إقتصادمقالات

فواتير الكهرباء والضرائب الإضافية كأنها “خوّة”: كثيرون يزيلون العدّادات

حسَّنَت مؤسسة كهرباء لبنان ساعات التغذية، انطلاقاً من خطة الطوارىء التي أعلنتها وزارة الطاقة، وأُعطِيَت بموجبها سلفة خزينة لاستيراد الفيول وزيادة التغذية وصولاً إلى نحو 4 ساعات يومياً. واستندت الوزارة إلى تلك الزيادة لتبرير زيادة التعرفة لتأمين إيرادات إضافية، تساعد في زيادة التغذية مستقبلاً وتحسين الوضع المالي للمؤسسة. لكن مجموع الفواتير التي صُدِمَ بها المواطنون، أعادت طرح الأسئلة حول جدوى زيادة التغذية، إن كانت سترتِّب عليهم أكلافاً إضافية عن خدمة ليست موجودة فعلياً. والأصعب، أنّ البعض مجبرٌ على دفع أكلافٍ ثابتة بالدولار عن منازل شاغرة. لتتساوى حينها تلك الرسوم مع “الخوّات”، وفق توصيف المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة، غسان بيضون.

المقارنة بالمولِّدات الخاصة
لا يجادل المواطنون بضرورة رفع كلفة الكهرباء. والأصل في تبرير الزيادة، هو تقديم خدمة ملائمة، وهو ما لم يحصل. ففاتورة الكهرباء مدولرة، في حين أن الفواتير الرسمية لمؤسسات أي دولة في العالم، ترتبط بالسعر الرسمي لصرف العملة.
ثانياً، تتضمَّن فاتورة الكهرباء رسم تأهيل ثابت يُحتَسَب بقيمة دولار منصة صيرفة يوم إصدار الفاتورة. وثالثاً، تفرض الوزارة والمؤسسة رسم الضريبة على القيمة المضافة على الفاتورة، الأمر الذي ينطوي على ازدواجية ضريبية.
ولأن البوادر الأولى للتعرفة الجديدة الصادرة بفواتير جرى استيفاؤها في شهر شباط، غير مشجِّعة، بدأ المواطنون يسألون عن كيفية التخلّص من عدّادات المؤسسة والاكتفاء بالمولدات الخاصة أو الطاقة الشمسية، طالما أن فواتير المؤسسة تفرض عليهم أكلافاً إضافية تزيد عبء فواتير المولّدات الخاصة.
لا يوافق وزير الطاقة وليد فيّاض على هذه المقاربة بأن سعر الكيلوات في فواتير المؤسسة أقلّ منه في فواتير المولّدات الخاصة. كما أن مجمل المبلغ المدفوع أقل من فاتورة المولّدات، بغضّ النظر عن تفاصيل توزيع المبلغ بين رسوم ثابتة وسعر الكيلوات وغير ذلك.
وبرأي فيّاض، لا يجب الاستناد دائماً إلى أن كهرباء الدولة شبه مجانية. فمؤسسة كهرباء لبنان عليها ضمان استمراريتها لتأمين التغذية وزيادتها، ولذلك يجب رفع التعرفة التي تبقى أقل من تعرفة المولدات الخاصة.
أما عن رسم بدل التأهيل الثابت، والمدفوع عن 4 ساعات تغذية من أصل 24 ساعة يومياً، والمدفوع عن عدّادات لمنازل شاغرة، فيقترح الوزير على أصحابها، تقديم طلبات لإزالتها أو وقفها عن الخدمة.
وهنا، تشير مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، أنه يمكن للمواطنين تقديم طلب إزالة العدّاد نهائياً، أو تعليق الخدمة لمدة سنتين، يمكن استئنافها بشكل مباشر خلال هذه المدة، وفي حال عدم استئنافها، يُلغى العدّاد تلقائياً بعد سنتين. وبذلك، لا يضطر المشترك لدفع أي رسوم طالما أنه لا يستفيد من الكهرباء. علماً أن مؤسسة كهرباء قاديشا، تشهد تقديم طلباتٍ لإزالة العدّادات اعتراضاً على الرسوم المجحفة.

خوّة وزارة الطاقة
تبريرات وزير الطاقة هي حجّة ضدّ الوزارة ومؤسسة الكهرباء. فتوجُّه بعض المشتركين إلى إزالة عدّدادتهم سيُظهِر “عدم قدرة المؤسسة على تلبية تلك الطلبات. فضلاً عن التأخير في بتِّها وصولاً إلى تنفيذها، مروراً بوجوب دفع المستحقات المتراكمة قبل توقيفها”. وفق ما يقوله بيضون، الذي يلفت النظر إلى أن على الوزارة أن تعيد الأمور “إلى نصابها الصحيح”، والذي يبدأ من “احتساب بدل التأهيل ضمن التعرفة، لا استيفاءه منفصلاً. فالمبرّر القانوني لهذا البدل انتفى بعد انتهاء القرض الذي حصلت عليه مؤسسة الكهرباء لتأهيل شبكات النقل والتوزيع، فيما لا تزال المؤسسة تستوفيه، مع أنها تدفع اليوم للمتعهّدين كلفة الصيانة والتشغيل بالدولار وبتمويل من سلفة الخزينة، بمعزل عن بدل التأهيل المستوفى من المواطنين. فلماذا يُستوفى هذا الرسم؟”. بالتوازي، يستغرب بيضون فرض ضريبة الـTVA “في حين أنها لا تذهب لوزارة المالية، أي لخزينة الدولة”. ويعود ذلك بحسب بيضون إلى “استثناء أصدره المدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني بحجّة أن مؤسسة الكهرباء تدفع ضريبة TVA مرتفعة على مصاريفها، فيما إيراداتها منخفضة. فلم تعد المؤسسة تدفع الضريبة للدولة، لكنها استمرّت في استيفائها من المشتركين. فأين تذهب قيمة هذه الضريبة اليوم؟”. ويكشف بيضون عن كتابٍ وجَّهه لوزارة المالية، يؤكّد فيه عدم قانونية الإعفاء وعدم جواز استيفاء المؤسسة للضريبة من دون تحويلها للمالية، إلاّ أن الكتاب علق في الأدراج.

استمرار استيفاء الضريبة وبدل التأهيل، يضعه بيضون في إطار “الخوّة”. وفي الوقت عينه، يرفض المدير العام السابق للاستثمار، التبريرات التي تربط انخفاض تعرفة كهرباء الدولة مقارنة بتعرفة المولدات الخاصة، فالدولة بهذه الحالة “تضع نفسها بمقارنة مع المولّدات، فيما عناصر كلفة إنتاجها للكهرباء مختلفة، إذ تتوزّع على إنتاج عدد هائل من الكيلوات”. فضلاً عن ذلك، إن فواتير المؤسسة تسعَّر بدولار صيرفة مضافاً إليه 20 بالمئة، علماً أن الموافقة على خطة الطوارىء لم تحتسب هذه الزيادة.

التخبُّط في الأسعار
الإضافات التي يتحمّلها المواطن لقاء 4 ساعات كهرباء على أحسن تقدير، تجعل فاتورته أعلى من فاتورة المولّدات، “لأن قيمة دولار صيرفة زائد 20 بالمئة، ترتفع شهرياً لتوازي تقريباً دولار السوق وتزيد عنه أحياناً. ومع ذلك، لا تعيد وزارة الطاقة النظر بالتعرفة كما وعدت”.
والتخبُّط في الأسعار سيخلق تفاوتاً في الدفع بين المناطق والمشتركين، لأن “الفوترة والجباية من منطقة ما، ستكون على سعر معيَّن لصيرفة، في حين سيرتفع السعر حين يتم احتساب الفواتير لمنطقة أخرى، وعليه، سيدفع بعض المشتركين فواتيرَ أعلى من مشتركين آخرين”.

انطلاقاً من الثغرات، يخلص بيضون إلى أن “الأسس التي بنيَت عليها زيادة التعرفة، انتَفى وجودها”. ولا يستغرب بيضون ذلك، إذ يجزم بأن المقصود من كل ما يحصل “ضمان تمويل شركات مقدّمي الخدمات ومتعهّدي الصيانة وشراء قطع الغيار بالدولار على حساب المواطنين”. أما في حال العكس، “فلتُبرِز المؤسسة الأسس التي احتسبت وفقها الأكلاف”.

احتفال وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان بساعات تغذية ضئيلة وبفاتورة تبرِّر نفسها بأنها أرخص من المولّدات الخاصة، لا يلغي حقيقة أن “السلطات اللبنانية تقاعست عن ضمان الحق في الكهرباء بسبب سوء إدارتها للقطاع على مدى عقود”، وفق تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”. ولأن الدولة تحرم مواطنيها من حقٍّ إنساني، فإن تعقيدات خفض التكلفة المزعوم تتبخَّر مع استمرار الاعتماد على المولّدات في ظل غياب كهرباء الدولة. وحسب الباحثة في مجال الفقر وعدم المساواة، لينا سميث، فإن “الأسر ذات الدخل المنخفض تنفق حصة أكبر بكثير من دخلها على فواتير المولدات مقارنة بالأسر الأكثر ثراءً، مما يفرض ضغوطاً على ميزانيات الأسر ويجعلها أكثر عرضة للتخلف عن سداد النفقات الأساسية الأخرى”

المصدر
خضر حسان - المدن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى