“الأرغيلة” وحدها تحرّك الشارع!
خانت الدولة الشعب، نعم فعلتها، جعلت منه أداة تمرّر عبره رسائلها. كانت أكثر قساوة من الدولار نفسه. حتى نفس “الأرغيلة” بات يُتعب الرأس. يهرب الناس إلى “الأرغيلة” بعدما تحوّلت مفتاح فرج الناس، ينفخون عبرها همومهم. لم يأبه أحد لارتفاع ثمن المعسّل، ما يهمّهم الهروب نحو المجهول، أصبحت “الأرغيلة” بمثابة المتنفّس لكثر، يضعونها أمام همّهم، ينفخون دخانها عليه.
صارت عصب الحياة، لا تحلو الجلسة من دونها، ولا تؤنس السهرة بلا نفس “أرغيلة”. هي أم الشرائع بحسب الشباب، وهي دستور بحدّ ذاتها. مهما ارتفع ثمن المعسّل ستبقى حاضرة، يفضّل الناس الجوع على الامتناع عن “الأرغيلة”، فهي “بتعبي الراس” كما يؤكد مدخّنوها. تسيطر على عقول الشباب، كثر يبدأون نهارهم بها ويختمونه بها، رافقتهم في طوابير الذل الطويلة، فهي تخفّف حدّة الازدحام.
يفاخر بعضهم أنّه يدخّن 5 و6 رؤوس يومياً تكلّفهم قرابة الـ500 ألف ليرة. لا يهم، المهم أن لا ينقطع المعسّل، حتى ارتفاع ثمن الفحم إلى 350 ألفاً، لن يحول دون الشعب و”الأرغيلة”. يدمنها البعض، وحدها ستحرّك الشارع، ستدفع بالشباب للانتفاضة، يفضلون “نفساً” منها على الدواء، فهي أهم برأيهم.
نعم إلى هذا الحدّ يتعلق الناس بها، لا يعنيهم ارتفاع الدولار، ولا انقطاع الدواء، حتى جوع أطفالهم لن يحرّكهم، فهم يندفعون نحوها لتخفيف آلامهم كما يقولون. يتأففون من ارتفاع ثمن كيلو اللحمة الذي تخطّى الـ800 ألف ومن ارتفاع أسعار اشتراك الإنترنت ولا يتأففون من ارتفاع ثمن المعسّل، فهو على قلبهم “مثل العسل”.
لا يخفي مسلم وهو صاحب محل لبيع الهواتف وبطاقات التشريج، أن نقمة عارمة سادت الناس على الأسعار الجديدة، ظنّ لوهلة أنّ المواطن سيتوقّف عن التشريج أو سيخفض سعة الإنترنت، غير أنه تفاجأ بردّة فعل الناس، لم يهتم أحد، بات رفع الأسعار أمراً طبيعياً، الناس تخدّروا، مردفاً “فليقطعوا المعسّل عندها سيخرب البلد”.
سجل كيلو الفحم ارتفاعاً ملحوظاً، بلغ 350 ألف ليرة، في حين يُباع المعسّل بـ2.5 دولار ومع ذلك، لم يتوقف المدخّنون عن “الأرغيلة”، ربما تخلّوا عن طلبها “ديليفري”، لأن سعرها تجاوز الـ150 ألف ليرة، بعدما كانت بـ5 آلاف ليرة.
وهو أمر يؤكده محمد صاحب محل “للأراغيل” في حبوش، بحسبه انخفض الطلب على الديليفري، إلى درجة كبيرة، بعدما كان يسلّم يومياً بين 50 و60 أرغيلة قبل الأزمة، انخفض العدد إلى 6، ما اضطره للعمل في مهنة أخرى.
في كل سهرة تجد عشرات “الأراغيل” مصطفّة جنباً إلى جنب، لا تحلو الجلسة من دونها، يستدينون لتأمينها. إبراهيم أحد العاملين باليومية، بالكاد يتقاضى 190 ألف ليرة يومياً، لا تكفي لشيء، ومع ذلك لم يتخلّ عن تدخين الأرغيلة، بل زاد من شربها إلى حدّ بات يدخّن 6 رؤوس يومياً، على قاعدة “من كتر همومو دخن غليونوه”. يتخلّى إبراهيم عن كل شيء إلا “الأرغيلة”، وبحسب قوله “أتحمّل الجوع، والفقر وربما الوجع، لكني لا أستطيع الابتعاد عن الأرغيلة فهي تمدّني بالهدوء”.
في بلد يعيش على فوهة الأزمات، وتحكمه سياسة الفساد، وتسوده لغة الصمت الشعبية، من الصعب أن تجد أحداً يعترض على شيء، وحدها “الأرغيلة” ستكون محرّك الشارع. وربما لهذا السبب، تبقي الدولة على توفير المعسّل، ليبقى الشعب صامتاً.