مقالات خاصة

هكذا تَفَجَّرت زيارة الرئيس الإيراني إلى بكين في بيروت

كتب الدكتور شادي نهرا لقلم سياسي

فاجأت الصين العالم حين دعت الرئيس الإيراني لزيارتها، خاصة من بعد التوتر الذي لحق بهذه العلاقات بعد التقارب الصيني السعودي، وتناوُل الصين قضيّة الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران، وتصريح وزير الخارجية السعودي عن أن السعودية ستمتلك القنبلة النووية إذا امتلكتها إيران مُلمِّحاً إن الصين سوف تزوّد السعودية بالقنبلة النووية.
كنا قد رأينا أن هذا التقارب السعودي الصيني قد هندسته أمريكا من أجل دكّ إسفين في العلاقات الإيرانية الصينية وقلنا إن الصين تعيش مرحلة المراهقة السياسية وأنها وقعت في الفخ الأمريكي، إلا أنه على ما يبدو أن الصين تداركت خطأها وسارعت إلى تصحيح العلاقات مع إيران حتى لو أنها ستكون على حساب العلاقات مع السعودية.
يُذكر أن هذه الزيارة هي أول زيارة لرئيس إيراني للصين منذ 20 سنة، وقد تألف الوفد الإيراني إلى جانب رئيسي من محافظ البنك المركزي ووزير الزراعة ووزير التجارة والتعليم والتنمية المحلية، وقد أكدت الصين أنها سوف تشتري ١٥٬٠٠٠ طائرة مسيرة من طراز شاهد من إيران. يُذكَر أن هناك اتفاقيّة سريّة بين الصين وإيران مدتها 25 سنة، سُرِّب منها بعض البنود المتعلقة بنشر قوات صينية في إيران، وتأمين الطاقة للصين بأسعار تنافسية.

ما علاقة الأزمة اللبنانية بالتحالف الصيني الإيراني؟

منذ بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان، كثرت التحليلات التي ربطت الخنق الاقتصادي الغير مسبوق على لبنان بسلاح حزب الله، والبعض ربطه بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والبعض الآخر حَمَّل كل الأزمة للسياسيين اللبنانيين وفسادهم المجنون.
لا شك أن فساد السياسيين هو الأساس في هذا الانهيار الاقتصادي، إلا أن هؤلاء الفاسدين عاثوا فساداً في الدولة اللبنانية على مدى 30 عاماً و كان الخارج يدعمهم عبر مؤتمرات من باريس “1” إلى “2” و “3” وصولاً إلى “سيدر ، لا بل في كثير من الأوقات يقدم لهم الحماية، إلى أن وصلنا الى الانهيار الشامل متزامناً مع حصار غير مسبوق، لا بل تآمر داخلي مع الخارج منذ بداية الأزمة على عدم القيام بحلول بديهية انما القيام بخطوات في الاتجاه الخطأ عن سابق إصرار وتصميم تنفيذاً للأوامر الخارجية، كتبديد أكثر من ٢٠ مليار دولار على دعم سلع تُهَرَّب للخارج، و دعم سلع غير حيوية دون اجاد حلول جذرية للكهرباء التي تستنزف خزينة الدولة ، و ما ذلك إلا لأنهم جميعاً صناعة خارجية أمريكية أو ايرانية، و هذا الخارج قادر أن يعيدهم مع شركاتهم و ثرواتهم وسلطتهم إلى الحضيض بشطبة قلم.
فالحل البديهي منذ بداية الأزمة هو إنشاء إدارة عامة لكل مؤسسات الدولة وتحسين ادائها لرفع قيمتها ومن ثم خصخصة ١٠ أو ٢٠ بالمئة منها كحد أقصى لدفع حقوق المودعين والنهوض بالاقتصاد اللبناني وإعادة الثقة بالمصارف اللبنانية، وهذا ما تم الاتفاق عليه منذ بداية الأزمة إلا أنه ظل حبر على ورق وذلك تلبية للأوامر الخارجية.
منذ بداية الأزمة كنا قد ربطنا الخنق الاقتصادي على لبنان بالصراع الأمريكي الصيني، كما ربطنا الربيع العربي والحرب الأوكرانية ولاحقاً البلقان والقوقاز والشرق الأوسط بهذا الصراع.
فالأزمة في لبنان ليس لها علاقة لا بسلاح حزب الله ولا بالترسيم، إذ أن الترسيم قد تمّ ولم ينقذ لبنان من الخنق المُمَنهَج بالتعاون مع الداخل، فأمريكا مستعدة أن تقدم لبنان لحزب الله على طبق من فضة وحماية سلاحه شرط سحب إيران من الصين.
في بحث عميق نشرناه في سلسلة مقالات تحت عنوان هل استبدلت أمريكا السعودية بإيران، سلطنا الضوء على أهمية إيران بالنسبة للصين وبالنسبة لروسيا، ويمكن إدراك أهميتها عبر ما قاله روبيرت كابلان وهو من كبار المفكرين الأمريكيين عن أن التحالف الإيراني الصيني لا يُهْزَم !!! كما أن عقل بوتين ومستشاره ألكسندر دوغين قد أشار أنه لابد من بناء المحور الروسي الإيراني لقيام الإمبراطورية الروسية.
إلا أن أهمية إيران تكمن في أنها الوحيدة القادرة على فكّ حصار وتجفيف منابع الطاقة على الصين من قِبَل أمريكا، بسب سيطرت أمريكا على المضائق البحرية وعلى رأسها مضيق ملقا وبالتالي وحدها إيران المتربعة على ثاني أكبر احتياط غاز في العالم قادرة أن تزود الصين بالطاقة عن طريق بري عبر باكستان أو أفغانستان.
لذلك قلنا سابقاً منذ بداية الثورة، أن سيناريو قاتم جداً ينتظر اللبنانيين، وان لبنان هو من أهم الأوراق في الحرب الأمريكية الصينية، ومن يقول إلا أحد مهتم بلبنان فهو جاهل بتفاصيل هذه الحرب، إذ أن كل الدول لها موقعها المهم في هذه الحرب من سريلانكا وتنزانيا وتايلاند حيث شهدنا انقلابات سياسية في هذه البلدان نقلت السلطة من المقرّبين من بكين إلى من هم مُقرّبون من واشنطن، بسب وجودها على خط الموانئ الاستراتيجية التي تستخدمها الصين.
أما موقع لبنان في هذه الحرب فهو خطير جداً ، ورثه لبنان من أهمية إيران التي فصّلناه سابقاً، فإن أمريكا لن تهدأ قبل سحب إيران من الصين، لذلك من أجل الضغط على إيران وتطبيقاً لسياسة العصا والجزرة تدرك أمريكا أن أهم ورقة في يد إيران هي حزب الله، فهو يُعتَبَر درّة التاج الإيراني، و هو الذي سَلَّم راية فلسطين لإيران، تلك الراية التي تستخدمها إيران لترويض شعبها و ما أمكن من شعوب المنطقة في سبيل إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية و خاصة الخليج العربي أو الفارسي كما تُصرّ إيران على تسميته ، فأمريكا قادرة أن تضرب منبع مقاتلي حزب الله من خلال الخنق الاقتصادي وتجويع أهله وبيئته كما وصفه السيد نصر الله، كلما تقرّبت إيران من الصين ،كما أنها قادرة أن تُسَلّم لبنان لحزب الله على طبق من فضة وتحمي سلاحه إذا ما ابتعدت إيران عن الصين . وبالتالي سوف يدفع الشعب اللبناني كلفة هذه الحرب العالمية كما دفعت بقية الشعوب الفاتورة كُلٌ حسب موقعه وأهميته.
فإنه ليس من قبيل الصدفة أن وتيرة الانهيارات في لبنان قد تسارعت بعد زيارة الرئيس الإيراني إلى بكين بدعوة من نظيره الصيني، كما أنه ليس من قبيل الصدفة أن خطاب السيد حسن نصر الله الذى اتّصف بالحربي و الساخن و المتأزم قد أتى بعد زيارة رئيسي للصين، فقد هدّد بنقل الفوضى إلى كل المنطقة و على رأسهم إسرائيل إذا استمرت أمريكا بسياسة تجويع ناسه وأهله ،محذراً من تسويف الشركات في موضوع النفط و الغاز، فقد اتضح لدى الحزب أن المناقصات الداخلية المفتوحة لدى توتال بحثاً عن حفارة لم تستقطب العدد الكافي من الشركات، فقد شكل استمرار العقوبات الأمريكية غير المعلنة على لبنان أسباباً تدفع إلى الحذر، و أكثر من ذلك أن لدى توتال توجه لتمديد دورة المناقصات المفتوحة أشهراً إضافية بذريعة محاولات تأمين عدد كاف من الشركات للتعاقد معها لإتمام أعمال الحفر في البلوك رقم 9, و يعتقد الحزب أن الظروف الحالية التي تشكل عوائق أمام قدوم الشركات ستستمر مستقبلاً و بالتالي التذرع بصعوبة تأمين شريك ستستمر .
وهذا ما حذرنا منه عقب ملف الترسيم، أن الهدف من الخنق ليس إجبار لبنان على الترسيم انما إبعاد إيران عن الصين، وأن توتال ستجد ذرائع عدة لعدم البدء بالحفر وبالتالي إبقاء الخنق قائم وفي ازدياد كلّما تقرّبت إيران من الصين، وهذا ما لمسه الحزب ودفع السيد نصر الله إلى أطلاق خطابه المتفجر.
أضف إلى ذلك التلاعب بالدولار وافتعال أزمات قضائية مع المصارف وإعطاء المصارف ذريعة للإقفال وبالتالي تعميق وتفجير الأزمة المالية عبر إصدار أحكام قضائية اتّصفت بغير المُنصِفة، إذ أنه تم الحكم على إعادة وديعة بالدولار الكاش، أما ألدين للمصارف يُدفع باللولار. أضف إلى ذلك الدعاوى على المصارف بتهمة تبيض الأموال، وتأجيل ملف استخراج الغاز.

ما هو الحل؟

الحل للأزمة اللبنانية ليس له علاقة لا بإسرائيل ولا بالسعودية ولا بسلاح حزب الله وليس بالتقارب الإيراني السعودي، الحل الوحيد هو فك ارتباط إيران بالصين.
هكذا تتصرف أمريكا في حربها للاستمرار في قيادة العالم، ألم تُوفِد رئيس المخابرات السعودي بحسب روبرت دريفوس في كتابه “لعبة الشيطان” إلى الرئيس المصري أنور السادات قائلة له أنه إذا تم طرد الخبراء السوفييت ونقل مصر إلى الضفة الأمريكية سوف تُعِيد له سيناء؟ وهكذا تم إذ يؤكد دريفيس أن المخابرات الأمريكية كانت على علم بالهجوم المباغت على إسرائيل أكتوبر ١٩٧٣، والكل يدرك الدور الكبير الذي لعبته مصر في أغراق الاتحاد السوفياتي في الوحول الأفغانية والتي كانت السبب الرئيسي في تفكيكه.
هذه هي أمريكا لا تتورَّع عن فعل أي شيء في سبيل بقائها على رأس العالم، فهي مستعدة حتى لتوجيه بعض الصفعات لإسرائيل من أجل نقل دول مثل مصر سابقاً وإيران حالياً إلى الضفة الأمريكية، و مستعدة أن تُهْدِي لبنان و سورية و العراق لإيران لسحب إيران إلى ضفتها أو حتى إعادة الجولان إلى سورية ، إلا أن اطماع إيران كبيرة جداً وصراعها مع إسرائيل هو وسيلة ضغط على أمريكا وليس غاية، إذ أن هدف إيران العميق هو المناطق الشيعية، فقد نشر موقع إنترسبت الأمريكي خريطة قال انها تفسر الصراع ألقائم في المنطقة بين السعودية وإيران، ووفق ما تظهره الخريطة فإن جميع أنواع الوقود الأحفوري في منطقة الخليج تقع تقريباً تحت سيطرت الشيعة، ونتيجة لذلك فإن واحدة من أعمق المخاوف السعودية أن يدعو الشيعة يوماً إلى الانفصال بتلك البؤر النفطية عن السعودية والانخراط مع إيران الشيعية .فهل تُحقّق أمريكا أحلام إيران ؟

سياسة العصا والجزرة

المثير للدهشة أن أمريكا تعمل على جذب إيران بكل الوسائل، عن طريق الترغيب و الترهيب و تطبيق سياسة العصا و الجزرة، فقد صرّح كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري لإذاعة المنار أن هناك تبادل رسائل سرية مع أمريكا في ما خص الاتفاق النووي، فهل تُهدِي أمريكا إيران إتفاقاً نووياً يعيدها إلى المجتمع الدولي ويغدق عليها المليارات من اموالها المحتجزة، بعد أن توصلت إلى أسرار النووي العالي التخصيب، حيث أن مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية رصدوا داخل منشآت إيران النووية يورانيوم مخصب بنسبة ٨٤% أي أقل بقليل من المستوى المطلوب لصنع سلاح نووي بحسب وكالة بلومبرغ !
ألم تغُضّ النظر سابقاً عن النووي الباكستاني خلال الحرب الباردة رداً على المساعدات الجمّة التي قدمتها باكستان في الحرب الأفغانية الروسية؟
بالمقابل وبحسب موقع المونيتور الأمريكي: يقود المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، ومسؤولة سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون، والمدير بالإنابة لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية كريستوفر لاندبرغ مجموعات عمل مع مسؤولين وجنرالات عسكريين من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت، وسلطنة عمان.
ويشارك مسؤولون أمريكيون آخرون من مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون أيضًا في الاجتماعات التي ستركز على الخطوات التالية لإدارة بايدن تجاه إيران، وبناء دفاع إقليمي متكامل في الدفاع الجوي والصاروخي، والتعاون الأمني البحري ومكافحة الإرهاب.

العلاقات الإسرائيلية الإيرانية
بالمقابل تشهد العلاقات الإسرائيلية الإيرانية توتراً متصاعداً، فقد قامت إسرائيل بهجمات في العمق الإيراني استهدفت 7 إلى 10 مواقع عسكرية بدرونات من إقليم كردستان العراق و الأقاليم الأذرية في الشمال الإيراني المدعومة من إسرائيل وردت إيران باغتيال ضابطين اسرائيليين ، وقصفت إيران بمسيرة شاهد ناقلة نفط يملكها رجل أعمال إسرائيلي وردت إيران بضربات على سوريا استهدفت اجتماعا ضم شخصية بارزة من الحرث الثوري إلا أنه غادر الاجتماع قُبَيْل دقيقتين من القصف كما سُرِّب، كما زار نتنياهو الرئيس ماكرون طالباً منه المساعدة في ضرب ٣٠٠٠ هدف في إيران.

العلاقات الخليجية الإيرانية
أما العلاقات الإيرانية الخليجية قد شهدت تقدماً، فقد أبلغ وزير الخارجية السعودي رئيس الوزراء العراقي السوداني أن السعودية ليس لديها مانع من جولة جديدة من المفاوضات مع إيران في خلال الأسابيع المقبلة بحسب الموقع الاستخباراتي Tactical Report بالرغم من أن السعودية لم تلمس أي تقدم فعلي بعد خمس جولات من المحادثات، إذ قالوا أن الإيرانيين يبيعون الكلام فقط، إلا أن الأمور تغيرت مع دخول السعودية الى الساحة الإيرانية عن طريق تغطية قناة Iran international المظاهرات في إيران، و اهتمام إيران بإعادة السفراء لوقف الحملات الإعلانية ضدها، كما أن السعودية مهتمة بمفاوضات السلام في اليمن، كما تم رفع الحظر السعودي عن دخول السفن التجارية إلى ميناء الحديدة المفروض منذ ٢٠١٦ز
فالخليج منهمك ببناء اقتصاديات ضخمة ومدن متطورة وتطوير الصناعة والسياحة، كما تتنافس الإمارات والسعودية على جذب المقرات العامة للشركات العالمية، وتقوم الإمارات ببناء علاقات تجارية مميزة مع إيران لدرء خطرها وعدم الانخراط في صراعات تعرقل مسيرة الازدهار.
بالرغم من ذلك هَدَّد السيد حسن بتفجير المنطقة إذا ما استمرت أمريكا بتجويع ناسه وأهله، ما يُثبت أن الساحة اللبنانية غير مرتبطة بالعلاقات الإيرانية الخليجية إنما أبعد من ذلك بكثير فهي مرتبطة بالعلاقات الإيرانية الصينية.
تدرك إيران أهميتها القصوى في الصراع الأمريكي الصيني لذلك تتخذ من ورقة التقارب من الصين وسيلة لابتزاز أمريكا لمساعدتها للوصول إلى هدفها العميق أي الساحل الخليجي أو الفارسي.
المشكلة الكبرى بين أمريكا وإيران هي مشكلة ثقة وطمع إيراني، فهل يدفع هذا الطمع الإيراني أمريكا إلى هندسة حرب مسيحية-شيعية هدفها الضغط على سلاح حزب الله وليس ازالته، لأن أمريكا مستعدة أن تقدم لإيران لبنان وسورية والعراق مقابل ابتعاد إيران عن الصين.
أما لماذا الصراع المسيحي الشيعي وليس السني الشيعي؟ لأنه يمكن تسليح المسيحي بأخطر الأسلحة دون أن يتم توجيهها مستقبلاً ضد إسرائيل، أضف إلى ذلك فأن الصراع السني الشيعي سوف يُفجِّر المنطقة كاملةً.
من ناحية أخرى فإن هذا الصراع سوف يُحْرِج روسيا المدافع الأكبر عن المسيحية، ما يسبب في دكّ إسفين في التحالف الروسي الإيراني الصيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى