محلي

لبنان بجوار أفغانستان في السعادة الوطنية

“حماية الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة”، هي الحقوق الراسخة التي مُنحت للبشر، وما غاية الحكومات سوى حفظها. هذه أفضل خلاصة للدستور الأميركي. وتُعتبر مع المبادئ الأساسية للثورة الفرنسية مصدر الإلهام منذ أكثر من قرنين لتأسيس الحكومات والدول.

السعي إلى السعادة هو معيار جدارة أي دولة وسلطة. توفير الهناءة والطمأنينة (العدالة والأمان) الوظيفة الأولى التي تبرر شرعية أي حكم أو سياسة. ولا مقايضة هنا بين العدل والأمن من جهة، والحرية وحق الحياة من جهة ثانية. كل هذه الحقوق مجتمعة مكرسة لتلك الغاية: توفير السعادة.

مرة أخرى، تُظهر نتائج الاستطلاع الدولي أن الأمم الغربية (الديموقراطيات الليبرالية) تتصدر من دون منازع لائحة المجتمعات الأكثر سعادة. المفاجأة التي تسبب الغصة للمجتمعات العربية، أن “دولة إسرائيل” تحتل المرتبة الرابعة، مباشرة بعد فنلندا والدنمارك وأيسلندا، ومتقدمة على هولندا والسويد. الإسرائيليون حسب هذا الاستطلاع ينعمون بالسعادة حتى أفضل من الأميركيين (المرتبة 15). هذا مدعاة للتأمل بأحوالنا، بمعانٍ كثيرة تحيط بنا. معنى الهزائم والانتصارات، معنى الكرامة والعزة، معنى الكبرياء.. معنى السياسة برمتها.

بعيداً عن المقارنات البائسة والمحرجة، ما يعنينا أن لبنان يقبع هناك في القعر بجوار أفغانستان. كما أن سوريا غير ملحوظة بتاتاً، فالسعادة فيها تختصرها قهقهات بشار الأسد و”ابتسامات” زوجته وأولاده. أو هي “محرّمة” أصلاً وفصلاً في مناطق التجهم “الجهادي”.

كان لبنان عام 2018 بالمرتبة 91، ليحل اليوم بالمرتبة 136. إنه الآن في لائحة التعاسة التامة. ليست الأزمة الاقتصادية وحدها هي السبب وإن كانت المصدر اليومي للألم الكبير.

فالمعايير الأساسية المعتمدة لتعيين مستوى السعادة العامة هي متوسط العمر المتوقع والعناية الصحية المتوفرة للفرد، ونصيبه من الناتج المحلي الإجمالي، والدعم الاجتماعي أو رعاية الدولة، وانخفاض نسبة الفساد (أو بالأحرى سيادة الشفافية)، والتضامن السخي في مجتمع يعتني فيه الناس ببعضهم البعض، والحرية باتخاذ قرارات الحياة الرئيسية.

بمعنى آخر، توطيد حقوق الإنسان والعمل من أجل رفاهية عامة تلحظ حتى حظوظ الأجيال المقبلة، هما الأساس بتوفير مقومات تلك السعادة. وفي هذا السياق يمكننا ملاحظة “الإجماع الوطني” اللبناني على تشجيع شباننا على الهجرة.. بحثاً عن السعادة في الخارج، نحو الغرب تحديداً.
أمر آخر يلعب دوراً حاسماً بقياس تلك السعادة المشتهاة: التفاؤل بالغد. توقعات عالية بإنجازات مستقبلية، وثقة عامة بالتقدم. هذه الرؤية بالطبع ليست بمتناول الأفغان تحت حكم طالبان، ولا بمتناول اللبنانيين تحت حكم “العصابة” التي لا يعرفون غيرها انتخاباً واختياراً وولاء لها.

الملاحظ أيضاً في هذا الاستطلاع الذي ترعاه الأمم المتحدة، أنه يرسم خريطة أيديولوجية بالغة الدلالة، في وقت تتصاعد فيه المواجهة بين أنظمة توتاليتارية وأوتوقراطية وثيوقراطية من جهة، والأنظمة الديموقراطية من جهة أخرى. صراع يتوضح ويتوسع حول كيفية إدارة العالم وترتيب النظام الدولي، خصوصاً مع الغزو الروسي لأوكرانيا.

لا الصين ولا روسيا، وبالطبع لا كوريا الشمالية ولا إيران، من الدول التي تزدهر فيها السعادة. لكن المؤشرات المهمة هي التي يرسمها مسار دول خرجت من أسار الشيوعية، في شرق أوروبا ووسطها، وفي دول البلطيق التي تحررت من الاتحاد السوفياتي، كما في مسار دول أميركا اللاتينية التي ترسخت فيها الديموقراطيات خلال العقود الثلاثة الماضية، فهي صعدت بقفزات كبيرة في سلم مؤشر السعادة والرفاه. بل إن أوكرانيا نفسها، ورغم أهوال الحرب وفظائعها، ومنذ أن رأت نفسها متجهة نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ومنذ أن انتظمت فيها الانتخابات الديموقراطية، وارتفع فيها منسوب الثقة بالحكومة والحملات المنتظمة لمحاربة الفساد، تقدمت هذا العام عما كانت عليه منذ عام 2014.

هذه المؤشرات تفصح عن مدى التعاسة التي تجلبها الأنظمة غير الديموقراطية، فيما السعادة تزدهر أكثر في المجتمعات التي تعتنق القيم الغربية الليبرالية.

أما تعاستنا اللبنانية.. فمصدرها ليس هذا كله، بل ما بات يسمى الكلبتوقراطية (حكم اللصوص)، أو “دولة المافيا”. وعزاؤنا أننا لسنا الوحيدين في هذه الورطة. ها نحن بجوار أفغانستان وموزمبيق وما شابه من دول غارقة في العار والخزي.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى