مقالات

لا تمديد أو تنصيب لأحد: الخارج يبدأ بفرض التغيير

لم يكن خروج اللواء عباس ابراهيم من الأمن العام بالأمر التفصيلي أو الإجرائي. لما جرى مؤشرات يراد منها فتح مسار سياسي وإداري جديد في لبنان. لا يرتبط تقاعد إبراهيم من منصبه بشخصه، لكن للخطوة هدفاً من شأنه إصابة آخرين. هناك من يريد القول في الخارج إن مسألة “التمديد” لا بد أن تصبح وراء اللبنانيين، ولا بد من الذهاب إلى مرحلة جديدة في مقاربة الملفات والاستحقاقات. ما حصل يصيب أكثر من شخصية أو هدف. وهو نتاج لأفكار خارجية هدفها التجديد في البنية السياسية وبنية الدولة العميقة. عدم التمديد لإبراهيم يصيب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بشكل مباشر، ويمكن أن يصيب قائد الجيش جوزيف عون أيضاً بالأبعاد السياسية وليس بالمعنى التفصيلي أو التقني.

مايسترو خفي
في البداية، تعثّرت محاولات التمديد لإبراهيم من خلال المجلس النيابي، بتعطيل الجلسة التشريعية. سريعاً اجتمع 46 نائباً ووقعوا على عريضة رفض عقد الجلسة، بعدها ارتفع العدد إلى حوالى 50 نائباً. وهؤلاء لم يكونوا ليجتمعوا على موقف واحد من دون تطور معين أو من دون “مايسترو” يعمل على ذلك. أضيف إلى ذلك موقف التيار الوطني الحرّ في معارضة الجلسة. وهو ما أدى إلى عدم توفير نصاب انعقادها. مثل هذه الأمور في لبنان لا تحدث بالصدفة. واجتماع 46 نائباً على عريضة واحدة يعني أن إمكانية جمعهم قائمة بمقومات خارجية لتعطيل النصاب. وهو الذي عاد وأشار إليه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بوضوح.

من أسباب منع عقد الجلسة التشريعة هو عدم استفادة أي من موظفي الفئة الأولى من التمديد، وعدم إيجاد أي مخرج أو سبيل للتمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خصوصاً أن وزير المال كان قد أدلى بتصريح حول إمكانية بدء البحث بالتمديد لسلامة في منصبه. جاءت هذه الضربة مضافة إلى التلويح بفرض عقوبات ضد حاكم المصرف المركزي لتضع الفيتو في المرتبة الأولى. فيما بعد، تعثّر التمديد لإبراهيم في الحكومة، على الرغم من مطالبة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ببت مسألة التمديد لإبراهيم. وعد ميقاتي خيراً، لكنه فيما بعد لم يتمكن من القيام بذلك، ولا يمكن لميقاتي أن يمانع من دون وجود قوة دفع خارجية.

تغريدة الأمل
الإصرار على عدم التمديد لحاكم مصرف لبنان يفترض إجراء انتخابات رئاسية قبل موعد انتهاء ولايته. حتى الآن لا يزال ذلك متعثراً بفعل التضارب بالمواقف، فحزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي يؤكدان أن مرشحهما هو سليمان فرنجية، فيما تؤكد مصادر ديبلوماسية أن السعودية تضع فيتو على فرنجية، وأسقطت كل محاولات التسويق لمعادلة فرنجية مقابل نواف سلام، على قاعدة رئيس للجمهورية يطمئن له حزب الله وبري، مقابل رئيس للحكومة يطئمن له خصومهما. وتقول المصادر الديبلوماسية إن السعودية أبلغت هذا الموقف لمن يعنيهم الأمر، وتم استحضار معادلة فرنجية سلام، ورفضها كنوع من الردّ على ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه برّي عن أن السفيرة الأميركية أبلغته بعدم ممانعة بلادها لانتخاب فرنجية. هنا جاءت تغريدة السفير السعودي وليد البخاري التي قال فيها:” تَستَهوِينِي كثِيرًا أُطرُوحَةُ الأَملِ – الَّذي لَا يمنَحُ الثِّقَةَ وَلَا يَرتَقِي إِلَى مُستَوى التَّنَبُّؤِ- لأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بِقَولِهِ: “الأَمَلُ كَالسَّرَابِ يَغُرُّ مَن رَآهُ وَيُخْلِفُ مَن رَجَاهُ..!”. وتفسير التغريدة بحسب ما تقول مصادر متابعة يعني أن: “الأمل في اللغة السياسية غير واقعي بل وهمي، لأنه يعتقد باحتمالية حدوث الشيء فحسب، وليس مبنياً على دليل يشير إلى ترجيح حدوث هذا الشيء”. وتضيف المصادر إن هذا الكلام هو ردّ على مسألة انتظار انتخاب فرنجية أو الموافقة على ذلك.

معادلة صفرية
ماذا عن قائد الجيش جوزيف عون وسط ذلك؟ فكما أن الاعتراض الخارجي والداخلي المسيحي خصوصاً على فرنجية لا يزال قائماً، هناك اعتراض داخلي على قائد الجيش، لا سيما من قبل التيار الوطني الحرّ ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يشترط تعديل الدستور، ويعتبره متعذراً. هنا قد يعيد البعض حسابات تقاطع المصالح أو تضاربها بين باسيل وبري والتي عرقلت التمديد لإبراهيم. فيما هناك من يذهب ليقترح فكرة أن فرنجية وجوزيف عون يوصلان إلى معادلة صفرية، ويفرضان الذهاب إلى البحث عن مرشح ثالث. سياسياً، ثمة من يعتبر أن قائد الجيش خضع لثلاثة اختبارات في المرحلة الفائتة، لمعرفة تصوراته والتي ارتكزت على “استعادة الصلاحية” و”وحماية حقوق المسيحيين” وأنه المنقذ ضد كل هذه الطبقة السياسية. ثلاث مرتكزات تثير مواقف سلبية من الرجل، لأن استعادة الصلاحيات يعني القفز فوق الطائف، وعبارة حقوق المسيحيين تتنافى مع التصور العام الذي تحتاجه البلاد، أما الهجوم على الطبقة السياسية والترفع من فوقها، فهو لن يدفعها إلى التسليم له أو بانتخابه.

ديبلوماسياً، لا تزال المساعي مستمرة، وسط قناعة غربية بأنه لا يمكن القيام بأي خطوة على الساحة اللبنانية من دون توفر مقومات للتوافق الإقليمي، خصوصاً بين السعودية وإيران، كما أن ديبلوماسيين غربيين يقولون إن التطابق في الرؤى كامل بين المملكة العربية السعودية وقطر حول آلية العمل على إنجاز تسوية في لبنان، لا سيما أن الدولتين وحدهما القادرتين على تحقيق الإنقاذ وتقديم المساعدات الجدية، سياسياً ومالياً أو استثمارياً. أما الرؤية الدولية الأوسع، فتتلخص بأن لبنان يحتاج إلى دخول عناصر جديدة في ميدان الحقل العام وتولي المسؤوليات وذلك لإعطاء انطباع تجديدي حقيقي قادر على وضع برنامج للإصلاح والإنقاذ. ما يعني السعي لطي حقبة التمديد السياسي لا الإداري فقط.

المصدر
منير الربيع - المدن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى