التي يشاركه فيها غالبية اللبنانيين.

بمقارنة بسيطة بين واقع لبنان هذا العام والعام الماضي، يتّضح حجم الكارثة في الرواتب والقدرة الشرائية، ففي رمضان 2022، كان سعر الصرف في السوق السوداء المتحكمة بالحياة اللبنانية، 25،000 ليرة لبنانية للدولار الأمريكي الواحد، أما رمضان هذا العام فقد تزامن مع ارتفاع هستيري وصل إلى 108 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد، ما يعني أن سعر الصرف ارتفع نحو خمسة أضعاف عمّا كان عليه العام الفائت.

هذا الارتفاع الكبير في سعر الصرف، قابله ارتفاع كبير جدّاً في أسعار السلع والمواد الغذائية. كيف لا ولبنان يستورد 86% من غذائه بحسب أرقام وزارة الاقتصاد والتجارة، وطبعاً هذا الاستيراد يكون بالدولار الأمريكي، وأي ارتفاع في سعر الصرف سينعكس تلقائيّاً على أسعار المواد المتسوردة، ارتفاعاً إضافيّاً؟

على سبيل المثال، كان سعر كيلو اللحم الأحمر في رمضان الماضي، 250 ألف ليرة، واليوم أصبح مليوناً و300 ألف ليرة، وأحياناً مليوناً وخمسمئة ألف ليرة عند بعض الجزّارين، وعلى هذه القاعدة نستطيع أن نقيس كافّة السلع من زيت وأرزّ وسكّر وحليب ومعظم المواد الأساسية التي تدخل في النظام الغذائي للمواطن اللبناني.

هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، لم يقابله ارتفاع في مداخيل المواطنين، خاصةً أولئك الذين يعملون في القطاع العام، وكذلك الذين يعملون في القطاع الخاص، إذا ما استثنينا بعض الشركات الأجنبية الكبيرة التي تدفع رواتب موظفيها بالدولار الأمريكي.


سعد الذي يبلغ من العمر 33 عاماً، وهو أب لأسرة مكونة من 3 أفراد، يعمل في شركة خاصّة لبنانية، لم يذكر اسمه كاملاً كي لا يُطرد من الشركة. كان راتبه العام الماضي ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، وأضافت له الشركة مبلغاً قدره 50 دولاراً أمريكياً. أما هذا العام، فالشركة أبقت على المبلغ اللبناني كما هو، وزادت 50 دولاراً أخرى على راتبه، ما يعني أن راتبه أصبح 100 دولار وثلاثة ملايين ليرة، أي أن كل راتبه لا يتجاوز 130 دولاراً.


هذه الزيادة بحسب سعد ليست إلا هرطقةً، فكل شيء ازداد أضعافاً مضاعفةً، بدءاً من أجرة السرفيس الذي يقلّه إلى عمله وصولاً إلى كل المواد الغذائية وفاتورة مولّد الكهرباء وكذلك الاتصالات والطبابة والتعليم. يقول: “كل شيء تضاعف خمسة أضعاف إلا الرواتب لم تتضاعف ولو مرّةً واحدةً، صاحب الشركة زاد نسبةً قليلةً من الراتب، الذي بالكاد يغطي أجرة النقل من مركز العمل وإليه، وهدفه أن تبقى شركته تعمل، ولا يهمّه وضع الموظف وأسرته، للأسف هذا حال الكثير من الموظفين”.

رمضان سيمرّ بصعوبة
القدرة الشرائية ما بين 2021 و2023، تدهورت كثيراً، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمّال، الذي يلفت في حديثه لرصيف22، إلى أن “الأزمة بدأت أواخر عام 2019، لكن المواطن لم يشعر بها لأن الدولة في البداية دعمت الأشياء الأساسية كالدواء والغذاء والمحروقات والاتصالات وخدمات كثيرة كانت متوفرةً، والقطاع العام كان يقوم بدوره، وكل الضرائب والرسوم كانت بالليرة اللبنانية وبسعر معقول”.

ويشير إلى أن “عموم اللبنانيين استفادوا من الدعم عام 2021، علماً أن المجلس كان ضد دعم السلع لأن ذلك أدّى إلى تهريبها وهدر المال العام، ولكن هذا الدعم أبقى الناس مرتاحةً من 2020 حتى منتصف 2021، أي أن الذي كان يتقاضى راتباً متواضعاً كان مرتاحاً، والذي كان يتقاضى ‘فريش دولار’ شعر بالبحبوحة، أما اليوم فكل شيء تغيّر، الدعم رُفع عن كل شيء، والذي يتقاضى ‘فريش دولار’ لم يعد وضعه كما كان، لأن كل شيء أصبح يسعَّر بالدولار، فما بالك بالذي يتقاضى راتبه باللبناني؟ والأخطر أولئك العاطلون عن العمل، وبحسب الإحصاءات، إذ بلغ نسبتهم في السنة الماضية، 40% من القوى القادرة على العمل وأغلبهم من الخرّيجين الجامعيين”.

ويرى رمّال أن “شهر رمضان هذا العام سيمرّ بصعوبة على الناس، لأن الفقر زاد والسلع الاستهلاكية والغذائية تحديداً التي لها علاقة برمضان ارتفعت أسعارها، والناس باتوا يشعرون بالقلة والحاجة، ولكن تبقى الجهود والمبادرات الاجتماعية والتكافل الاجتماعي تغطي ولو القليل من حاجات الفقراء والمعوزين، وتحلّ مكان الدولة التي أصبحت عاجزةً عن تمويل رواتب موظفيها، من أجل تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم لهم”.

مبادرات “الإعالة”
جمعية “نحن قدّا” في بلدة طيردبا في قضاء صور (جنوب لبنان)، أطلقت مبادرتها كما كل عام للوقوف إلى جانب العائلات المتعفّفة، ويشير رئيس الجمعية علي حيدر، إلى أنها “تؤمّن الخضروات الأساسية للعائلات وكذلك اللحوم والدجاج، وتقوم بتوزيعها على المنازل بمساعدة أعضاء الجمعية والمتطوّعين”.


ويقول: “الجمعية تقدّم الحصص الغذائية، لكن هذا العام انخفضت التقديمات من هذا النوع، ففي العام الماضي كانت الجمعية توزّع 230 حصّةً، أما هذا العام فستوزّع 50 حصّةً، نظراً إلى الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في السوق. فعلى سبيل المثال، في الماضي كنا نعطي العائلة فروجاً أو فروجين كل أسبوع، وهذا الفروج كان يزن 3 كيلوغرامات، أما هذه السنة فخفّضنا وزنه إلى كيلوغرام واحد، لكي نحافظ على العطاء ونبقى نغطّي قدر المستطاع من العائلات لدينا”.

يضيف حيدر: “نحن نضع سلّةً في جميع المتاجر الموجودة في البلدة، ونميزها بأنها سلة لشهر رمضان، لمن يحب أن يتبرع بأي شيء من المتجر ومهما كان حجمه أو قيمته، ونحن نقوم بجمع هذه السلال ونفرزها ثم نعود ونوزّعها على العائلات، وبهذه الطريقة يكون الجميع مشاركين في عمل الخير مهما كان وضعهم المادي أو حجم التبرع الذي يقدّمونه”.

من جهتها، أطلقت جمعية “كن إيجابي” في بيروت، مطبخها السنوي في شهر رمضان، لمساعدة الأيتام وكبار السن والعائلات المتعففة، عبر تأمين وجبات الإفطار اليومية، وبحسب رئيسة الجمعية ملك عيتاني، كلفة وجبة الإفطار على الكثير من العائلات باتت مرتفعةً وخارج متناول اليد.

أما عن فرق الأسعار بين رمضان الماضي والحالي، فتقول عيتاني إنها ارتفعت عما كانت عليه ارتفاعاً كبيراً، فالمواد الأولية التي تؤمنها الجمعية للمطبخ أصبحت باهظة الثمن، بسبب ارتفاع سعر الدولار، وهذا الشيء أثّر على القدرة على تغطية أكبر عدد ممكن من العائلات، فالمبلغ الذي يصل إلى الجمعية أصبح لا يكفي لمساعدة العدد الذي كانت تساعده من قبل، وهذا أثّر أيضاً على المتبرعين.

معايير اختيار العائلات
عن كيفية اختيار العائلات المستهدفة، تقول عيتاني: “لدينا بيانات بالعائلات المحتاجة، وطبعاً زرناها في منازلها لكي نرى عن كثب وضعها المعيشي، نحن اليوم لدينا ما يزيد عن 450 عائلةً مستفيدةً، ونحاول قدر المستطاع أن نغطّي الأكثر احتياجاً وحسب الكمية التي بحوزتنا”.

بدوره، يلفت حيدر إلى أن “المعايير المتّبعة لاختيار العائلات المحتاجة تغيّرت عن الأعوام الفائتة، ففي الماضي كانت الجمعية تستهدف أصحاب المصالح الصغيرة كون أوضاعهم الماديّة كانت متواضعةً، واليوم أصبح وضعهم أفضل، بينما توجهّنا إلى موظفي الدولة والعسكريين وأساتذة التعليم لأن أحوالهم أصبحت صعبةً، في ظل غياب الخطط الإنقاذية للدولة لتحسين أوضاعهم”.

ويتفق كلٌّ من حيدر وعيتاني، على أن الواردات المالية تأتي من أفراد الجمعية ومن الأصدقاء والمغتربين وكل من يحب أن يبذل في شهر الخير، فبالنسبة إلى شريحة كبيرة من الناس ومنهم من يكون فقير الحال، فإنهم يسعون إلى مساعدة من هم أكثر فقراً منهم.

ربما يكون شهر رمضان هذا العام الأصعب على المواطن اللبناني منذ عقود طويلة، فالبلد لم يشهد هكذا أزمة اقتصادية خانقة، وربما يكون هناك الكثير من العائلات التي تبيت بلا إفطار أو تصوم من دون سحور، وهنا يبقى الأمل معلّقاً على أصحاب الأيادي البيضاء من فاعلي الخير وأصحاب المبادرات الذين كثروا في الآونة الأخيرة لمدّ يد العون لها، لأن أعداد المحتاجين في تصاعد، في ظل عجز الدولة التام عن القيام بأي إصلاحات سياسيّة واقتصاديّة لفرملة التدهور الحاصل في لبنان.

المصدر
رصيف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى