مقالات

مطار القليعات: مطلبٌ مسيحي إسلامي و”مطبّات هوائية سياسية”


تصدّرت المطالبة بإعادة تأهيل مطار جوّيّ جديد في لبنان النداءات خلال الأيام الماضية، متّخذة أبعاداً متنوّعة منطلقة من اعتبارات إنمائية وسياسية واقتصادية وديموغرافية. وصبّت الوجهة الاستطلاعية نحو مطار الرئيس الشهيد رينيه معوّض في القليعات العكارية خصوصاً، مترافقة مع مؤتمر صحافيّ للجنة متابعة تشغيل المطار ومفتي عكّار زيد زكريا طلباً لإعادة العمل فيه. وانضمّت أصوات مسيحية إلى ضرورة تشييد مرفق جويّ آخر، بُعَيد الملاحظات التي تظهّرت نتيجة غياب الشفافية في عقد تلزيم مشروع توسعة مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت قبل إلغائه. منطقتا حامات وحالات كانتا أيضاً في سياق الأمثلة ضمن “حاجة واحدة”… لكنّ القليعات بقيت “القبلة الجوية” الأساسية لاعتبارات متعدّدة: أوّلاً، مشروع إعادة تأهيل مطار عكار يشكّل أولوية مقارنة مع سواه من المرافق الجوية. وكانت الحكومة اللبنانية اتخذت قراراً عام 2012 بتوسعته وتطويره لاستقبال الأفراد والبضائع، وربطه بطرابلس بسكك حديدية. ولكن، لا يزال المشروع معلّقاً ولم يدخل حيّز التنفيذ حتى اللحظة. ثانياً، أضاء حزب “القوات اللبنانية” على ضرورة اعادة افتتاح المطار في القليعات ضمن برنامجه الانتخابيّ 2022، ما شكّل أحد البنود البارزة التي حظيت باهتمام وتأييد بارزيين على النطاق الشعبي. ثالثاً، ميزات المطار عن سواه لناحية قدرته على استقبال الطائرات الكبيرة مع إمكان إطالة مسافة المدارج من 3200 متر إلى 4000 متر. رابعاً، المؤتمر الصحافيّ العكاريّ بحضور مفتيها الذي ساهم في تفعيل الموضوع في الإعلام، والمطالبة بالمرفق العام لما له من عائدات على المحافظة الشمالية التي تعاني أزمة اقتصادية.

تاريخياً، أنشئ المطار على الساحل الشمالي اللبناني إبّان الحرب العالمية الثانية من الحلفاء عام 1941، ثمّ أصبح تحت إشراف الجيش اللبناني الذي طوّره تقنياً ووسّعه ليصبح واحدة من القواعد الجوية البارزة في المنطقة عام 1966. وحصل ذلك بمواكبة ومساعدة من فرنسا التي زوّدت القوّات الجوية اللبنانية بطائرات الميراج ودرّبت الفنيّين. وبعد هذه المرحلة الذهبية، انتكس مطار القليعات خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، لكنّه شهد على محطّة تاريخية بارزة تمثّلت في انتخاب الرئيس الشهيد رينيه معوّض فيه رئيساً للجمهورية… وبعد اغتياله سمّي على اسمه تيمّناً بدوره الوطنيّ.

في العام 2023، يطالب المواطنون الشماليون على تنوّعهم بمطار القليعات بما يشمل رجال الدين المسلمين والمسيحيين، لاعتباره نافذة اقتصادية وإنمائية للمنطقة والبلاد تتمتّع بكافة المؤهلات المطلوبة لإعادة تأهيلها وتشغيلها. وبحسب المعطيات فإنّ نواب عكار الحاليين المحسوبين على تكتل “الاعتدال الوطنيّ” سيصرّون على مطلب المطار الشمالي في الأسابيع المقبلة، بما يشمل اجتماعات لجنة الأشغال العامة النيابية التي يرأسها النائب سجيع عطية. ويقول لسان حال نواب تكتّل “الاعتدال” إنّ مطار القليعات لا ينقصه الكثير مع أهمية بارزة لموقعه القريب من السهل والشاطئ في آن، واستطاعة مناطق الشمال وصولاً إلى جونيه في جبل لبنان والهرمل في قضاء بعلبك الإفادة منه مع اختصار المسافات البرية بين البقاع الشماليّ وعكار. ومن إيجابيّاته أيضاً بالنسبة إليهم، تخفيف ضغط المسافرين والاكتظاظ على العاصمة بيروت. ويمثّل مطلباً وطنياً ينطلق من حاجة الدولة اللبنانية إلى أكثر من مرفق جويّ كما جميع دول العالم. ويحتاج بشكل أساسيّ إلى هيئة ناظمة وترتيب مبنى المسافرين بشكل أساسي، لكنّهم يعتبرون أنّ عراقيله سياسية أكثر منها اقتصادية وسط نزاع بين المركزية واللامركزية.

إذاً، هناك من يعبّر عن “مطبات هوائيّة سياسيّة” تعيق إعادة افتتاح المطار الشماليّ. وفي غضون ذلك، حمّل رئيس “لجنة متابعة تشغيل المطار” حامد زكريا في المؤتمر الصحافي قبل أيام مسؤولية العرقلة السياسية بامتياز إلى”حزب الله” ورئاسة المجلس النيابيّ، قائلاً إنّ الثنائيّ “لا يريدان إنماءً على حساب أهالي مناطقهم في بيروت”. واعتبر زكريا أنّ “أسباب عرقلة إعادة تأهيل المطار طائفية أيضاً، وسط خلاف قائم حول طائفة مدير الهيئة الناظمة التي لم تشكل حتى اللحظة؛ فالثنائيّ يريده شيعيّاً، تيار “المستقبل” سابقاً وميقاتي يريدانه سنيّاً، فتدخّل وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس واقترح أن يكون مارونيّاً، فجوبه بالرفض أيضاً”. وعن تمويله، حصر زكريا المبلغ بما يقارب الـ 90 مليون دولار، بحسب ما قدّرته مؤسسة “إيدال”.

سياسياً، حزب “القوات اللبنانية” داعم بارز لمشروع إعادة تأهيل المطار العكاريّ بعدما وضعه كنقطة أساسية في برنامجه الانتخابي، في إطار اعتبار المرافئ والمطارات تشكّل البوابات الأساسية للاقتصاد وللحركة التجارية. وقد تدهوَر وضع هذه البوابات على المستويات الأمنية والادارية على مدى العقود الماضية جرّاء الحرب، والوصاية السورية وهيمنة منظومة السلاح والفساد عليها. وارتأى برنامج “القوات” أن يعمل كأولوية على تصويب العمل الاداري للمرافئ مع الاهتمام بالشقّ الأمني من خلال مقاربته لضبط الحدود والمعابر الشرعية وتحويل هذه المرافق الحيوية إلى بوابات مفتوحة أمام الحركة التجارية السليمة ومصدر مداخيل كبيرة لخزينة الدولة تساهم في مرحلة النهوض. ونصّت البنود التي تضمّنها البرنامج الانتخابي “القواتي” على تطبيق سياسة متكاملة تربط البنى التحتية للمرافئ بالطرقات الداخلية والترانزيت وتحدّد وجهة استعمال المرافئ وسياسة تطويرها، تفعيل هيئة إدارة الطيران المدنيّ، واستكمال الإجراءات القانونية واللوجستية لفتح مطار الرئيس الشهيد رينيه معوّض في القليعات.

ووفق التفاصيل التي يرويها النائب السابق وهبي قاطيشا انطلاقاً من مواكبته الحثيثة لمطار القليعات من خلفيته العسكرية، فإنّ “الأرضية جاهزة ليكون لوجستياً مطاراً دولياً من ناحية المساحة والمدرج داخل منطقة زراعية مصدّرة ومستوردة مع امكان توسيع المساحات حوله قدر المستطاع. وهكذا، يعتبر مطار القليعات صالحاً لاستخدامه في التصدير الزراعي والملاحة الجوية. ويحتاج إلى عناصر إدارية وتقنية ورادار ومبنى للمسافرين وبعض المسائل الفنيّة البسيطة التي يسهل تأمينها، مع الإشارة إلى أنّ الأرض المحيطة بالمطار واسعة جداً”. لكن، هناك مسألة يدخل فيها معطى السياسة الخارجية يضيء عليها قاطيشا، لناحية “موقع مطار القليعات القريب من الحدود السورية والحاجة إلى الحديث مع الدولة السورية نظراً إلى كيفية الإقلاع الجويّ لعدد من الطائرات المدنية، وهذا ما ليس متوفراً اليوم من دون إغفال الخشية من عرقلة النظام السوريّ للمشروع”.

ولا يغيب عن مقاربة قاطيشا البعد السياسي لـ”المطالبة بمطار جديد خارج عن إطار نفوذ “حزب الله” وواجهة صور القادة الإيرانيين التي تستقبل الواصلين إلى لبنان. ويضاف إلى ذلك ظاهرة الرصاص الطائش التي تخترق الطائرات ويمكن أن تتسبّب بكوارث إذا استمرّت في مراحل مقبلة، فيما لا تنحصر المطالبة بمرافق جوية جديدة بالمسيحيين فحسب، بل تمثّل اللبنانيين كمطلب بأبعاد انمائية وسياسية واقتصادية على حدٍّ سواء. ولا يمكن إغفال البعد الإصلاحيّ أيضاً مع معاناة مطار بيروت كما مرفأ العاصمة من التهرّب الجمركي”. ولا تنحصر المطالبة بمطار آخر على منطقة القبيات في عكار فقط، بل تلفت مقاربة قاطيشا إلى “صلاحية مطار حامات الذي يتمتّع بقاعدة يستعملها الجيش اللبناني راهناً، وفي الامكان تحويلها إلى مطار مدنيّ من خلال تأهيل المطار وتجهيزه ببعض اللوجستيات”.

المصدر
مجد بو مجاهد - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى