مقالات

7 ملاحظات يقرأها علي حميّة و”الحزب” أولاً

قبل دخوله إجتماع لجنة الأشغال العامة النيابية الذي كان مخصصاً للبحث في صفقة توسعة المطار، غرد وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية قائلاً: “على الرغم من أهمية مشروع إنشاء المبنى الجديد للمسافرين، وعلى أثر الجدل القانوني الحاصل في البلد، ولأن الموضوع اتّخذ منحى غير المنحى والهدف الذي نبتغيه، وحسماً للإختلاف الحاصل في وجهات النظر، أعلنها وبكل شجاعة بعدم السير بالعقد واعتباره كأنه غير موجود”.

لا يمكن اعتبار هذه التغريدة (أو التصريح) بأنها حسمت الجدل على قاعدة “كفى الله المؤمنين شر القتال”. فلا بد من جملة ملاحظات يمكن إيرادها في هذا السياق، وفي غمرة دروس الأزمة الكارثية التي بين أسبابها صفقات التراضي، والملاحظات هي:

أولاً: ليس في الأمر “شجاعة” تستحق رفع القبعة كما ورد في التعليقات على التصريح. قصة “الشجاعة” تبسيط لا يمر إلا على السذج. المسألة أعمق من ذلك بكثير، وتتعلق أولاً وأخيراً بقانونية العقد، أو عدم قانونيته. إذا كان قانونياً فعلى الوزير المحاربة لتثبيت معادلة حكم القانون وانتظام عمل دولة المؤسسات شاء من شاء وأبى من أبى. القضية تستحق العناء والدفاع عنها كي لا تتهشم أكثر صورة الوزير والحزب الذي يمثله. لكن المريب أن الوزير اختار الخروج من الباب الخلفي ولم يدافع عن قانونية الصفقة، ما يشي بأنها غير قانونية كما لو أن المطلوب “الطمطمة” بعد انفضاح الأمر في الإعلام. ولا داعي للتذكير، في سياق كشف الحقائق بكل ما قيل وكتب، وكان لـ”نداء الوطن” شرف كتابة مانشيت بالخط العريض في هذه القضية.

ثانياً: بما أن الخلاصة تشير إلى عدم قانونية الصفقة، فيجدر مساءلة ومحاسبة (وربما محاكمة) من خالف القانون مهما علا كعبه بدءاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان أول مباركي الصفقة والفرحين بها، ومروراً بالوزير حمية نفسه وكل من ساعده وأفتى له واستحضر مطولات شرح تبريرية ملتوية لتمرير الصفقة المريبة، وصولاً الى “حزب الله” المفتخر بوزيره على الدوام مسخراً الاعلام والجيوش الالكترونية لذلك، مقدماً اياه على أنه شفاف و”مودرن” وحامي المال العام. فلا شفافية تأكدت، ولا حماية تذكر للمال العام، لا بل ربما هناك انتهاك واضح لحقوق الدولة، وهذا ما يجب التحقيق فيه وعدم التغاضي عنه. أما قصة “المودرن” فلم تعد تغش أحداً في بلد نهبته طبقة “أوليغارشية” متعلمة بأعلى الدرجات وتحكي اللغات بكل اللكنات وتداوم في كل السفارات.

عدد السبت ٢٥ آذار من نداء الوطن



ثالثاً: اذا كان ميقاتي يدّعي انه يمارس (وحكومته) تصريف الأعمال بأضيق الحدود، ويبرر “على الطالعة والنازلة” أنه لا يصادر صلاحيات احد ويقتصر عمله على تسيير أمور الناس بالحد الادنى المطلوب، فعليه أن يشرح ما اذا كان يندرج في باب تصريف الاعمال بناء مطار جديد يتّسع لنحو 3.5 ملايين مسافر سنوياً، وبصفقة بمئات الملايين من الدولارات في مدى عمر العقد. فمن البديهي القول إن عقداً يلزم الدولة لسنين طويلة، وفي قطاع من القطاعات الحيوية في لبنان وعلاقته بالخارج، هو عقد استراتيجي، ولا يمكن مطلقاً إدراجه في باب تصريف الاعمال. من هنا يجب مساءلة ميقاتي أيضاً وفتح العين ملياً على تصرفات حكومته، لنعرف ماذا يمرر من صفقات في هذه المرحلة الرمادية التي يدير فيها البلاد برعاية “الثنائي الشيعي” بالدرجة الأولى، وبمساعدة حاكم مصرف لبنان.



رابعاً: نأتي على ذكر هيئة الشراء العام ورئيسها جان العلية، وكيف انه بلع لسانه في الأيام الأولى لإعلان العقد (الصفقة)، ثم صرح (بعد أن حشره الإعلام) بأنه سيتابع العقد وما اذا كان موافقاً لقانون الشراء العام. المعروف عن العلية جرأته وصراحته ودفاعه عن قانون لطالما انتظره لبنان. وتوسّم اللبنانيون بالقانون وبالعلية خيراً للخروج من فساد صفقات التراضي والسمسرات والعقود المشبوهة الناهبة للمال العام. ولعل في ما جرى درس للعلية ليكون اول من يفضح التجاوزات ولا يخشى لومة لائم حتى لو كان “حزب الله”!

خامساً: يجدر التذكير بأن تطبيق قانون الشراء العام هو احد شروط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتجاوزه يعني حكماً ان “مرتكب الفعلة” يضرب الاصلاحات المطلوبة عرض الحائط، ويمضي على سيرة من سبقوه في استغلال العقود والمناقصات لتحقيق إثراء شخصي له او لحزبه او فريقه الطائفي، في دولة أنهكتها هذه الممارسات المافيوية والميليشيوية طيلة 3 عقود من الزمن على الاقل.

سادساً: سقطت صفقة المطار تحت ضربات الإعلام الذي فضحها وأثر في الرأي العام والنواب. ودفع الاعلام الجميع الى الوقوف امام ضمائرهم منعاً لبقاء تلك الضمائر في حيز التخدير او الخوف او الاستهتار، او في حيز ترقب اقتناص فرص مماثلة على قواعد المحاصصة 6 و6 مكرر. بيد أن ما حصل لصفقة المطار لم يتسن رؤيته أيام حصلت ترسيات أخرى مثل صفقة مرفأ بيروت ومرفأ طرابلس والميناء الجاف في البقاع. مُرّرت تلك الصفقات مع اسئلة كثيرة عن قانونيتها، وتحت ضخ بروباغندا أنها خدمة لمصالح فرنسية هي في الحقيقة “بزنس” محلي خالص لا علاقة للفرنسين كحكومة بها، وأفاد منها آل سعادة (أصحاب شركة سي أم أيه/ سي جي أم) بحكم علاقاتهم المحلية الواسعة، وفي لحظة قيل فيها ان بين “حزب الله” وفرنسا مساحة مصالح مشتركة قد تكون في مصلحة لبنان!

رغم ما سبق من ترّهات، يجب العودة الى صفقة المرفأ ومراجعتها قانونياً وبكل شفافية أمام الرأي العام، وعدم اعتبارها من غنائم عفا الله عما مضى، او عما سرق. فهل هناك من يجرؤ على طلب التحقيق في تلك الصفقة؟

سابعاً وأخيراً: بالعودة الى قصة الشجاعة التي ادعى الوزير حمية انه تحلى بها، ربما يجدر مكانها الاعتذار ممن صعقتهم الصفقة وكيفية تمريرها، وعليه شكر كل من اعترض عليها، مع وعد بعدم تكرارها. خلاف ذلك تستمر المكابرة التي تستخدم غالباً للاستقواء والاستعلاء على اللبنانيين الذين عليهم ضرب رؤوسهم في الحائط كلما تعلق الأمر بقضية فضح النافذين في هذه المنظومة الفاسدة حتى النخاع.

المصدر
منير يونس - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى