صحة

مرضى غسيل الكلى ينتظرون التعرفة “المدولرة”

تريّث أحد المستشفيات في بيروت عن فرض 350 دولاراً مقابل جلسة غسيل الكلى، بعد أن وصلها دعم لاستكمال هذا الشهر. هذا المستشفى الذي بقي يقدّم هذه الخدمات منذ أكثر من سنتين، حسم قراره مكرهاً بإجبار المريض على دفع تعرفة الجلسة بالدولار، للحدّ من خسائره، قبل أن يُجمّد قراره إلى فترة محدّدة.

حوالى 4000 مريض ينتظرون اليوم ما ستؤول إليه المشاورات مع وزارة الصحّة بما يخصّ تعرفة جلسات غسيل الكلى. هذه الأزمة التي بدأت تكبر مع الارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار واستحالة اللحاق به، انعكس بشكل فاضح على المستشفيات التي بقيت ملتزمة بتقديم العلاجات من باب الإنسانية كما تقول، فيما المرضى يطلبون الرحمة لأنّهم عاجزون عن دفع تعرفة هذه الجلسات بالدولار.

ندور في هذه الحلقة المفرغة، تعديلات عديدة أدخلت إلى كلفة جلسات غسيل الكلى التي بقيت تُحاكي الليرة اللبنانية، إلى أن رفعت نقابة المستشفيات صوتها عالياً بعد تأخير دفع المستحقات العالقة لأكثر من سنة، والتي فقدت قيمتها في هذا الوقت، ناهيك عن الارتفاع المتواصل للدولار الذي تصعب مجاراته مع ما تتقاضاه المستشفيات مقابل علاجات غسيل الكلى.

لجأت المستشفيات إلى الطلب من مرضى غسيل الكلى تسديد جلسات العلاج بالدولار، للحدّ من الخسائر التي تتكبّدها، لكنّ مطالبتها الخمس لم تنجح في تعديل التعرفة، ليصل الطبيب كما المريض إلى حائط مسدود.

من الليرة اللبنانية إلى الدولار، لا مهرب من هذا الخيار، في انتظار القرار النهائيّ الذي سيصدر عن وزارة الصحّة، والذي يُتوقّع أن يكون في هذا الأسبوع.
يتحدّث نقيب المستشفيات الخاصّة عن الأزمة التي طالت المستشفيات، والمستحقّات التي ما زالت عالقة مع الجهات الضامنة، والتي تخطّى بعضها السنة ونصف السنة، يشرح لـ”النهار” أنّ “قيمة المستحقّات العالقة من كلّ الجهات الضامنة (وزارة- جيش- ضمان- تعاونيّة)، بلغت حدود الـ 2500 مليار ليرة لبنانية، ما زاد صعوبة الواقع، حيث تتكبّد المستشفيات الخسائر دون أن يتمكّن تعديل التعرفة من الحدّ منها نتيجة الارتفاع المتواصل للدولار.”

ونتيجة ذلك، توصّل المعنيّون إلى تحديد تكلفة جلسة غسيل الكلى في انتظار البتّ والاتّفاق حول طريقة الدفع، بعيداً عن الوسيلة التقليديّة التي تستغرق مدة طويلة قد تصل إلى السنة أو أكثر. ويشير هارون إلى أنّ “البحث جارٍ مع المعنيين للدفع شهرياً من خلال إصدار مؤشّر شهريّ من الوزارة، وحتّى الساعة لم نتوصّل إلى اتفاق نهائيّ”.

وإزاء المباحثات، توصّلت الجهات المعنية إلى تحديد كلفة جلسة غسيل الكلى بنحو 53 دولاراً للمستشفى و10 دولارات بدل أتعاب الطبيب. فالدراسة التي أعدّت سابقاً توصّلت إلى ضرورة رفع تكلفة الجلسة إلى 60 دولاراً، لكنّ وزير الصحة رفض ولم يقبل إلّا بـ 53 دولاراً تيمّناً بالظروف الصعبة التي يمرّ بها الجميع.

المسألة اليوم تتوقّف على قبول الجهات الضامنة هذا الاقتراح، والاتّفاق على طريقة دفع تُجنّب المريض دفع هذه التكاليف على نفقته.
وفي ظلّ عدم توحيد التكلفة، تختلف أسعار كلفة جلسة غسيل الكلى بين مستشفى وآخر، وتتراوح بين الـ 10 دولارات والـ25 دولاراً.

وفي انتظار إيجاد حلّ سريع لمعاناة المرضى، لاسيّما في الأوضاع الصعبة وتعذّر الكثيرين الدفع، وبالتالي التغيّب عن جلسات العلاج، يشدّد هارون على أنّه حتّى الساعة “لم يرفض أيّ مستشفى أيّ مريض، ولا يمكن أن نشهد على مثل هذه الحادثة، ولم يتخلَّ أيّ مستشفى عن مريض عاجز عن دفع فروقات الجلسة.”

ووفق الأرقام المسجّلة، هناك حوالى 4000 مريض يخضعون لجلسات غسيل كلى في لبنان، في حين أنّ عدد الجلسات التي يحتاجها كلّ مريض يبلغ حوالى 13 جلسة شهرياً.
بين المرضى والكلفة وأتعاب الطبيب الزهيدة، تتفاقم الأزمة تباعاً، وفي هذا الصدد يوضح رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى والضغط الدكتور روبير نجم لـ”النهار” أنّ “المشكلة الأساسيّة تكمن في التخلّف عن دفع مستحقّات المستشفيات والأطباء خلال السنتين الماضيتين، كان التوجّه إلى رفع التعرفة، بينما يواصل الدولار ارتفاعه مقابل عدم دفع هذه المستحقّات. وكنّا طالبنا منذ سنة تقريباً دفع هذه المستحقات خلال ثلاثة أشهر للحدّ من هذه الخسارة، وهناك تأخير عند بعض الجهات الضامنة، حيث لم تُدفع منذ سنتين المستحقّات المترتّبة، فيما الوزارة لم تدفع منذ سنة ونصف السنة، والضمان منذ حوالى السنة تقريباً”.

الكلّ يقذف المسؤولية على الآخر، والمستشفيات “أكلت الضرب” بعد أن وجدت نفسها تقدّم هذه الخدمة بشكل شبه مجّانيّ. إذ تُضطرّ إلى شراء كلّ معدّاتها بالـ”فريش” (بعضها ما زال مدعوماً من الدولة)، في حين وجد الأطباء أنفسهم بين خيارين: إمّا السفر والهجرة أو البقاء في المنزل، (لا يمكن لأحد أن يوفّر الطبابة لأكثر من ثلاث سنوات كعمل إنسانيّ دون الحصول على أتعابه).

ويؤكّد نجم أنّ “نسبة الأطبّاء الذين هاجروا بلغت حوالى 20 في المئة، مقابل رفض الكثيرين متابعة العمل والبقاء في منازلهم لأنّهم لا يريدون “التطبيب ببلاش”، وعدم قدرتهم على تغطية نفقات تنقّلاتهم وكلفة المحروقات، فيما الدولة غائبة عن مواطنيها ولا تسأل عنهم.”

وبعد التوافق على كلفة الجلسة التي تبلغ 53 دولاراً، إلى جانب أتعاب الطبيب البالغة نحو 20 في المئة من قيمة الجلسة أي ما يوازي الـ10 دولارات، يشير نجم إلى أنّ “الحلّ الأنسب أن يكون الدفع وفق مؤشّر شهريّ خاصّ بجلسات غسيل الكلى، شبيه بمؤشّر الأدوية، يُدفع كلّ شهر.
يعترف نجم أنّ “وزير الصحة يعمل جاهداً في هذا الملفّ، ولكنّ الحلّ ليس في يده وحده، وهو يحتاج إلى موافقة وزارة المال والجهات الضامنة. صحيح أنّ وزير الصحّة كان الوزير الأكثر تعاوناً في هذه المرحلة، إلّا أنّنا لا نريد الوعود فقط، إنّما التطبيق على أرض الواقع، والذي يحتاج إلى موافقة كلّ الجهات المعنيّة.”

ويتحدّث نجم عن مشكلة أخرى تتمثّل بفقدان الأدوية عند المرضى الذين خضعوا لزرع كلى، والذين يُضطرّون إلى تأمين الدواء من تركيا وغيرها بأسعار باهظة، بينما يتوجّب على وزارة الصحّة تأمينها 100 في المئة. ورغم إطلاق مشاريع مثل “أمان” و”الرقم الصحّيّ” إلّا أنّ الدواء ما زال مفقوداً.

أضف إلى ذلك معاناة مرضى غسيل الكلى من أجل تأمين أدويتهم التي أصبحت مكلفة، حيث لا تقلّ الفاتورة الدوائيّة عن 150 دولاراً شهرياً. على سبيل المثال علبة الكالسيوم التي يحتاج مريض غسيل الكلى إلى اثنين منها في الشهر، تبلغ حوالى مليون و200 ألف ليرة. ناهيك عن الأدوية الأخرى مثل الحديد ودواء الضغط والفيتامينات التي تُشكّل عبئاً إضافيّاً وأزمة حقيقيّة.

مع العلم أنّ مريض الكلى يكون عاطلاً عن العمل نتيجة حاجته إلى إجراء 3 جلسات أسبوعيّة، وبالتالي تكون الكلفة على عاتق ذويه.
في موازاة ذلك، أوضح وزير الصحّة فراس الأبيض بعد استقباله مجموعة من مرضى غسيل الكلى في مكتبه منذ أيام، أنّ “وزارة الصحّة العامّة عرضت على نقابة المستشفيات الحلّ الآتي:

  • إقرار التعرفة الجديدة التي عرضتها النقابة بالتزامن مع مؤشر متحرّك لتفادي التغييرات السريعة في سعر صرف العملة.
  • إعطاء جزء من المستحقّات كسلفة لتفادي التأخير في الدفع من قبل وزارة الماليّة”.

وتمنّى الأبيض “عدم التأخّر في إقرار هذا الحلّ في الجمعيّة العموميّة لنقابة المستشفيات”، داعياً إلى “التوقّف في هذه الفترة الفاصلة عن طلب تسديد العلاج مباشرة وبالدولار من المرضى”، قائلاً: “الكلّ موجوع. ولكن من واجبنا الطبّيّ والإنسانيّ عدم حلّ مشاكل القطاع الصحّيّ على حساب الطرف الأضعف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى