أيّام رمضان الأولى: الشراء بالحبّة والوقية
كشفت أيام شهر رمضان المبارك الأولى عن هشاشة وضع الناس الإقتصادي، وتردّي قدرتهم الشرائية أمام جنون الأسعار والدولار، وفجور بعض التجّار الذين لا يتركون مناسبةً أو فرصة إلّا ويستغلّونها على حساب فقر الناس وحالاتهم الإجتماعية الرثّة، فيما تغيب أبسط مقوّمات الدعم من الحكومة والدولة لبقاء الناس صامدين في وجه المعارك التي يخوضونها يومياً للبقاء.
بدأ الصيام وارتفعت أصوات المواطنين تنديداً بالغلاء، وسط عجزهم عن تأمين المتطلّبات اليومية التي تحتاجها سفرة رمضان، وزادت الأسعار أضعافاً مضاعفة قياساً برمضان العام الفائت حيث كان سعر صرف الدولار بحدود 25 ألف ليرة لبنانية، فيما بلغ راهناً المئة وعشرة آلاف ليرة، ومعه «تدولرت» معظم السلع، فيما ارتفعت بشكل صاروخي أسعار أخرى. ورغم رفع الصوت والحديث بشكل مطّرد عن رمضان والأسعار وفقر الناس وقلّة حيلتهم، لا شيء تغيّر. البعض إعتاد على الوضع القائم، «يؤقلم» حياته ومصروفه، والبعض الآخر يعيش بشكل طبيعي، غير أنّ المقياس لا يُعمّم، ولا تجوز المقارنة بين من يشتري كعادته السابقة، وبين من يقتصد ويخفّف من مصروفه إلى أقصى الحدود، فنسبة ميسوري الحال والذين يقبضون رواتب بالدولار لا تتجاوز 15 بالمئة في المنطقة.
عند محال الخضار واللحوم تنكشف أحوال الناس وقدرتهم الشرائية، ويكون الفرق واضحاً عن السنوات السابقة ورمضان الفائت، ويوضح اللحّام حسن ع. أنّ «نسبة المبيع هذا العام تراجعت بشكل كبير بعدما وصل ثمن الكيلو إلى 10 دولارات، والمصادفة أنّ البعض يشتري بالكمّيات ولم يغير عادته، فيما البعض الآخر يمرّ في الشهر مرّة، ومع بدء رمضان الشراء بالوقية ونصف الوقية كان لافتاً، ناقلاً عن إحدى النسوة «المهمّ تطعيم الطبخة باللحمة»، فراتب الزوج لا يساوي ثمن خمسة كيلو، والأولاد يشتهون ولا نستطيع حرمانهم، فنشتري نصف وقية كي لا نحرمهم».
أمّا جاره صاحب محل خضار فيقول إنّ الحركة عنده بلا بركة، «هناك زحمة زبائن نعم، لكن الكمّيات المشتراة لا توازيها، فالسكون داخل المحل على الأسعار طغى على أصوات الطلبات من العمّال، حيث وصل الحال بالعديد من الزبائن إلى الشراء بالحبّة لتأمين صحن فتوش أو ما شابه»، كذلك يشير إلى أنّ «الإقبال على الخضار سببه عدم القدرة على شراء الدجاج واللحوم»، مؤكداً أنّ الحركة ضمن سوق بعلبك لم تكن على قدر تطلعات أصحاب المحال، «فمحال الحلويات تفرغ من روادها، والحلويات الرمضانية تنتظر على الواجهات».
الوضع الإقتصادي الصعب وعدم قدرة الرواتب على تغطية النفقات من حوائج رمضان وغيرها دفعت بعمال النظافة في بلدية بعلبك إلى الإضراب أمس، والإمتناع عن كنس وإزالة النفايات من شوارع المدينة وأحيائها، فتكوّمت على جوانب الطرقات، وبدأت الروائح تنتشر بالتزامن مع الحرارة المرتفعة التي سجّلت، ويشكو العمّال من تدنّي قيمة رواتبهم، وعدم قدرتهم على تأمين متطلّبات عائلاتهم وأولادهم في رمضان، حيث لا يتجاوز راتب الكثيرين منهم ثلاثة ملايين، وهي لا تكفي لشراء الخبز، وعمد العمال إلى نصب خيمة أمام مبنى البلدية وسط السوق التجاري في رسالة واعتصام مفتوح لحين حلحلة وتحقيق جزء من مطالبهم.