مقالات

الحزب يبتعد عن أزعور… و”يغازل” قائد الجيش

من قرأ أو سمع تصريح رئيس كتلة الحزب النيابية، محمد رعد، فستتّضح في رأسه صورة المعركة الرئاسية أكثر.

النائب الذي اجتمع بالمرشّح جهاد أزعور قبل أيام، وسمع منه أنّه يريد أن يكون “رئيساً اقتصادياً فقط”، كان لطيفاً خلال الجلسة، لكنّه خرج أمس الأوّل من مجلس عزاء في كفررمّان بجنوب لبنان، ليعلن أنّ “أميركا تريد شخصية لها خلفية اقتصادية” لرئاسة الجمهورية.

رعد غمز من “صفة” صندوق النقد الدولي، إذ إنّ أزعور هو “مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى” في الصندوق. وسأل رعد: “ماذا يعني أن يكون لديه خلفيّة اقتصادية؟”، وأجاب بنفسه: “يعني أنّ البنك الدولي يستطيع أن يتفاهم معه، كما صندوق النقد الدولي، لمصلحة التعليمات والتوجيهات والسياسات التي يرسمها النافذون الاستكباريون للعالم من خلال هذه المؤسسات الاقتصادية الدولية”.

وحسم رعد أنّ “3 مليارات لن تنفع البلد، فلا تتعبوا قلبكم”. وأعلن “استراتيجية” مختلفة عن استراتيجية “الصناديق الدولية”: “يجب أن نفكّر باقتصادٍ منتج ويجب أن نعيد النظر في سياساتنا لامتصاص البطالة حتى نتحوّل إلى قيمة دولية، أمّا إذا بقينا على قاعدة أنّنا ننتظر الهبات والمساعدات والودائع عند كلّ أزمة وعند كلّ مفترق طريق بالسياسة نُصبح متسوّلين على مستوى السلطة وعلى مستوى مؤسّسات الدولة كلّها”.

بعدئذٍ فتح المتحدّث باسم الحزب باباً لقائد الجيش جوزف عون، في كلام مغاير لما كان قد قاله عن المساعدات الدولية، قبل دقيقة فقط: “ما من بلد في العالم يتقاضى جيشه رواتبه من الخارج، لكنّ الأزمة تضغط على الجميع وكلٌّ يريد أن يرتّب أوضاعه بالمتاح”، وكأنّ رعد يقول إنّ أزعور “مرشّح الاستكبار”، فيما عون مرشّح “ترتيب الأوضاع بالمُتاح”.

في مجلس خاصّ، طُرح سؤالٌ على مسؤول في الحزب: “لو خيّروكم بين جهاد أزعور وقائد الجيش، من تفضّلون؟”. فأجاب المسؤول بلا تردّد: “جوزف عون”.

ماذا فعل فرنجيّة في باريس؟

ما سبق هو “المعلن”. لكن ماذا عن “المستور”؟

العدّ العكسي للرئاسة قد بدأ فعليّاً، وبتنا في المرحلة الأخيرة، فإنّ المرشّح سليمان فرنجية جانب “الخطأ” في الإعلان عن زيارته لفرنسا. فالعارفون يعلمون أنّه خضع لامتحان سبقه إليه كثيرون. لأنّ تجميع “البروفايلات” الذي يقوم به الفرنسيون، قاموا به من قبل مع زياد بارود وجهاد أزعور، على سبيل المثال لا الحصر، وناصيف حتّي وصل إلى باريس بعد فرنجية، ويخضع للامتحان نفسه.

في رأي مطّلعين أنّ زيارة فرنجية في حدّ ذاتها لا تحمل أيّ جديد، وأنّ “البيك” أخطأ في الإعلان عنها. إذ اقتصرت على الطلب من فرنجية إنجاز بعض الفروض الداخلية، التي سبق أن حضّرت لها سفيرة فرنسا في بيروت ولم تصل إلى أيّ نتيجة. والزيارة لا ترتقي إلى مستوى خرق جدّي مع الجانب السعودي، على الأقلّ حتّى هذه الساعة.

أضِف إلى ذلك أنّ الفرنسي بات متيقّناً: الجانب السعودي لا يناور، ولن يخرج عن المواصفات التي وضعها في بيان نيويورك الثلاثي في أيلول الماضي، وفي الورقة الكويتية التي أتى بها وزير خارجية الكويت قبل عام.

لكنّ مصادر مقرّبة من بنشعي تقول إنّ فرنجية “بات أمام خيارين اليوم: إمّا أن يعلن انسحابه بسبب الظروف غير المؤاتية، أو أن يكمل في مسار إنجاز فروض داخلية، لعلّ وعسى تسقط عنه صفة “الرئيس التحدّي”. لكنّ هذا دونه الإجابة على أسئلة من نوع الإصلاحات والحدود (مع سوريا وإسرائيل) والعلاقة مع الحزب.

وعليه، تشير المعلومات المرافقة لحركة فرنجية أنّه بصدد وضع خارطة طريق داخلية تسقط عنه صفة “رئيس تحدٍّ” وتدخله خانة “توافقية”. غير أنّ إشكالية فرنجية مع القوّتين المسيحيتين لا تزال عائقاً أمامه. فالتيار الوطني الحر لن يغيّر موقفه الرافض رئاسة فرنجية والقوات اللبنانية قال رئيسها سمير جعجع منذ ساعات في ذكرى قداس شهداء زحلة لمحور الممانعة: “على القصر ما رح تفوتوا”. مصادر مقربة من بنشعي تقول ان القوات والتيار لا يختصرون النواب المسيحيين بانتظار اي خرق على الساحة الاقليمية على ان ينسحب على الساحة الداخلية في المرحلة المقبلة من تداعيات اتفاق بكين على المنطقة.

فرنجية، بعدما قدّم “الضمانات” في باريس، عاد وتواصل مع الثنائي الشيعي عبر القنوات المعهودة، وأشاع جوّاً من الارتياح.

جنبلاط من باريس إلى المختارة 

في هذه الأثناء عاد من باريس رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط والنائب وائل ابو فاعور. وقد نفت مصادر الاشتراكي أن يكون الجانب الفرنسي قد سعى لجمع جنبلاط مع فرنجية في لقاء واحد. غير أنّ ما تمنّاه جنبلاط على الجانب الفرنسي هو “وقف محاولة تسويق سليمان فرنجية للرئاسة لأنّه لا يمكن انتخاب رئيس تحدٍّ”.

جنبلاط الأب ينطلق موقفه تحديداً من موقف جنبلاط الابن. فتيمور يرفض تماماً رئاسة فرنجية على اعتبار أنّه يميل إلى “التجديد في سياسة الحزب بأخرى أكثر تقدمية وإصلاحية وشبابية”.

كلام جنبلاط الباريسي استكمله كلام تيمور في المختارة فور عودته، حين جدّد الدعوة “للبحث عن شخصية وفاقية لرئاسة الجمهورية، لا تشكل تحدّياً لأحد، وتملك رؤية إصلاحية وإنقاذية للبلد، على أن تكون ضمانة لبنان الأساسية ما يتخبط به من أزمات اقتصادية واجتماعية ومالية وغيرها.. وهذا ما سبق وطرحه رئيس الحزب وليد جنبلاط وأعلنّاه في كل الاتصالات والمداولات التي حصلت في الداخل والخارج”.

اللافت أنّ تيمور خاطب من ينتظرون تغييراً في موقف كتلته قائلاً: “كفى مخيّلات عند البعض، فموقفنا واحد، ونتطلع إلى لحظة فرج للوطن، من خلال عهد جديد لا يستسيغ استنساخ الأزمات ويؤسّس لعودته إلى حيّز الوجود وتكوين سلطاته الدستورية والتنفيذية والإدارية، فالمرحلة دقيقة جدّاً ولا تحتمل ترف الوقت، وإنّما تحتاج للحدّ من التداعيات السلبية على الوطن وأبنائه، وفي ظلّ الخطوات البالغة الأهمية التي تشهدها المنطقة بشكل عام”.

حراك قطريّ.. وجوزف عون

في هذا الوقت، يصل موفد قطري إلى بيروت اليوم، ويُقال في الكواليس إنّ زيارته منسّقة مع الجانب السعودي. لأنّ “القطري” لعب دور “رجل الإطفاء” في اللقاء الخماسي، حين اشتعلت “الجبهة” بين فرنسا والسعودية، على خلفيّة إصرار الفرنسيين على اسم فرنجية.

وها هو الدور القطري يكبر ويكبر، وربّما زاد حجمه عن حجم الدور الفرنسي نفسه، بعد الخسائر الكبيرة والضربات المُوجِعة التي تلقّاها الرئيس الفرنسي. وسيكون لقطر دور مهمّ في المرحلة المقبلة في الملفّ الرئاسي، بعد دورها في الترسيم البحري، ودخولها “بالثلث” في الشراكة النفطية البحرية، بدلاً من روسيا. والشيء بالشيء يُذكر، فإنّ روسيا دخلت على خطّ الملف الرئاسي فعلاً، لكن حتّى الآن ما يزال دخولها بطيئاً ومتعثّراً، وليس في حسابات روسيا “مواجهة” السعودية في لبنان، وإن كانت “صديقة فرنجيّة”.

على جدول أعمال الموفد لقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي والبطريرك بشارة الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وجبران باسيل وسمير جعجع وسامي الجميّل وحزب الله والرئيس نجيب ميقاتي.

هنا لا بدّ من التذكير بالدور الذي لعبته قطر في دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية واستقبالها أكثر من مرّة قائد الجيش جوزف عون.

يمكن إضافة “رسالة” العودة السعودية “العسكرية” إلى لبنان، عبر تعيين ملحق عسكري في السفارة، بعد طول غياب، ثمّ تنفيذ مناورات مشتركة مع الجيش اللبناني.

أمّا في الحديث عن علاقة الحزب بالجيش، فيبدو أنّ ما يجمع بينهما أكثر ممّا يفرّق، بسبب التنسيق الدائم بينهما. فإذا جمعنا ما قاله “المسؤول الحزبي” في الاختيار بين أزعور وعون، وأضفنا إليه ما ختم به رعد مؤتمره الصحافي… ستكون الصورة أوضح.

المصدر
جوزفين ديب -أساس

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى