مجريات المحاكمة في جريمة أنصار… “مماطلة” وشكوك بتدخُّل سياسي
يتجدّد ألم عائلة صفاوي بعد عام على مذبحة أنصار، فالتحقيق لم يفضِ إلى نتيجة ملموسة حتى الساعة.
الشكوك حول المماطلة في المسار القضائي للقضيّة تتنامى أخيراً، وسط اعتماد رئيس محكمة الجنايات في بيروت القاضي سامي صدقي أسلوباً “مريباً” في الإرجاء “المتعمَّد” للجلسات، وفق توصيف العائلة، إذ طلب تعيين طبيب نفسيّ للمتّهم حسين فيّاض في الجلسة الأخيرة.
ثمّة أسباب عديدة خلف حالة الارتياب التي تنتاب عائلة الضحايا الأربع، بدءاً من طول أمد المحاكمات، وما يسمونه “استخفاف” القاضي بالملف متذرّعاً بالسّفر في الجلسة الأولى، إضافة إلى ما وصفته العائلة بـ”التعاطي الفوقيّ” مع الجهة المدّعية، و”كأنّهم هم المجرمون”، وصولاً إلى طريقة تعيين الطبيب النفسيّ في المحكمة.
قانونيّاً، “كان من المفترض ضمّ طلب القاضي إلى أساس الدعوى؛ وإذا استدعى الأمر، يُعيَّن الطبيب في وقت لاحق، لا الموافقة على تعيينه بشكل غريب، وقد مرّ أكثر من عشرة أيام على الجلسة، ولم يُسمِّه حتى الآن”، بحسب ما يؤكّد محامي العائلة حسن بزي .
مواعيد جلسات المحاكمة في قضية #جريمة أنصار تصل إلى شهرين وأكثر بين الجلسة والأخرى، وهو أمر “غير مألوف” في قضايا كهذه، التي تستدعي انعقاد جلسات بين الأسبوع والعشرة أيّام كحدّ أقصى. أمّا طلب تعيين طبيب نفسيّ للمتّهم فيّاض بعد عام على الجريمة، فيطرح علامات استفهام لدى العائلة حول نزاهة المحكمة.
يقول بزّي : “في الهيئة الاتهامية، سُئِل المتّهمان فياض وشريكه السوري حسن الغنّاش عن ماهية إدراكهما لتنفيذ الجريمة، وأجابا بأنّهما كانا بوعي تامٍّ ويُدركان تماماً ما يقومان به، وقد اعترفا بوضوح بتنفيذ الجريمة”، مؤكّداً أنّه “لم يُطرَح الطبيب النفسيّ في كلّ مراحل التحقيق السابقة، مِمّا يعني أنّ هناك شيئاً مبهماً يستدعي طرح تساؤلات عن مسؤولية القاضي”.
وأمام هذا الواقع، هل من الممكن أن ننتظر لسنوات للبتّ بالجريمة؟ يعتبر بزّي أنّ “مجرّد التساؤل ينمّ عن عدم عدالة المحكمة”، تاركاً الأمر للرأي العام. ويجزم بـ”تدخّل سياسي” في القضية، “إذ من الممكن أن يكون التدخّل مِن شخص تابع لجهة، ونافذ في داخل حزب معيّن، ومنتفع ماليّاً، ويمارس الضغوطات لمصلحته الشخصيّة”.
من جهته، لا يُخفي والد الضحايا الثلاث المختار #زكريا صفاوي تخوّفه من تدخّلات سياسية أيضاً، ويقول : “مشكلتنا في البلد القضاة، يعيّنهم السياسيون، وعلمنا أنّه يمكن إرجاء البتّ بالقضية لسنوات، خاصّة في محكمة التمييز”، مضيفاً: “أحياناً يؤكّد المتابعون للقضية أنّ القاضي صدقي لا يُرتشى، لكن هل يُعقَل ألّا يُبلِّغ القاضي المحكمة بسفره، لإعلام العائلة بعدم حضور الجلسة؟”.
الإشكالية الأخرى في القضية تكمن في مُهل الدفاع الممنوحة للمحامين عن المتّهمَين، فيمكن للمحامي المرافعة خلال أسبوع، في حين أنّ محكمة الجنايات تمنح المحامين مُهلاً تصل إلى 70 يوماً.
وإزاء ذلك، تفيد معلومات بأنّ هناك دراسة جدّية من الوكيل القانونيّ للمختار صفاوي، المحامي ماهر جابر، لتقديم طلب ردّ رئيس محكمة الجنايات القاضي صدقي، في الأيام المقبلة. وفي حال الموافقة على طلب الردّ، وإيجاد ما يُبرّره، يتمّ تعيين قاضٍ جديد للقضية أو غرفة جنايات جديدة. ويُقدَّم طلب الردّ إلى محكمة الاستئناف في بيروت، وتبتّ فيه خلال أسبوعين في غرفة مذاكرة
ماذا جرى في جلسة المحاكمة الأخيرة لجريمة أنصار؟
منذ نحو عشرة أيام، عقدت محكمة الجنايات في بيروت جلسة لاستجواب فياض والغنّاش بحضور عائلة صفاوي ووكلاء الدفاع، إلّا أنّ القاضي صدقي لم يستجوب المتّهمَين، كما كان متوقَّعاً، بل اكتفى بتلاوة ورقة يطلب فيها محامي فياض عرضه على طبيب نفسيّ قبل رفع الجلسة.
وقد علِم صفاوي أنّه “مِن الممكن أيضاً أن يطلب محامي الغنّاش تعيين طبيب له الشهر المقبل”، متّهماً “المحامين الثلاثة عن المتّهمَين بالتواطؤ لتأخير المحاكمة عمداً، عدا عن الإضراب السابق للجسم القضائي”.
في جرائم كهذه، ليست مسألة الطبيب النفسي تفصيلاً عابراً، بل يُمكن للتقرير الطبيّ عن حالة المتّهم النفسيّة أن تُغيّر مجريات التحقيق والحُكم، وهو ما يتخوّف منه صفاوي، معتبراً أنّه “ثمّة صعوبة في الوصول إلى الحقيقة. وهناك سعي لتخفيف الحكم عن فيّاض بالمؤبّد، واتّهام السوري بالجريمة كاملة، مع أنّه اعترف أنّه كان موظّفاً لديه، وأدّى المهمّة وفق اتفاق بينهما”.
بتّ الحُكم بالإعدام أو التصعيد
على ضوء الاعتراف الصريح والعلنيّ لحسين فياض وحسن الغنّاش أنّهما كانا في حالة وعي عند التخطيط للجريمة وتنفيذها، وفق القرار الظنيّ، فإنّ “الحُكم البديهي” للجريمة هو الإعدام، وأيّ حُكم آخر ستعتبره العائلة “مسيّساً”، إذ تكشف معلومات عن أنّ “10 قضاة آخرين أبدوا الحُكم ذاته عند مراجعة الملف”.
ويُطالب الوالد المفجوع بعائلته القاضيَ صدقي بـ”القيام بواجبه، وإصدار حُكم الإعدام بهذه الجريمة من دون مماطلة وتلكّؤ”. علماً أنّ حُكم الإعدام في لبنان لا يزال نافذاً وفق أصول المحاكمات، إلّا أنّ الإشكاليّة تكمن في تطبيقه سياسيّاً، ويتطلّب توقيع رئيسَي الجمهورية والحكومة ووزير العدل.
ملفّ جريمة أنصار المفجِعة، التي هزّت الرأي العام اللبناني والعربي لفظاعتها العام الماضي، لا تزال تحظى بتعاطف شعبيّ كبير في بلدة أنصار الجنوبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، في ظلّ تقاعس الدولة. لكنّ غياب الجمعيّات النسوية المهتمّة بمكافحة العنف ضدّ المرأة، يُثير تساؤلات عديدة لدى صفاوي: “في حين نجد مئات الأشخاص يتضامون مع قضية حضانة لامرأة مطلّقة في المحكمة الجعفرية، لم يُحرِّك مقتل 4 نساء أحداً للسؤال عن مجريات المحاكمة والوقوف إلى جانبنا”.
كذلك يُحذّر صفاوي “من المماطلة في التحقيق، لئلّا نضطر إلى التصعيد مثلما فعل أهالي ضحايا المرفأ وتكسير المحكمة”، ويقول: “لم نتعرّض سابقاً إلى عائلة فياض لأنّهم طالبوا بإعدامه عند كشف الجريمة، إلّا أنّهم كاذبون”.
بالتواصل مع رئيسة جمعية “كفى” زويا روحانا، تلفت إلى أنّ “الجمعية لم تتابع جريمة أنصار من قبل، وليس لديها معلومات إضافية عن مجريات التحقيق”، لكنّها تؤكد أنّ “الجمعية عادة ما تتواصل مع عائلة الضحية التي تعرّضت للعنف، ونستمع إلى طلباتها، ونقوم بتلبيتها إن كانت بحاجة للمساعدة”. وتضيف: “في بعض الحالات، تُعيّن عائلة الضحية محامياً من تلقاء نفسها، وفي حالات أخرى ترفض رفع دعوى قانونية، فنتعامل مع كلّ قضيّة بحسب الوقائع”.
3 فتيات قُتلنَ ووالدتهنَّ بدم بارد في أنصار منذ عام، بداوفع إجرامية لا تزال مبهمة للرأي العام، ومسار محاكمة بطيء قد يُدخل القضية في جوارير المحاكم لسنوات، في حين تبقى حرقة القلب للوالد بمصابه جمراً لا ينطفئ، لكنّه يتعهّد بعدم نسيان ذكرى بناته: “لم أنساكنَّ، وأنتنَّ حاضرات معي دائماً، وأسعى إلى ردّ حقكنَّ إلى آخر يوم في عمري”.