إقتصاد

زيادة التعرفة الحلّ الأسهل لزيادة الإيرادات فهل من حلول أخرى؟

في كل مرة يتناول وزير الاتصالات جوني قرم التحديات التي تواجه قطاع الإتصالات يخلص على نحو تلقائي الى ضرورة رفع الأسعار والرسوم بغية تأمين إستمرارية الخدمات، وإلا فإن مصير خدمات الإتصالات سيصبح كخدمات كهرباء لبنان.

قد تكون زيادة الأسعار والرسوم أحد الحلول الواجب طرحها بعد دراسة متأنية للكلفة، لكن قرار رفع الأسعار ليس الحل الوحيد حكماً، بل يبدو أنه الحل الأسهل وإنْ كان على حساب جيوب المواطنين المهترئة. فهل ثمة حلول أخرى مبتكرة يمكن أن يلجأ اليها المعنيون في هيئة “أوجيرو” وشركتي الخليوي لتحقيق زيادة في الإيرادات الى جانب زيادة متواضعة للتعرفة؟

يؤكد وزير الاتصالات جورج قرم أن موضوع زيادة التعرفة في الخليوي يحتاج الى مراقبة، لأن تأثير الرفع على الاستهلاك لا يظهر تلقائيا بل على الاقل بعد شهر أي حتى تصدر الفاتورة، كاشفا عن اجتماع طارىء سيُعقد الاسبوع المقبل لوضع الاطر التي يجب متابعتها، و”سندرس كل الاحتمالات الموجودة، خصوصا أن هدفنا يتمثل في عدم تراجع عدد المشتركين”.

بالنسبة الى “أوجيرو”، يشير قرم الى أن “الموضوع لا يزال قيد الدرس ايضا، مع التأكيد أنه لا يمكن الاستمرار في هذا الوضع، إذ سبق ورفعنا التعرفة 2.4%، بما يعني عمليا أن الدولار في “أوجيرو” هو على سعر صرف 3650 ليرة، علما أن مصروف الهيئة كان على سعر الـ20 ألف ليرة. اما اليوم فسعر الصرف يتجاوز المئة ألف ليرة، لذا لا يمكن الاستمرار على هذا النحو، وإلا سنضطر الى طلب سُلف على غرار مؤسسة الكهرباء، خصوصا ان كلفة المازوت تبلغ نحو 15 مليون دولار سنويا”.

المشكلة في قطاع الاتصالات أكبر من مشكلة قطاعات الكهرباء والصحة والمدارس، وفق ما يقول قرم، “إذ لدى المواطن في هذه القطاعات خيارات وبدائل أخرى (مدارس ومستشفيات حكومية ومولدات). اما في قطاع الاتصالات فلا توجد بدائل، فإذا توقفت “أوجيرو” عن العمل لا يمكن تأمين الانترنت حتى من الشركات الخاصة، فيما الحلول ضئيلة”. الحل، برأيه “إمّا بهبة مالية للتمكن من الاستمرار، وهذا ما لا يمكن الحصول عليه في ظل التقنين الحاصل عالميا على هذا الصعيد، وفي ظل تردد صندوق النقد والبنك الدولي في مساعدة لبنان قبل الشروع بالاصلاحات المطلوبة منه. أما الخيار الثاني فهو بدعم الدولة للقطاع، وهذا الأمر صعب ايضا، خصوصا ان احتياط مصرف لبنان لم يعد كما كان سابقا، في حين ان الخيار الثالث يتمثل في الاعتماد على الاكتفاء الذاتي للقطاع لكي يؤمن مصاريفه في الحد الادنى، علما أننا قمنا بخفض المصاريف قدر الامكان في ظل غياب كلّي للاستثمارات (صفر استثمار) في هذا القطاع خلال الاعوام الثلاثة الماضية، ولكن استطعنا خفض المصاريف التشغيلية في قطاع الخليوي الى أكثر من النصف”.

أليس ثمة حلول أخرى لتحقيق زيادة في الإيرادات؟ يكشف قرم أن الوزارة “تتلقى يوميا الكثير من العروض للسير في مشاريع الخدمات ذات القيمة المضافة، وكل هذه العروض يجري درسها من ناحية الاستثمارات ومن ناحية المردود على الاستثمارت، ولكن من المهم الاشارة الى ان الشركات التي تتقدم للعمل في مشاريع كهذه تشترط الحصول على نسبة من المدخول، وكانت النسبة في السابق 70% للشركات و30% لشركتي الخليوي، ومن ثم اصبحت النسبة مناصفة ووصلت اليوم الى 70% للشركتين و30% للشركات”.

وإذ أكد أن “كلفة الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية أغلى اضافة الى أنها أبطأ”، اشار قرم الى أن الوزارة “تجري مفاوضات لاعتماد خدمة الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية، من خلال شركة ستارلينك، لكن المشكلة أنه لن يكون هناك مردود للدولة، علما أن مباحثاتنا تتركز حاليا على تقاسم الايرادات (Revenue sharing)، لكن لبنان بلد صغير وقد لا يجذبهم الامر، وحتى الآن لم نتوصل الى نتائج”، لافتا الى أن مشروع Star link “يمكن أن يفيد المباني والشقق لكنه لا يفيد الشركات التي تعتمد على استخدام الانترنت بشكل كبير”.

في المقلب الآخر، تؤكد مصادر متابعة أن “خدمة الانترنت عبر الاقمار الاصطناعية، من خلال شركة ستارلينك مثلا، لا ترتب على الخزينة العامة أي مصاريف إستثمارية أو تشغيلية، بل على العكس تماما هذه الخدمة تؤمن مداخيل سنوية للخزينة بالعملة الصعبة من ثمن التراخيص واستخدام الترددات، علما أن لبنان بأمسّ الحاجة لهذه الخدمة الآن، كون الوزير قرم أعلن ان من الممكن الوصول الى التقنين في خدمات الاتصالات، غير أن معظم الشركات لا تستطيع أن تنقطع عن الانترنت لدقائق معدودة فكيف بالتقنين لساعات”. من هنا ترى المصادر أن ثمة ضرورة ملحّة لتأمين خدمة “ستارلينك”، علماً أن ثمة نحو 50 دولة أصدرت التراخيص لشركة “ستارلينك” وأصبحت الخدمة متوافرة في هذه البلدان من دون أي تمييز في حجم هذه الدول أو عدد سكانها، مثل جمهورية مالطا الصغيرة في البحر المتوسط أو بلدان كبيرة كالبرازيل، وغيرهما من الدول في جميع القارات.

وفق المصادر عينها فإنه يمكن تقديم خدمات جديدة لا تحتاج الى استثمارات كبيرة، حتى أن بعضها لا يحتاج الى أي استثمار، مثل المدفوعات الجوالة Mobile Payments لتقديمها من شركتي الخليوي مباشرة، وإنترنت الأشياء IoT services لتقديمها من “أوجيرو”، والتي سبق للهيئة ان باشرت العمل في هذا المشروع، اضافة الى خدمات أخرى مثل خدمات السحابة Cloud والبث المباشر للمحتوى وغيرها من الخدمات.

وتضيف المصادر ان ثمة ضرورة قصوى لتفعيل خدمات الشركات او ما يُعرف بـ Large accounts، خصوصا خلال الازمة الحالية التي يمر بها لبنان، فطبيعة سوق خدمات الإتصالات تغيرت بشكل جذري بعد العام 2019، وعلى مشغّلي القطاع من شركتي الخليوي و”أوجيرو” العمل وفقا لاستراتيجيات جديدة تحاكي التغيّرات الحاصلة، وأهمها أنه لم تعد ثمة قدرة للأفراد على استخدام خدمات الإتصالات كما كان متّبعا قبل الأزمة، في حين ثمة شركات ومصانع جديدة باشرت العمل في خضم الأزمة المالية والاقتصادية. كما أن هناك شركات ومصانع كانت موجودة سابقا وتطورت وكبرت خلال الأزمة، وهذا أمر طبيعي في قطاعات الصناعة والإنتاج والخدمات نتيجة الانهيار الحاصل في قيمة العملة الوطنية وخفض الكلفة على هذه المؤسسات. وهذه الشركات والمصانع بحاجة الى خدمات الإتصالات على أنواعها، لذا لا بد من أن يقوم المشغّلون للإتصالات، وخصوصا “أوجيرو”، بالعمل على تطوير وتحديث مهام مديريات خدمات الشركات Corporate Account Management في بيروت والمناطق لتلبية حاجات هذه المؤسسات وتأمين الخدمات النوعية على قياس كل مؤسسة tailored solutions بما يؤدي الى زيادة كبيرة في الإيرادات الناتجة عن هذه الخدمات.

وتنصح المصادر بانتهاج المنحى الجديد المتبع لدى المشغلين العالميين للإتصالات لجهة تقديم جميع خدمات الحوسبة computing وكأنها خدمة برمجيات أو ما يُعرف بخدمات XaaS ، التي أصبحت تشكل المكوّن الرئيسي في مجموع زبائن وواردات المشغلين العالميين للاتصالات وشركات GAFAM.

وتلفت الى أهمية البدء بتقديم خدمات الإنترنت الفائقة السرعة عبر الأقمار الاصطناعية في الأسواق اللبنانية، بما يتوافق ويتلاءم بشكل كبير جدا مع واقع الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة التي تعيشها الخزينة العامة للدولة والعملة الوطنية بما يعوق أي استثمارات في توسعة أو تطوير البنية التحتية لخدمات الإتصالات. كما يمكن للمشغلين الاحتفاظ بالعملاء customer retention من خلال توفير خدمات شخصية وخدمة عملاء ممتازة وبرامج ولاء متخصصة، اضافة الى استخدام بيانات العملاء بصورة قانونية ومن دون أدنى مخالفة للخصوصيات، وذلك عن طريق توفير التحليلات والنظريات للشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية.

الى ذلك، يمكن للمشغلين، وفق المصادر عينها، “القيام بالشراكة مع شركات أخرى لتقديم خدمات مشتركة أو للوصول إلى أسواق جديدة، وذلك ضمن القوانين والتنظيمات النافذة التي تتيح التعاقد مع شركات من القطاع الخاص في هذا المجال، كما تطوير نماذج تسعير جديدة مثل الدفع وفقاً للاستخدام أو تبعاً للإشتراك، وذلك بعد إعداد دراسة دقيقة لمرونة الطلب او ما يُعرف بـ Price Elasticity of Demand. إذ إنه في بعض الحالات ولبعض الخدمات يمكن ان تؤدي الزيادة في الأسعار الى مفعول عكسي قد يتمثل بانخفاض في الإيرادات، والعكس صحيح. ويمكن في بعض الحالات خفض الأسعار لتأمين زيادة في الإيرادات، خصوصا أنه مادام سعر الدولار على منصة “صيرفة” يرتفع بشكل متواصل، بما يؤدي الى ازدياد مستمر في تعرفة الخدمات، فسيؤدي ذلك إجمالا، وتبعاً لمرونة الطلب، الى خفض مستمر (وقد يصبح دراماتيكيا) في استخدام خدمات الإتصالات”.

يبقى عامل أساسي ومهم تلفت اليه المصادر للوصول الى تطبيق هذه المقترحات لتأمين زيادة كبيرة في الإيرادات، وهو “تمكين الموظف من الحصول على حقوقه الأساسية للقيام بعمله بفعالية. بَيد أن ثمة ضرورة ملحّة لمساواة موظفي “أوجيرو” ووزارة الإتصالات بموظفي شركتي الخليوي بطريقة أو بأخرى، خصوصا ان أعمال “أوجيرو” هي المدماك الأساسي لبناء خدمات جميع الشركات الأخرى بما فيها شركتا الخليوي. بمعنى آخر، ومن دون الدخول في التفاصيل التقنية، في حال توقفت “أوجيرو” كليا عن العمل لمدة 24 ساعة، ستتوقف جميع أعمال شركتي الخليوي وجميع أعمال مقدمي خدمات “الداتا” والانترنت في كل المناطق اللبنانية”.

“النهار”- سلوى بعلبكي

المصدر
النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى