إقتصاد

سلامة يوجّه ضربة قاضية لأموال وحقوق المودعين

تقدمت نقابة المحامين في بيروت ممثلة بالنقيب ناضر كسبار ووكيلها الياس كسبار أمام مجلس شورى الدولة (ضد مصرف لبنان، ممثلاً بشخص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة)، بمراجعة ابطال مع طلب وقف تنفيذ القرار الوسيط الصادر عن مصرف لبنان رقم 13528 تاريخ 20/1/2023 (تعميم رقم 659) المعدّل للقرارين الأساسيين رقم 6568 تاريخ 24/4/1997 ورقم 6939 تاريخ 25/3/1998، والمتعلق بعمليات القطع لدى المصارف والمؤسسات المالية وبالاطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان.

فبتاريخ 20/1/2023 صدر القرار الوسيط رقم 13528(تعميم رقم 659)، وقد تضمن أربع مواد تشكل كل واحدة منها خرقاً لاحكام القانون، واغتصاباً للسلطة، قاضياً بذلك على أدنى أمل كان لا يزال المودعون يتمسكون به، برجاء استعادة اموالهم كاملةً، قيمة فعلية وحقيقية، ونقدية وإن بعد حين بعد إجراء المحاسبة والمساءلة.

فقد استشعر مصرف لبنان خطر اعلان افلاس المصارف بعد ثبوت توقفها عن الدفع وعن تسديد اموال المودعين من جهة، وبدل ان يعمل على حثّ المصارف على زيادة رأسمالها نقداً عن طريق الاكتتاب النقدي الصحيح وفق ما هو معمول به قانوناً من اجل اعادة الرسملة، او على الاقل الى تطبيق القوانين المنظمة لعمل المصارف، لا سيما وضع اليد عليها أو اعلان توقفها عن الدفع ووضعها تحت اشراف القضاء المختص واتخاذ التدابير الاحتياطية اللازمة، فقد وجد ان يتابع رسملة المصارف وهمياً كما فعل بودائع الناس زاعماً انه يقوم بتسديدها بقيم لا توازي 10% من قيمتها الحقيقية.

بالفعل، أخذ مصرف لبنان «يتفنّن» في اصدار القرار الوسيط المطعون فيه، والذي قرر اعطاء المصارف من خلاله مهلاً اضافية من اجل زيادة رأسمالها بحدود معينة، لتغطية العجز بالعملات الصعبة الذي أوقعها به مصرف لبنان نفسه كما وإهمالها وجشعها وقلة درايتها وتبصرها، الامر الذي حال دون تسديد اللبنانيين ودائعهم، بعد ان استولى عليها «المركزي»، وتصرف بها خلافاً لغايات العقد ولسياسات النقد.

وهكذا يتبين انه اعتمد على وسيلة من وسائل الغش لكي يمنع اعلان افلاس المصارف وهي متوقفة عن الدفع عبر منحها مهلاً مزعومة تتمكن من خلالها من اعادة الرسملة قبل ايفاء حقوق المودعين، معتمداً معايير للرسملة أقلّ ما يُقال فيها انها وهمية وستزيد من أزمة القطاع المصرفي. سيما وانه، من خلال القرار المطعون فيه، سيُفتح المجال أمام أصحاب المصارف من جهة لإحتساب الحقوق والرساميل المكتتب بها ولزيادة رأسمالها بالدولار الاميركي على اساس سعر صرف يوازي 15,000 ل.ل./$، ومن جهة أخرى لاعادة تقييم اموال المصارف على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، او وفق سعر منصة صيرفة تمهيداً لعملية إعادة تقييم غير متوزانة ومشبوهة.

اما في ما يتعلق بنصّ المادة الثانية بما خصّ عدم توزيع ارباح، فقد جاء ما يلي: ’’عدم توزيع انصبة ارباح على حقوق حملة الاسهم العادية عن السنوات المالية 2019 و2020 و2021 و2022.‘‘

ويتبين هنا في حال جرى تثبيته أو تأكيده، ان المصارف كانت رغم توقفها عن سداد المودعين اموالهم، قد حققت ارباحاً في السنوات الماضية ربما من خلال الفوائد على الودائع المسجلة والمودعة لدى مصرف لبنان، كما ومن خلال العمولات الباهظة وغير الأصولية التي كانت تستوفيها من العملاء والمودعين، اذ ان المصارف اعتبرت ان الفوائد هي بمثابة ربح لها حتى نهاية العام 2022 بذمة مصرف لبنان، كونها اوقفت تسديد الفوائد الى المودعين، واستولت على الفوائد عن الاموال المسلمة الى المصرف المركزي، معتبرة الفوائد ارباحاً محققة لها، فجاء مصرف لبنان ليعتبر في المادة الثانية اعلاه، انه من الواجب عدم توزيع هذه الارباح، والعبرة من ذلك انه يقتضي بالمصارف ضمّها الى الرأسمال من اجل اعادة تقييم الاصول وهو ما سيتبين بوضوح من خلال المادة التالية.

حماية بطرق ملتوية

بالفعل، كرست المادة الثالثة من القرار المطعون فيه، مسألة كيفية اعادة الرسملة الوهمية والصورية التي تجنّب وتحمي من اعلان الافلاس أو وضع اليدّ، بطريقة ملتوية، حيث تنصّ على ما يلي:

’’ يقبل ضمن الاموال الخاصة الاساسية فئة حملة الاسهم العادية 50% من ربح التحسين الناتج عن اعادة تخمين موجودات المصرف العقارية (أراض وابنية) المملوكة منه بكامل اسهمها والموجودات العقارية المملوكة بكامل اسهمها من الشركات العقارية التي يساهم فيها هذا المصرف، المتملكة وفقاً لاحكام المادة 153 من قانون النقد والتسليف والمساهمات والتسليفات الطويلة الاجل المرتبطة بمشاركات في مصارف ومؤسسات مالية في الخارج، المشتراة او الممنوحة بموافقة مصرف لبنان وذلك ضمن الشرطين المتلازمين التاليين:

1- ان يتحقق المجلس المركزي لمصرف لبنان على نفقة المصرف المعني من صحة عملية اعادة التخمين ويوافق عليها.

2- اتمام عملية اعادة التخمين في مهلة اقصاها تاريخ 31/12/2023‘‘.

أدوات لا تتمتع بأي حق أفضلية

علماً أولاً أن القرار الأساسي رقم 6939 تاريخ 25/3/1998 المعدّل بموجب القرار المطلوب إبطاله قد نصّ في الفقرة (7) من مادته الثالثة على أنه «لا يتم دفع أنصبة الارباح (وإن كان بصورة ضمنية من خلال إحتساب ربح تحسين) الا بعد دفع التزامات المصرف القانونية أو التعاقدية المستحقة كافة تجاه الدائنين وتجاه حملة الاسهم التفضيلية وغيرها من الادوات الرأسمالية، أي أن هذه الادوات لا تتمتع بأي حق أفضلية في الحصول على أنصبة الارباح». وقد أعقبت الفقرة الثانية بالقول، وهي المتعلقة بالادوات الرأسمالية ضمن فئة حقوق حملة الاسهم العادية التي تقبل إذا توافرت فيها الخصائص المذكورة، ومنها: «أن تكون جاهزة لإطفاء خسائر المصرف عند وقوعها، فوراً دون أي قيد أو شرط، وفقاً لما تمثله من نسبة في رأسمال المصرف وبالتساوي مع جميع حملة الادوات المقبولة في هذه الفئة». ومن المفيد هنا الإشارة للدلالة والإستنتاج، إلى أن الفقرة (6) من المادة عينها قد نبهت أن «لا يكون المصرف مجبراً على توزيع أيّ أنصبة أرباح على هذه الادوات دون أن يعتبر ذلك، لأي سبب كان، احدى حالات التعثر (Event of Default)».

وعلماً ثانياً انه لو فرضنا وجود اي ارباح، فهي من حق المودعين، ويجب تسديد الودائع من خلالها، بعد ان هدرت ودائعهم، ما يعني ان هذه المادة تشكل ضرباً من ضروب الغش والاحتيال الواقعة على ودائع المودعين والهاضمة لقيمتها الفعلية.

وبالفعل، ان اعادة التقييم لاصول البنك على اساس الدولار الاميركي الفريش واستعمال /50/% من الارباح لتسديدها على شكل ارباح، تشكل زيادة وهمية من حساب المودعين، وليس من اموال اصحاب المصرف، لانتفاء حصول اي زيادة اكتتاب نقدية، فقد مكنهم القرار المطعون فيه من الاستفادة بما قيمته /50/% من قيمة التحسين، لتخفيض الرأسمال من /20/ مليار دولار كما كان الحال عليه في السابق، لحدود /2/ مليار دولار، لكن على اساس سعر صرف للدولار مقابل الليرة ما قيمته /15,000/ل.ل. للدولار الواحد، اي ما يشكل في الظاهر زيادة لرأس المال، الا انه في النتيجة جاءت هذه الزيادة وهمية، ولا اساس لها من الصحة.

مما يشكل، والحال ما تقدم، محاولة لتغطية الفجوة المالية على حساب المودعين، والايحاء من حيث الظاهر بملاءة المصارف، في حين انها ملاءة صورية فقط، اذ ان واقع المصارف يُفيد بأنها متوقفة عن الدفع، كون الاصول وموجودات المصارف هي ضمانة للمودعين، ولا يمكن ان تنتج السنوات الارباح المحققة لاصحاب المصارف، في حين انها متوقفة عن الدفع، وهذا ما يشكل اغتصاباً وخرقاً فادحاً وجوهرياً لاحكام قانون التجارة.

والجدير ذكره أيضاً، ان التعميم المطعون فيه قد مكن المصارف، في المادة اعلاه، من استعمال /50/% من قيمة التحسين الناتجة عن اعادة تخمين موجودات المصرف العقارية (أراض وأبنية) المملوكة منه بالفريش دولار في سبيل اعادة الرسملة، وبالتالي اجراء زيادة وهمية للاصول والاكتتاب من أصول وموجودات المصارف، في الداخل والخارج، التي تشكل ضمانة لحقوق المودعين، لكنها بالحقيقة باطلة جراء ذلك اذ انها غير مبنية على اي اكتتاب نقدي وفعلي أو إعادة رسملة أصولية من اصحاب المصارف وفق ما تفرضه القوانين.

أسعار صرف مختلفة

والمفارقة الكبرى في هذا المجال هي ما ورد في المادة الرابعة لناحية تمكين المصارف من اجراء التقييم على اساسFresh Dollar ومن ثم اعتماد سعر صرف الدولار على اساس سعر المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة، إلا انه بالمقابل تقوم المصارف بتسديد لالتزاماتها على اساس الدولار المساوي لسعر صرف /15,000/ل.ل./$، للمواطنين، تحت سقف واحد، وهو ما يتعارض مع احكام الانتظام العام، ومبدأ مساواة الجميع امام القانون، فكيف يتم اجراء التخمين بالفريش دولار وبالمقابل تسدد المصارف ودائع المواطنين على اساس سعر صرف /15,000/ل.ل.

إحتساب ربح التحسين؟!

وقد نصت المادة الرابعة على ما حرفيته: ’’دون المس بالنصوص القانونية الالزامية، يمكن للمصارف استثنائياً، بغية احتساب ربح التحسين:

1- تقييم الموجودات موضوع هذه المادة بالدولار الاميركي النقدي Fresh Dollar

2- إعتماد سعر صرف للدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية على اساس السعر المعلن على المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة Sayrafa كما في 31 كانون الاول من كل عام ولمدة خمس سنوات، وذلك في ما خص:

  • موجوداتها العقارية المتملكة في لبنان وفقاً لاحكام المادة 153 من قانون النقد والتسليف.
  • المساهمات والتسليفات الطويلة الاجل المرتبطة بمشاركات في مصارف ومؤسسات مالية في الخارج المشتراة او الممنوحة بموافقة مصرف لبنان‘‘.

إستيلاء على ضمانات المودعين

أما تخمين المصارف لموجوداتها، واعادة الرسملة، فهو من خلال اعادة تقييم الموجودات والاستيلاء على ضمانات المودعين، حيث يعمل اليوم بأسعار صرف متفاوتة، مما يمس بمبدأ المساواة بين المواطنين المصان دستورياً ويمس بمبدأ وحدة المعايير، اي ان الموجودات يتم تخمينها على اساس سعر مضخم مع تسجيل ربح التحسين، اما رأسمال المصارف الذي تعتزم احتسابه فهو على اساس سعر صرف متدنّ وغير واقعي محدد بـ /15,000/ل.ل. نسبة لسعر الصرف الحقيقي اليوم في السوق التجاري.

وبالنتيجة يمكن القول إن القرار الوسيط أي التعميم شكل الضربة القاضية على اموال وحقوق المودعين سواء في الاستيلاء على الودائع وتمويل عملية اعادة الرسملة من حساب المودعين أو تهريب الموجودات من خلال تخمينها بمبالغ وهمية لا تساوي قيمتها الحقيقية في حين انها تشكل الضمانة المتبقية للمودعين، مما يجعل التعميم باطلاً لانه مبني على الغش والتدليس في تهريب ضمانات المودعين ومكافأة المصارف وضرب لقاعدة وحدة المعايير والمساواة امام القاعدة الواحدة كما وتجاوز لحدّ السلطة.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى