مقالات

الهجرة العشوائيّة عدوّة الإنسان والحرّية

لطالما كانت الهجرة جزءاً لا يتجزّأ من محطات التاريخ البشري، بفعل الصراعات والحروب والإبادات والمجاعات والأوبئة والكوارث الطبيعيّة… وسعي الإنسان الحرّ إلى حياة أفضل. وأعادت موجات الهجرة إلى مناطق مختلفة من حول العالم، تشكيل وجه تلك البقع الجغرافيّة بحسب التوجّه الفكري والثقافي للغالبيّة عند المجتمعات المُهاجرة. كما أن دولاً عدّة شُيّدت بسواعد المهاجرين وعرقهم ودمائهم، وأبرز مثال على ذلك الولايات المتحدة الأميركيّة التي شكّلت «أرض الأحلام» حيث يرغب أي إنسان طموح في «الدول التافهة» أن تطأ قدماه أراضيها للإنطلاق من جديد نحو مستقبل أفضل.

المهاجرون الحقيقيّون هم أولئك الذين يلجأون إلى أرض جديدة «للإنتقام» من الواقع المرير الذي هربوا منه، وليسوا أولئك الذين يحملون معهم «الجحيم» الذي غادروه «لإسقاطه» بوقاحة قلّ نظيرها على المجتمعات المُضيفة التي استقبلتهم. وهؤلاء المهاجرون من الفئة الثانية غافلون عن المسبّبات العقائديّة والثقافيّة والقيميّة والفكريّة والاجتماعيّة… التي أدّت إلى تدهور أحوال بلدانهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ودفعتهم إلى الهجرة بحثاً فقط عن «فرص عمل» من دون أي نيّة بتغيير «الثقافة والعقليّة» حيث تكمن المعضلة الحقيقيّة.

المهاجرون غير الشرعيين يُشكّلون السواد الأعظم من تلك الفئة الثانية التي «تحكم» على المجتمعات المُضيفة و»الحالمين الحقيقيين» الذين هاجروا بلدانهم من أجل السعي نحو تحقيق الذات والسعادة، بـ»الإعدام» الفردي والجماعي على حدّ سواء، عبر نقلهم «الفيروس الفكري» المميت الذي كان أصل المشكلة التي تسبّبت في خوضهم مغامرة «مراكب الموت» عبر البحار والمحيطات أو سيرهم لمسافات طويلة وشاقة للوصول إلى مكان أفضل. بيد أن هياكل هذه «الأمكنة الملجأ» لن تستطيع الصمود طويلاً إذا استمرّت باستقبال حشود غفيرة لا تؤمن بكرامة الإنسان وحقوقه وحرّياته، لا بل تذهب إلى حدّ المجاهرة بكرهها لـ»الآخر» المُختلِف، والمجتمعات المُضيفة وكلّ ما يمتّ إليها بصلة، بالقول المسيء والفعل الحقير.

الهجرة غير الشرعيّة أو تلك العشوائيّة ولو اتّخذت صفة الشرعيّة، تفتح الباب واسعاً أمام «نفاذ» مجموعات لا تستحقّ فرصة جديدة في الحياة على حساب «حالمين» أو مضطهدين سئِموا واقعهم البائس وينتظرون بفارغ الصبر طلبات لجوئهم التي تتأخّر كثيراً أو حتّى تُرفض تحت قيود وعناوين يحتال عليها من ينطلق بمشواره عبر مخالفة قوانين البلدان المُضيفة من خلال الدخول خلسة وبطريقة غير شرعيّة إليها. علماً أن مِن بين الذين يدخلون الدول المتقدّمة بطريقة غير شرعيّة مَن يُعتبرون مِن الفئة المستحقّة التي ضاقت بها الحياة ولم تجد سبيلاً نحو غد أفضل إلّا من خلال «خطوط» الهجرة غير الشرعيّة.

غالباً ما تكون وجهة المهاجرين دول «العالم الحرّ»، حيث شهدت أنظمتها تحوّلات دستوريّة وقانونيّة وسياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة جذريّة واكبت التغييرات الجوهريّة العميقة التي طرأت على البنى التحتيّة المجتمعيّة. وعمليّة «المدّ والجزر» بين رأس الهرم وقاعدته، والتوازنات التي تُفرزها هذه الحركيّة المعقّدة، تأخذ مداها التاريخي الطويل لتنتظم كما يجب وتستقرّ. وعندما تستقبل أي دولة وصلت إلى مرحلة متقدّمة من السلام المجتمعي والازدهار الاقتصادي، أفواجاً ديموغرافيّة غير متجانسة مع تركيبتها المجتمعيّة من نواح مختلفة، تُحدث صدمةً بنيويّة خطرة تُهدّد مع الوقت بالقضاء على «العقد الاجتماعي» القائم، وبالتالي ضرب المكتسبات المحقّقة على مستويات متعدّدة، وصولاً ربّما إلى مرحلة المساس بالسلم المجتمعي وريّ «البذور الخبيثة» التي تُمهّد لـ»حرب أهليّة».

وما يزيد من مخاطر الهجرة غير الشرعيّة أن الجهات التي تُديرها على الأرض، ليست سوى عصابات الجريمة المنظّمة وتجّار المخدّرات الذين يُحقّقون أرباحاً طائلة من خلال سياسة «الاتجار بالبشر» هذه، فيما يستغلّ المطلوبون للعدالة «عوز» بعض المهاجرين وضعفهم لاستخدامهم للترويج للمخدّرات وبيعها أو حتّى «استعباد» الفتيات والنساء واغتصابهنَّ وإرغامهنَّ على العمل في الدعارة، فضلاً عن عمالة الأطفال وحرمانهم من عيش طفولتهم والذهاب إلى المدرسة والإضرار بصحّتهم الجسديّة والنفسيّة والعقليّة، إضافةً إلى الإتجار غير القانوني بالأعضاء البشريّة عبر «سرقتها» بطريقة غير أخلاقيّة من أجساد الضحايا المغلوب على أمرهم.

سياسة «الأبواب المفتوحة» ليست المقاربة العادلة ولا الحكيمة في التعاطي مع قضيّة اللجوء والمهاجرين. لا يجوز ضرب المجتمعات الحضاريّة المسالمة، بوجودها وأمنها وكرامتها وحرّياتها ورفاهيّتها ومستقبل أجيالها، تحت شعارات رنّانة لـ»حقوق» مفترضة لمهاجرين غير مستحقّين، التي يُطلقها بعض المنظّمات غير الحكوميّة ويعتاش على تزخيمها. حقّ اللجوء للمضطهدين الساعين حقيقةً نحو حياة أفضل «مقدّس»، و»قدسيّته» تفرض على الدول المتطوّرة تسهيل هجرة مثل هؤلاء إليها عبر تطوير قوانينها ذات الصلة وتنظيم سياسة الهجرة وسدّ ثغراتها وتشديدها لتقتصر فقط على مستحقّيها. لا يجب أن يدفع المواطنون الصالحون ثمن خيارات «المتخلّفين والجاهلين» الخاطئة والسيّئة… و»القاتلة» في أحيان كثيرة، خصوصاً عندما يكون الصالحون هم «أهل البيت» وقد دفع أسلافهم أثماناً باهظة للحفاظ عليه آمناً ومزدهراً وحرّاً.

المصدر
جوزيف حبيب - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى