توزيع أدوار في عملية تعطيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية
تجري عمليات وهمية على هامش المعركة الانتخابية الرئاسية الحامية في لبنان، هدفها التغطية على حقيقة ما يجري، وإخفاء المسؤولية عن تعطيل انتخاب الرئيس، في وقت أصبحت البلاد قاب قوسين او أدنى من الانهيار الكامل، والبؤس وسوء التغذية يدقان أبواب غالبية الأسر اللبنانية، بينما الدولة مهددة بالانفراط من جراء اضراب الموظفين العموميين، الذين لا تكفي رواتبهم للوصول الى مراكز عملهم، والدولة عاجزة عن تلبية طلباتهم المالية المحقة.
هناك أوراق مكشوفة يلعبها المتبارون على الساحة الرئاسية، ومنها تمسك الثنائي الشيعي وحلفائهم بترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، بينما تعلن القوى السيادية استمرارها في ترشيح النائب ميشال معوض، وفريق أساسي من النواب بينهم كتلة اللقاء الديموقراطي ومستقلين، بدأوا يتحركون على قاعدة تدوير الزوايا لكي يتم الاتفاق على مرشح رئاسي لا يعتبر تحديا لأحد، وتطرح في هذا السياق أسماء الوزير السابق جهاد أزعور وقائد الجيش العماد جوزاف عون والنائب السابق صلاح حنين وغيرهم، والبطريرك بشارة الراعي الذي لا يدخل في لعبة التسمية أصبح ميالا الى الحوار والتوافق للخروج من مأزق الفراغ الذي يهدد الكيان ويصيب المسيحيين بإحباط غير مسبوق.
من المؤكد أن توزيع أدوار يجري على هامش الاستحقاق المصيري، تشترك فيه أطراف داخلية وقوى خارجية، والمعلومات التي نقلها مصدر واسع الإطلاع، تفيد بوجود محاولة جدية لتطويق تسوية خرجت الى العلن بعد الاتفاق الذي حصل بين المملكة العربية السعودية وايران برعاية صينية، قيل أن من بين بنودها تخفيف الاحتقان في لبنان، وانتخاب رئيس وسطي غير محسوب على محور محدد، وهذه المعلومات تؤكد أن المباحثات التي حصلت مؤخرا في موسكو بين القيادتين الروسية والسورية، هدفت الى دعم ترشيح النائب فرنجية لأن دمشق كانت قد وعدته بالوصول الى سدة الرئاسة مهما كان الثمن، بينما أعلن الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله ترشيح فرنجية علنا، لكنهما أبقيا باب التفاوض مفتوحا، تحت شعار ضرورة التوافق لأن لا أحد من الأطراف يملك أكثرية تستطيع إيصال رئيس بمفردها.
وتوزيع الأدوار يشمل ايضا الفريق السيادي والمستقلين وأصدقاءهم في الخارج، بحيث أن بعضهم يتمسك بترشيح معوض، بينما يعلن فريق آخر عن الاستعداد للتوافق على شخصية وسطية تحمل برنامجا انقاذيا ولا تعتبر تحديا لأحد.
والتواصل الذي يجري بين المسؤولين الفرنسيين والمسؤولين السعوديين يسير بهذا الاتجاه، وسط لامبالاة أميركية غريبة، وصلت الى حد التعايش مع الفراغ من دون أي انزعاج يذكر.
ووسط هذا الجو السياسي الغريب، برز ملف التحقيقات التي تجري مع حاكم مصرف لبنان، كأنها جزء من «عدة الشغل»، والواضح أن في الملف أوراق مخفية وأوراق مكشوفة ايضا، وقد يكون بعض ما يجري له علاقة بالتوليفة المنتظرة لإعادة تكوين لبنان على القاعدة التي يراها اللاعبون الدوليون مناسبة في المستقبل، وهناك تساؤلات كبيرة تدور حول خلفيات الموقف الفرنسي.
وبالفعل، فقد اختفى ملف التحقيق الجنائي في مصرف لبنان ولم يعد بالتداول، بعد أن صرفت عليه الحكومة الماضية ما يزيد على 3 ملايين دولار، كما تراجعت الدعاوى الجنائية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقد استجوبه المحققون اللبنانيون والأوروبيون بصفة «مستمع اليه» غير متهم، مما يؤكد أن صفقة ما قد تمت، او أن كل ما كان يحكى عن ارتكابات لسلامة غير صحيحة وهي من باب التفتيش عن ضحية ولذر الرماد في العيون، وحرف المسؤولية عن الانهيار المالي عن المرتكبين الأساسيين.
رغم كل ذلك، هناك مصادر تؤكد أن التسوية الرئاسية حاصلة في الأسابيع القادمة، والرئيس العتيد لن يكون من الشخصيات التي تشكل استفزازا لأي طرف، والتحركات الكبيرة التي تجري في المنطقة تخدم هذا التوجه.