“أرنب” التوقيت… طبق ساخر على مائدة اللبنانيين
للمسؤولين في لبنان طرائف وغرائب، عجائب و»أرانب». أفكار عجز عنها أبرز نبهاء ونجباء العلم السياسي كـبريجنسكي، هنتنغتون، فوكوياما، جوزيف ناي، روبرت دال وغيرهم من نوابغ العصر الحديث. ربّما لم يزاحم «نهفات» السياسيين عندنا في تدابيرهم، سوى ملك ملوك أفريقيا الراحل مُعمّر القذّافي. منهم من أراد أن يُعلّم واشنطن ولندن كيف تديران دولة من دون موازنة. بعضهم ثبّت سعر صرف الدولار طيلة 30 عاماً في اقتصاد حرّ. آخرون ساسوا البلاد «بلا إحّم ولا دستور»، من دون خجل أو دهاء. أمّا صفوة القرارات وعصف الأفكار وعصارتها، فتجلّت في حَرْف الساعة المحليّة عن مدارها العالمي. من طبع في ذهن الحياة السياسية أنه «مُدوّر» الزوايا، صمّام الأمان، ضابط الكلّ، سقط في العشوائية. لا مشاورات مع الجهات المعنية الأخرى، لا اعتبارات للمعايير الدولية.
ليس غريباً على من يعبث في المواعيد الدستورية، أن يتلاعب في المواقيت الزمنيّة. من جعل الحرّ والمطر تحت سقف واحد، لن يهتم لتداعيات تأجيل التوقيت الصيفي والشتوي. الإزدواجية باتت من سمات الحياة اللبنانية. ثنائية في كلّ شيء. في سعر الصرف، في فواتير الكهرباء والمياه، في السيادة والشرعية والتربية والمعايير. الدولة في حدّ ذاتها مزدوجة خاضعة لمزاجية «ثنائية»، آخر مولودها «ثنائي التوقيت»، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي «شارفت قدرته التحمّلية على النفاد». أرهق الشعب الغاطس في «النعيم»، حكّامه «المساكين».
بين ساعتيْ «غرينتش» و»بريقاتي» تتمظهر صورة لبنان. خلق التوقيت الثاني موجة من الإستهجان والإزدراء على مواقع التواصل الإجتماعي. فالسخرية وسيلة متاحة للشعوب في التعبير عن غضبها ودكّ أسوار الهزل السياسيّ. الفيلسوفة حنّة (هانا) أرندت، أوضحت أن «أكبر عدوّ للسلطة، وأضمن طريقة لتقويضها، هو الضحك». وعندما قدّم الكوميدي الشهير شارلي شابلن فيلمه «الديكتاتور العظيم» في 15 تشرين الأوّل عام 1940، قال: «كنت مُصمّماً على الإستمرار والمضيّ قدماً، لأنّه كان من الضروري الضحك على هتلر».
أوجاع عبّر عنها اللبنانيون بـ»نكتة» وسخرية. من أجل مواجهة مشكلة الإزدحام المروري وتأثيره السلبي على المواعيد، أتى «أرنب» التوقيت ليحلّ الأزمة. رأى مغرّدون أنه إذا «بتمشي من جونية الساعة 8 بتوصل ع الضاحية الساعة 7».
بعض المعترضين برّروا عدم التزامهم «لأن القرارات تؤخذ على طاولة مجلس الوزراء وليس على دردشة فنجان قهوة وأيش يا خال». من قال إنّ المواقف العظيمة ليست بحاجة إلى جلسات ومشاورات على أعلى المستويات؟
لم تخلُ التعليقات من ضربات طائفية بعد التحاق ميقاتي بالتوقيت الصيفي، فغرّد أحدهم: «ضلّيتكن تقولوا 19% لـمشّوا كلمتكن عليكن يا سيّد». حتى الضحك طال أهل الأرض والسماء، فعبّر آخرون عن حزنهم كاتبين: «ضحكوا على الشعب فهمنا ضحكوا على دول العالم فهمنا بس عم يضحكوا على الله بساعة صيام؟». كون اللبناني جرّاح حلول، وتجنّباً للإلتباس لحين اعتماد التوقيت الصيفي ليل الأربعاء الخميس، لجأ بعضهم إلى «ارتداء ساعة في اليد اليمنى وأخرى في اليسرى». أمّا الفنّان نعيم حلاوي، فتأسّف على «صيبة عين» أصابت قواسم العيش المشترك في لبنان، بإعادة نشر تغريدة تعود إلى العام 2012 كتب فيها: «القراران الوحيدان اللذان تتخذهما دائماً الحكومات اللبنانية من دون أي اعتراض من الأطراف اللبنانية كافة، ومن دون مناكفات وخلافات ومحسوبيات وحسابات انتخابية واتهامات متبادلة وإحراق دواليب… هما: تقديم الساعة وتأخير الساعة».
اللعب بالتوقيت، كان فرصة عند البعض لكشف المستور والخبايا. هناك فئة من المواطنين قادرة على معرفة المؤامرات التي تُحاك خلف كلّ قرار تأخذه السلطة. فأوضح أحدهم «أنّهم لهّوا اللبنانيين بأي توقيت بيمشي المطار، وعملوا صفقة بمليار دولار. في عقل جهنّمي أكثر من هيك؟». دقّة عالية في تحديد المبلغ المذكور.
في كلّ الأحوال، كشفت إشكالية التوقيت الناجمة عن إجراءات متسرّعة، مدى سنوات العقم والتخلّف في لبنان. ضبط ساعته على التوقيت العالمي، لن يدفعه إلى الإلتحاق بمواكب التطور والحداثة والنزاهة ومصاف الدول المتقدّمة. أما تأخير ساعته لحسابات ضيّقة وعشوائية، فيجعله يسقط أكثر فأكثر في أزمنة من الرجعية.