تساؤلات حول البيان الثلاثي السعودي – الإيراني – الصيني
يستحق البيان السعودي – الإيراني – الصيني توصيف «المفاجأة الاستراتيجية» بكلّ المعايير، فهو أولاً ممهور بتوقيع دولتين وازنتين في الإقليم ولهما الباع الطويل ليس في التحكّم بالإستقرار الإقليمي بل بالملفات ذات الصلة بالتوازنات الدولية، لا سيما تلك المتعلّقة بأسعار الطاقة ومعها إستقرار الإقتصاد الدولي أو بأمن الممرات البحرية، وأخيراً باستدامة القوى الغربية في مواجهة روسيا. وهو ثانياً محصّن برعاية الصين القوة الإقتصادية الثانية في العالم التي فرضت نفسها قطباً على المسرح الدولي ومنافساً لآحاديّة تربّعت في سدّتها الولايات المتّحدة الأميركية منذ سقوط جدار برلين، وهو ثالثاً يأتي في توقيت حرج للغرب الأوروبي عموماً وللولايات المتّحدة خصوصاً التي تحاول عبثاً استعادة ثقة حلفائها وتغيير صورة نمطيّة من التلكؤ وإزدواجية في المعايير إعتمدتها في إدارة الصراعات في المنطقة وإطالة أمدها. وهل تلاقي المفاجأة الاستراتيجية التوصيف الذي أطلقه مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي الجنرال رحيم صفوي: «الإتّفاق بين إيران والسعودية هو زلزال في المجال السياسي».
لا بد من التوقف عند تناقض العناوين المقتضبة التي تناولها البيان الثلاثي مع النمط الذي استخدمته طهران في التعامل مع دول المنطقة وقضاياها، بل يمكن القول أنّ غرابة ما ورد في متنه من بنود متعلّقة بإحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي وتفعيل إتّفاقية التعاون الأمني في العام 2001 وإتّفاقية التعاون في مجال الإقتصاد والتجارة والإستثمار في العام 1998 يستحق التساؤل حول الإستدارة الإيرانية الطوعيّة والتراجع عن نموذج من العلاقات مع دول المنطقة، عماده خطاب مذهبي متوتر وإقتحام للحدود وتهديد للإستقرار. فهل يمكن القول أننا أمام قطع نهائي مع مرحلة سابقة بكلّ ما حملته من أشكال المواجهات وأنّ هناك مرحلة جديدة لم تتضح معالمها؟
لا شك أنّ مهلة الشهرين التي أُعطيت لاستكمال الإجراءات حول التمثيل الدبلوماسي ستكون حافلة بالعديد من التباينات في المواقف التي بدأت مقدّماتها بالظهور في تصريحات المسؤولين الإيرانيين، بما يوحي وكأن هناك خطاباً إيرانياً موجّهاً نحو الإقليم وخطاباً مختلفاً موجّهاً للغرب. وبمعنى أدق هناك استراتيجيتان متلازمتان ستعتمدهما إيران:
- الإستراتيجية الأولى، وتهدف الى طمأنة الإقليم، وقد عبّر عنها بيان صادر عن الجهاز الدبلوماسي الإيراني: «إنّ طهران على طريق إستخدام الطاقات الإقليمية وعازمة جديّاً على تحقيق وترسيخ السلام والإستقرار الشاملين وتأمين المصالح المشتركة والجماعية لحكومات وشعوب المنطقة وخططت لإتّخاذ خطوات فعالة الى الأمام». وقد تمّ تحديد مفاهيم هذه الاستراتيجية بالتطبيق العملي لعقيدة السياسة الخارجية المتوازنة والدبلوماسية الديناميكية والتفاعل الذكي في اتّجاه تجسيد سياسة الحوار واستكمال الخطوات الفعالة السابقة، بما يجعل الإتّفاق يصبّ في صالح البلدين ومنطقة غرب آسيا وليس ضد أي دولة في المنطقة.
- الإستراتيجية الثانية، وتهدف الى إعتبار الإتّفاق وكأنه استثمار في الفتور الذي يسود علاقة الولايات المتّحدة بدول الخليج وأنّ الإتّفاق هو مقدّمة لمحور جديد يتشكّل لمواجهة الولايات المتّحدة. هذا ما عبّر عنه الجنرال صفوي الذي يُعدّ من أبرز المدافعين عن استراتيجية التوجه نحو الشرق بالقول: «التوجه الى الجيران والتوجه الى الشرق سيزيدان من الثقل الجيوسياسي لإيران ويغيّران أوضاع الإيرانيين».
ويضيف:«تتطلع الصين وإيران الى إنضمام السعودية الى منظمة شنغهاي للتعاون الإقتصادي. وهذه العضويّة من شأنها أن تكون سدّاً أمام الناتو والقوة العسكرية للغرب في المستقبل». … ويجب على «إيران أن تنظر الى حالة التوتر الأميركي –الأوروبي في أوكرانيا والتوتر في تايوان بإعتبار ذلك فرصة وأن تتحرك باستراتيجية واضحة تقوم على المصالح المشتركة مع الصين وروسيا، والتهديدات المشتركة للولايات المتّحدة للدول الثلاث».
لا زال الحكم على نجاح الإتّفاق مبكراً، وفيما تتعدّد وجهات النظر حول كيفية تموّضع هذا الإتّفاق في سياق العلاقات الدولية وما هي تداعياته على موازين القوى القائمة على الصعيديْن الدولي والإقليمي، لا بدّ من الإشارة الى مجموعة من الحقائق والثوابت ذات الصلة: أولها، الدبلوماسية السعودية التي عبّرت عن نفسها في أكثر من موقف وشكّلت الأساس في التقارب السعودي – الصيني، واستندت الى رفض سياسة المحاور والإصطفافات الدولية، وإعطاء الأولوية للأمن الإقليمي وإحترام سيادة الدول وبناء الشراكات الإقتصادية في ضوء المصالح الوطنية. وثانيها، الضمانات والثوابت الصينية في ضبط سلوك إيران والتزامها الإستقرار، وهو ما عبّرت عنه القمّة الصينية – السعودية خلال شهر ديسمبر الماضي.
فهل تستطيع إيران الإنتصار على ذاتها؟ وهل تستطيع الخروج من نظرية تصدير الثورة وإحترام سيادة دول الجوار وهل تتقدّم الواقعية التي يفرضها الإستقرار على مشروع الدولة الإسلامية؟ وبمعنى آخر هل يتجرع المرشد علي خامنئي هذه المرة ترياق السلام؟