مقالات

ترشيح فرنجية: خوض المعركة بالنيابة عن صاحبها

في عبارة صريحة للعماد ميشال عون، عام 2015، قال: «طالما أنا موجود، فأنا مرشح لرئاسة الجمهورية». كان عون، منذ عام 1988، يعلن نفسه مرشحاً للرئاسة، وبقي كذلك عندما عاد الى بيروت عام 2005، الى أن تبنّى حزب الله ترشيحه (من دون الرئيس نبيه بري)، ثم الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. خاض عون معركة ترشّحه على مدى سنوات الفراغ الرئاسي، وقبلها منذ اتفاق الدوحة وموافقته على انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وظل يعاند ويقلب الدنيا للوصول الى قصر بعبدا. ولم يوفّر معركة سياسية إلا قام بها بعدما نال وعد حزب الله بإعلانه مرشحه الأوحد ولو لم يرضَ بري، الذي لم ينتخبه.

ما جرى في الأيام الأخيرة معاكس تماماً. لم يعلن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ترشّحه، فأعلنه بري، ودعمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، واضعَين القوى المعارضة لهذا الترشيح، بما فيها التيار الوطني الحر، أمام خيارات وأسئلة حول التوقيت ومستقبل الترشيح وموقع فرنجية في معادلة خوض معركة الرئاسة نيابة عنه.

من غير المستبعد لدى قوى سياسية أن يكون فرنجية الأكثر إحراجاً في ما حصل، إذ إنه لم يعلن ترشّحه، كما لم يعلنه حزب الله وهو الطرف الأكثر استعداداً لتحمّل مواجهة الملف الرئاسي كما حصل بعد 7 أيار ومن ثَمّ مع تسوية عون والحريري. وعدم الترشّح، حتى الآن، كان تفادياً لإعلانه مرشح المواجهة التي لن تحصل بفعل الظروف الموضوعية والقرار الدولي والإقليمي غير المتوافر، وعملانياً بفعل عدم تطابق حسابات الأصوات النيابية مع تلك المطلوبة لإيصاله الى قصر بعبدا، ما يضعه في موقف حرج إذا ما استثمر ترشيحه لتقطيع الوقت كما تتّهم قوى 8 آذار ترشيح المعارضة الحزبية للنائب ميشال معوض.

لكن الترشيح العلني أتى ليعكس تبنّي بري المزمن لفرنجية وسحب حزب الله إليه، في توقيت لا يرى فيه معارضو الحزب أنه مرتاح إليه. وهذا بغضّ النظر عن أن الحزب ناقش ترشيح فرنجية، لكنه بقي المرشح الذي ماطل في إعلان ترشيحه علناً، ليصبح فرنجية بذلك مرشح قوى 8 آذار في مواجهة المعارضة، ومرشح نصفها على الأقل، وفي مواجهة قرار التيار الوطني الحر الرافض له كلياً، ومرشح المواجهة مع القوى المسيحية التي تحاول بكركي في اللقاءات التي يقوم بها البطريرك بشارة الراعي التوصّل معها الى مرشح توافقي. كما أصبح في مواجهة قائد الجيش العماد جوزف عون الذي لم يعلن ترشّحه رسمياً كذلك، وينتظر هو الآخر من يتولّى التسويق له محلياً وخارجياً من أجل إيصاله رئيساً غير مرشّح الى الانتخابات.

وإذا كانت المواجهة قد فتحت، من دون أن يقفل حزب الله باب الحوار علناً على الأقل، فهذا يعني أن ثمّة مستويات للصراع المقبل ستكون عدّته من الآن وصاعداً في متناول الجميع. فالمعارضة المنقسمة على تبنّي مرشح واحد، باتت اليوم أمام معادلة ترشيح فرنجية. وهي لا تنتظر إعلانه رسمياً، حتى تستكشف قدرة النواب المستقلين على التعامل مع هذا الترشيح، لتنشيط الاتصالات مجدداً من أجل التوصل الى خريطة طريق لإدارة الملف الانتخابي، علماً أن نواباً من المستقلين لا يزالون على رفضهم كلياً الحوار مع القوى المعارضة الحزبية، أو حتى البحث معها عن بدائل رئاسية. ومن أدوات هذه المواجهة اعتماد طرق مختلفة عن السابق، بالنسبة الى حضور الجلسات وتأمين النصاب، وهذا في السياسة حق مشروع، في تغيّر أساليب المواجهة مع تغيّر أساليب الخصم. لكن ليس كل المعارضين على اتفاق على هذه المقاربة، وهناك أكثر من نائب في صفوف «التغييريين» في موقع الرافض كلياً لهذه الاستراتيجية، من دون استبعاد أي طروحات أخرى تتعلق بمقاربة كل ما من شأنه دفع الاستحقاق والمواجهة مع الثنائي الى الحد المطلوب.

والمعارضة أمام خيار آخر يتعلق بالمسار الذي يتخذه التيار الوطني الحر. فالتيار الذي يجد نفسه مطوّقاً بترشيح فرنجية من جهة، وموقف المعارضة الرافض حتى الآن التواصل معه، لا يزال يرى في ما تعمل عليه بكركي من محاولات حوار وسيلة للتموضع مجدداً رئاسياً خلف خيارات بديلة. وأيّ مسلك للحوار الجدي بين التيار والمعارضة، بعد ترشيح فرنجية، سيأخذ في الحسبان كل سلوكيات السنوات الست الماضية، وكذلك ما يمكن أن يتوقّعه الطرفان في إدارة الثنائي لمعركة إيصال فرنجية. فالحزب سبق أن أدار معركة إيصال عون، لكنه لم يتمكّن من إيصاله إلا بعد موافقة الطرف السنّي الأكثر تمثيلاً والقوات اللبنانية. أما اليوم، فبرّي هو الذي بدأ بإدارة المعركة، لكنه يبدأها بخسارة أطراف ثلاثة هي: التيار والقوات والقوى السنيّة التي كان يعوّل عليها، يضاف الى هؤلاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي لا يزال ملتزماً داخل الحزب والعائلة عدم انتخاب فرنجية. لكن، بقدر ما يبدو فريق الثنائي مكبّلاً، لم ينجح الطرف الآخر في أن يخطو خطوة الى الأمام، الأمر الذي سيؤدي حكماً الى معادلة توازن سلبي. هنا يمكن الانتقال الى سيناريوات عدّة بدأت تُطرح في الساعات الماضية، تتعلق بمعنى الترشيح في وقت تأكد فيه الفريقان أنهما لا يملكان الأصوات الكافية لوصول فرنجية، وأن المعارضة لن تؤمّن النصاب بعد كلام علني للقوات والكتائب، وتماهي بعض نواب التيار مع هذا الطرح. وإلى أيّ مدى هناك نيّة لاستخدام ورقة فرنجية لاستدراج عروض من الدول الخمس التي التقت في باريس، أو العكس تماماً، أي استخدامها لإطالة أمد الفراغ الرئاسي في ظل المراوحة التي تتحكّم بالوضع الداخلي والإقليمي، علماً أن معظم معارضي حزب الله ينحازون الى الرأي الثاني.

المصدر
هيام القصيفي - الاخبار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى