محلي

مدارس- أساتذة- “لجان أهل متواطئة”… والتلامذة يضرسون!

دخل القطاع التعليمي نادي المؤسسات اللبنانية المتعثرة من بابه العريض. ففي حين دفعت الأزمة المعيشية الخانقة بأساتذة المدارس الخاصة إلى “رفع العشرة” والإضراب مهددين بالتصعيد، يدبّ الهمّ في أنفس الأهالي الذين باتوا، بحكم الأمر الواقع، بمواجهة المعلمين، لأنهم من سيتحمّلون عناء أي زيادة مفروضة.  

“دوّامة تقضي على الأهل” 
الياس والد لأربعة أطفال، تتراوح أعمارهم بين الـ 8 والـ16 سنة، يعلّمهم في إحدى المدارس الخاصة في المتن الشمالي. 

فأبدى الياس انزعاجه من المطالب التي يخرج بها الأساتذة في المدارس الخاصة، مشيراً إلى أن الشريحة الأكبر منهم تتقاضى أجورها بالدولار الأميركي. 

وقال: “الأساتذة يطالبون إدارات المدارس بزيادة رواتبهم، فترفع هذه الإدارات الأقساط على الأهالي بالفريش ونقع في دوّامة تقضي علينا كأهل”. 

وفي حين لفت إلى أن أشقاءه في المهجر يساعدونه في تسديد أقساط الأولاد، أشار الياس إلى أنه “أتقاضى كل راتبي الذي لا يساوي شيئاً بالليرة اللبنانية، وليس بوسعي مطالبة الشركة التي أعمل لصالحها بزيادة المعاش لأن الجواب الواضح هو “إذا مش عاجبك فلّ”، والمدارس لا ترحم أي تأخير في تسديد الأقساط”، متسائلاً: “هل الحلّ هو بإخراج أولادي من مدرستهم لأن الأساتذة اقتربوا من حالة الجشع؟”. 

كما تساءل عن الجدوى من الإضراب الذي نفذّته نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، معتبراً أنه يضرّ بالطلاب الذي بات مصير عامهم الدراسي على المحكّ. 

الأساتذة… في جهنّم 
وفي هذا الإطار، أكّد نقيب المعلّمين في المدارس الخاصة نعمة محفوظ أن هدف الإضراب هو أن ينال المعلّمون جزءاً من مقومات الحدّ الأدنى للحياة، مشدداً على أن العديد من المدارس تحديداً بين بيروت وجبل لبنان أبلغت الأساتذة عشية الإضراب أنها ستزيد نسبة الدولار في رواتبهم. 

و أكد محفوظ أن الإضراب حقق الهدف الذي تمّ من أجله، “إلا أننا في جهنّم ويجب أن نتقاضى راتباً بقيمة 400 مليون شهرياَ كي نعيش فعلياً، ولكننا بحاجة للحد الأدنى من المقومات كي نتمكن من تخطي هذين الشهرين”. 


وقال: “في حال أصبح الدولار بـ 200 ألف ليرة في غضون أسبوع، فقد تتمّ مقاطعة الذهاب إلى المدارس بشكل نهائي وليس لبضعة أيام”. 

وعن موقف الأهل المعترض على الإضراب ومطالب الأساتذة قال محفوظ: “لماذا لم ينزعجوا عندما أصبح سعر صفيحة البنزين مليوني ليرة؟”، مستنكراً محاولة “الإدارات الفاشلة الدائمة لوضع الأساتذة بمواجهة الأهل”. 

كما توجه للأهل قائلاً: “اللي مش قادر يحط ولادو بمدرسة خاصة، يحطهن بمدرسة رسمية”، لأن المأساة ليست فقط على صعيد المدرسة على حدّ قوله. 

وأضاف: “ليس بوسع وزارة التربية والتعليم العالي القيام بالعجائب بسبب وجود مشكل سياسي كبير في البلاد، وبالتالي لا يمكن حل أي أزمة من دون استرداد الدولة والسلطة”، مؤكداً أن الحلّ سياسيّ فقط. 

وفي حين أشار محفوظ إلى أن الحلول التي يقابل بها الأساتذة ترقيعية اليوم، شدد على أنه في أيلول المقبل لن يقبلوا إلا بالراتب الذي كانوا يتقاضونه بالدولار الأميركي الفريش، أو حوالي الـ60% منه. 

كما حذر من أنه في حال عدم الحصول على هذا المطلب فالثمن هو برحيل الكوادر الكفوءة، “فيسير العام الدراسي المقبل بالعجزة وغير الكفوئين بينما يسافر أصحاب الكفاءة”. 


المدارس الكاثوليكية: الإضراب ليس الحلّ 

من جهته، نفى مصدر مقرّب من الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية أن يكون للإضراب أي جدوى، على اعتبار “اننا لسنا مدارس رسمية ولا فائدة ستعود على الطلاب منه”. 

و أكّد أن ما يعطى للأساتذة في المدارس الكاثوليكية ليس كافيا بالطبع، إلا أنه “بما تيسّر”، مشدداً على أن هذه المرحلة الصعبة ستمرّ ولكن ليس على حساب الطالب ولا الأستاذ. 

وعن إمكانية استخدام المساعدات التي تصل من الدول الخارجية للمدارس الكاثوليكية في تسهيل موضوع رواتب الأساتذة والتخفيف من أعبائه على الأهل قال المصدر إنه” دائماً ما يحكى عن هذه المساعدات بشكل وكأن المدارس الكاثوليكية لا تريد توزيعها، إلا أن هذا المفهوم خاطئ، فضلاً عن أن هناك أكثر من إدارة في المدارس الكاثوليكية، ولا تصلها المساعدات نفسها من نفس المصادر”. 

وفي سياق متصل، أكّد المصدر أن بعض المدارس تساعد الأهالي غير القادرين على تسديد الأقساط، لافتاً إلى أن المدرسة تدرس كل حالة بمفردها إلى أن يتمّ اللجوء إلى حلّ متوسط للجميع، كاشفاً أن المدارس الكاثوليكية لم تعمد إلى طرد أي تلميذ لأسباب مادية في ظل الأزمة الراهنة. 
وقدّم بعض الحلول للأساتذة التي من شأنها التخفيف من وطأة الأزمة المعيشية عليهم قائلاً إنه من الممكن زيادة بعض الأجور بطريقة معقولة، أو تخصيص باص للأساتذة وأولادهم للتوجه من المدرسة واليها.

وكشف المصدر عن انقسام في صفوف لجان الأهل فيما خصّ موقفها من الإضراب وزيادة الأقساط على الأهل، مؤكداً أن الإدارات تقوم بعملها كاملاً وبشفافية مطلقة لناحية تقديم ميزانيتها أمام لجان الأهل في المدارس. 

لجان الأهل “المعلّبة” 
رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور لمى الطويل، أكّدت لـ”لبنان 24″ أن الإتحاد رافض للإضراب الذي نفذته نقابة الأساتذة، قائلة إن “80% من المدارس التي أقفلت أبوابها التزمت بالإضراب حفظاَ لماء الوجه في العمل النقابي لأن 80% من المدارس في لبنان تقاضت الأقساط بالدولار مع بداية العام الدراسي وضاعفت قيمة المبلغ بالليرة اللبنانية”. 

وأضافت: “كأهل، نرفض تعطيل العام الدراسي لأننا دفعنا القسط بالدولار الأميركي منذ البداية”، كاشفة أن “الصعب معرفة ما إذا كان الأساتذة قد نالوا رواتبهم بالدولار أم لا، ومن هنا دور وزارة التربية التي أرسلت تعميماً طلبت فيه أن يتمّ إدخال جميع الأموال بالليرة أو بالدولار من ضمن الموازنة المدرسية وهذا ما لم تلتزم به المدارس، الأمر الذي دفع بالكثير من الأساتذة إلى الإضراب”. 

وكشفت الطويل عن تواطؤ بعض لجان الأهل “المعلّبة” مع الإدارات بسبب غياب الرقابة الصحيحة على الانتخابات، كما أن الكثير من المدارس لا لجان أهل فيها والبعض الآخر لجانها معيّنة من قبل الإدارات والوزارة لا تحاسب، وتساءلت في هذا الإطار عن كيفية مرور الموازنات التي تراقب الرواتب. 

أما في حال قررت المدارس رفع الأقساط، فقالت الطويل: “نحن نطالب بالتدقيق، أي في حال أرادت أي مدرسة السير بالإضراب وهي أصلاُ متقاضية أقساطها بالدولار ولم تثبت بالوثائق أنها متعثرة، فسندعو الأهالي للتوقف عن الدفع”. 

وتابعت: “للعام الدراسي المقبل، يجب على وزارة التربية القيام بدراسات لتحديد قيمة الأقساط بحسب عدد التلاميذ في المدارس كي لا تكون عشوائية مثلما حصل في العام الحالي، إذ ان رفع الأقساط اعتباطياً سيؤدي لخسارة كبيرة بالنسبة للمدارس قبل الأهل”. 

وختمت الطويل محذرة من “التسرب المدرسي الحاصل في ظل غياب المدرسة الرسمية ذات الجودة”، مشيرة إلى أننا أمام كارثة تربوية يلزمها وضع إعلان حال طوارئ للأقساط وكل ما يمكن أن يعرقل مسار العام الدراسي المقبل.  
 
صحيح أن الضائقة المادية التفتّ على عنق الجميع في لبنان، إلا أنه في ظل الكباش الحاصل بين المدارس والأساتذة ومعهم بعض “لجان الأهل المتواطئة”، يبقى الخاسر الأكبر في لعبة الكبار، التلامذة. ويبقى السؤال: ما مصير مستوى التعليم في لبنان؟ 

المصدر
لبنان 24

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى