صحةمقالات

استغلال أطباء “اللبنانية” لتدنّي رواتبهم: الإضراب حتى الإنصاف

انتقل صراع تحسين الرواتب والأجور ليتلاءم مع انهيار سعر صرف الليرة، إلى القطاع الصحّي، وتحديداً إلى الأطباء المقيمين (تخرَّج كطبيب صحة عامة ويمارس المهنة ويتابع تخصصه) والمتمرّنين (لم يُنهِ دراسته) في الجامعة اللبنانية الذين يعملون في المستشفيات الخاصة والحكومية.
نحو 600 طبيب يتوزّعون بين نحو 350 مقيماً يحمل شهادة ونحو 250 متمرّناً يتابعون دراستهم بين سنتيّ السادسة والسابعة، قطعوا أشواطاً في التفاوض مع إدارات المستشفيات بهدف زيادة رواتبهم. ومع الوصول إلى حائط مسدود، أعلنوا الإضراب والتوقُّف الكلّي عن العمل بدءاً من يوم الأربعاء المقبل.
على أن التدقيق بهذا الملف سرعان ما يكشف خبايا أعمق تتّصل بآليات توزيع الجامعة لأطبائها على المستشفيات.

مفاوضات غير مجدية
استُبِقَ إعلان الإضراب التام، بتحذيرات ترافقت مع لقاءات بين ممثّلي الأطباء المتمرّنين والمقيمين، وبين إدارات المستشفيات والجامعة اللبنانية، لم تُفضِ إلى النتائج المرجوّة التي يريدها الأطباء، وإنما أقرّت زودة بقيمة 100 دولار فقط على الـ150 دولار التي كانت تُقبَض بالأصل مع نحو 2.5 مليون ليرة، فأصبح المبلغ المفروض قبضه كاملاً 250 دولار مع نحو 5 مليون ليرة، من المفترض قبضها في نهاية نيسان أو في أول أيار المقبل، بحسب رسالة عميد كلية الطب محمد موسى لإدارات المستشفيات. وهذا المبلغ غير مقبول. علماً أن الرواتب لا تختلف كثيراً بين المستشفيات الحكومية والخاصة، بإستثناء بعض المستشفيات التي تعد على أصابع اليد.

ولا يطالب أطباء الجامعة اللبنانية بـ”إلزامية المساواة بالرواتب مع زملائهم من الجامعات الخاصة، فلكل جامعة ومستشفى وضع خاص يتعلّق بها، بل المطلوب إنصاف أطباء الجامعة اللبنانية لكي يستمرّوا في عملهم”، وفق ما يقوله يوسف زيتون، وهو أحد الأطباء المقيمين.
تختلف وجهات النظر في هذا الملف بين المستشفيات الخاصة والحكومية، لكن يُجمِع الطرفان على عدم وجود التغطية المالية الكافية للزيادة. فيؤكّد نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أن “رواتب أطباء الجامعة اللبنانية العاملين في المستشفيات الخاصة، تتحدَّد بعقد بين إدارة كل مستشفى على حدة مع إدارة الجامعة، ومن الصعب حالياً أن تزيد المستشفيات الرواتب”. ويشرح هارون في حديث لـ”المدن”، أن عدم الزيادة يعود لـ”نقص التمويل. فالمستشفيات لا تقبض مستحقاتها من الجهات الضامنة. كما أن ما تقبضه بالليرة يفقد قيمته، فبعض المستحقات سُجِّلَت حين كان الدولار بين 25 و30 ألف ليرة، وهو اليوم يزيد عن 90 ألف ليرة، فلا تستطيع المستشفيات الخاصة تحمّل كلفة الخسارة”.
ويلفت هارون النظر إلى أن المستشفيات الخاصة تعتمد كثيراً على أطباء ومتمرّني الجامعة اللبنانية”، وإضرابهم يؤثّر على عمل المستشفيات. وإضرابهم يزيد أزمة القطاع”.
كما في القطاع الخاص، ينعكس الإضراب على المستشفيات الحكومية التي تعتمد بشكل كبير على أطباء الجامعة اللبنانية. فهُم يمارسون عملهم كأي طبيب متفرِّغ في المستشفى، ويزيدون عنه بـ”دوامات إضافية ومناوبات ليلية تستمر في أوقات العطل الرسمية”، يقول زيتون.
وتؤكّد مصادر في مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، أهمية هؤلاء الأطباء في تسيير عمل المستشفى “فالاعتماد عليهم كبير، والإضراب يؤثِّر مباشرة على متابعة أوضاع المرضى”، تقول المصادر وتلفت النظر إلى مبادرة داخلية جرت لـ”التواصل مع إدارة المستشفى لزيادة الرواتب. وجرى التواصل مع إدارة الجامعة ووزارة الصحة، لكن لا حلّ واضحاً حتى الآن، لأن الوضع المالي للمستشفى مأزوم”.
لا تنكر المصادر حقّ الأطباء في الزيادة، لكنها تطلب “مراعاة واقع المستشفيات الحكومية. كما أن أي زيادة لهم، ستجرّ معها زيادة لباقي الأطباء والموظّفين، وهو ما يفوق طاقة المستشفيات”. وترجّح المصادر أن يُصار إلى دفع “مساعدة مالية، لكن ليست بالأرقام التي يطالب بها الأطباء”. لكن لا شيء محسوماً، بانتظار قرار عمادة كلية الطب والمرجعيات السياسية.

مطالب مدروسة
يُدرك أصحاب المطالب واقع القطاع الصحّي، ويعرفون قدرة كل مستشفى ويميّزون المستويات المادية المتفاوتة بين المستشفيات الحكومية، لذلك “اقترحنا مبلغاً منطقياً يحافظ على استمرارية عمل الأطباء، وهو 350 دولاراً شهرياً وزيادة بنسبة 25 دولاراً كل سنة، لكن الزيادة المقترحة من الجامعة اللبنانية تقف عند حدّ 250 دولاراً”. ومنطقية الرقم المطلوب بالنسبة للأطباء تستند إلى “الوضع المعيشي وحاجة بعض الأطباء للانتقال من القرى نحو المدن مع ما يحمله ذلك من أكلاف تنقُّل وطعام وسكن بالنسبة للبعض. علماً أن الرواتب قبل الأزمة كانت بنحو 800 دولار وتزيد سنوياً بنحو 100 دولار”.

ولأن المطالب مدروسة وتراعي الأوضاع “نقبل باستثناءات في بعض المستشفيات الحكومية الصغيرة، ويُدرَس الموضوع بحسب كل مستشفى. لكن هناك مستشفيات كبرى ومستشفيات خاصة، يسمح وضعها المالي بزيادة الرواتب، فلماذا لا تزيد؟”، يسأل زيتون.

استنسابية في التوزيع
أطباء الجامعة اللبنانية هم يد عاملة مطلوبة ومرغوبة لدى المستشفيات، وبشكل أساسي في المستشفيات الخاصة”. وهذا بابٌ يُستَخدَم أحياناً ضد الأطباء لصالح المستشفيات، تحت غطاءات سياسية وحزبية تجري تحت مظلّة الجامعة اللبنانية”. حسب ما تكشفه مصادر معنيّة بهذا الملف.

يظهر الاستغلال عبر “توزيع الأطباء والمتمرّنين على المستشفيات ذات الصلة السياسية ببعض النافذين في إدارة الجامعة اللبنانية، الذين يلبّون رغبات إدارات بعض المستشفيات بإرسال عدد كبير من الأطباء والمتمرّنين، ليوفّروا دفع رواتب مرتفعة لأطباء ومتمرّنين من جامعات خاصة، وبالتوازي، يحرمون الأطباء والمتمرّنين من رواتب عادلة، فيما لو تم إرسالهم إلى مستشفيات خاصة تدفع أكثر”. وتؤكّد المصادر أن هناك “ثلاث مستشفيات تتبع جهة سياسية من لون واحد، مسيطرة على الجامعة اللبنانية. بالإضافة إلى مستشفى خاص آخر”.
في المقابل، تقلِّل مصادر إدارية في الجامعة اللبنانية من هذا التصنيف، وتضعه في إطار “حجم كل مستشفى، وعدد الأساتذة الذين يعملون فيها كأطباء، الأمر الذي يجذب طلاّبهم إليها، فضلاً عن الاختصاصات الطبية المتوفّرة. كما أن بعض الطلاب يطلبون العمل في مستشفيات معيّنة، ويتم تلبية رغبتهم، خصوصاً إذا كانت المستشفى قريبة من مكان السكن”.
وبعيداً من هذه الجزئية، ترى المصادر أن ما يطرحه الأطباء والمتمرّنون من مبلغ مالي، هو “أقل من عادل، ويستحقون أكثر من ذلك. فمبلغ 350 دولاراً يُدفَع لسكرتيرة في بعض العيادات، وليس لطبيب”. وتلفت المصادر النظر إلى حق طلاب السنتين السادسة والسابعة بأجرة عادلة، لأنهم “يُحرَمون من الإقامة في السكن الجامعي في مجمَّع الحدث الجامعي”. ما يعني تسجيل أكلاف إضافية للسكن.
وتطالب المصادر برواتب عادلة بكل ثقة لأن الجامعة اللبنانية تستقبل طلاب الطبّ بمعدّلات مرتفعة “فأقل معدّل لطالب مقبول في كلية الطب، هو 16.33 على 20. والجامعة اللبنانية تأتي في المرتبة الثانية على مستوى لبنان بعد الجامعة الأميركية”.

رواتب مجحفة للأطباء والمتمرّنين في الجامعة اللبنانية، مقابل رواتب تتوزّع بين 300 إلى 1000 دولار لأطباء ومتمرّني الجامعات الخاصة. ومع ذلك، لا حلول مناسبة تظهر حتّى الساعة. ما يعني أن الإضراب مستمر حتى تأمين حلّ “يؤمِّن أدنى مقوّمات الحياة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة”. وفق ما جاء في بيان للأطباء والمتمرّنين، أعلنوا فيه أن “المستشفيات تعاطت مع مطالبنا بما لا يتناسب مع جدّيتها وإلحاحها”. ولذلك، لا عمل بدءاً من صباح الأربعاء 15 آذار 2023 وحتّى صدور قرار رسمي يحقّق مطالبنا ابتداءً من الشهر الحالي”.

المصدر
خضر حسان - المدن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى