بول مرقص: قرار الدولرة ناتج عن الحالة الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد ومؤسّسة جوستيسيا تطلق مرصداً قضائياً لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن المخالفات
يبدو ان الدولة اللبنانية بمؤسساتها كافة خسرت المعركة بوجه أصحاب السوبرماركت والمطاعم والفنادق والمحال التجارية والألبسة الذين نفذوا قرار دولرة أسعار السلع والمواد الغذائية وفاتورة المطاعم فظهرت رضوخها أمام الرأي العام،وكانها عمليا تقول أن الدولار يجب ان يحلّ مكان الليرة التي هي رمزسيادة لبنان .
على مستوى السلع الغذائية، أعلن وزير الإقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام «أن تسعير السلع الإستهلاكية في السوق بالدولار الأميركي مع ترك خيار تسديد ثمنها بالليرة وبسعر السوق الموازية فمرّر بسلاسة القرار قائلاً: نحن ندرس قراراتنا قبل أن نتخذها وموضوع التسعير بالدولار درس مع إقتصاديين».
وعليه، فإن تسعير السلع بالدولار في السوبرماركت سيبدأ في الأول من آذار المقبل أي نهار الأربعاء المقبل، وعلى ذمة أصحاب السوبرماركت أن لا تبعات سيئة لهذا القرار بل على العكس فإن عرض الأسعار بالدولار سيمكن المواطنين من إجراء مقارنة بين نقاط البيع وإختيار السعر الأنسب لهم في السوق.
وفيما تتسع الفوضى الناتجة عن الإرتفاع المستمر لسعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية الذي تجاوز اﻟ81 ألف ليرة نتيجة الأوضاع المالية والسياسية التي تتفاقم يوما بعد يوم، ومن يدري إن لم تكن المحروقات والخبز على الطريق باعتماد الدولرة أي التسعير بالدولار.
فعلى مستوى الأدوية، أشار نقيب الصيادلة جو سلّوم الا أننا كصيادلة نرفض الدولرة وهمنا أن يحصل المواطن على الدواء.
على كل حال، لا شيء واضحا حتى اليوم في كيفية إحتساب الدولرة; وما يزيد الأمر تعقيدا أن كل تاجر يسعر كما يريد، فضلا عن أن المشكلة تكمن في الفوضى التي سترافق التطبيق حيث لا يوجد مراقبة، والمراقبة بحسب أوساط إقتصادية متابعة تكون بزيادة القدرة الشرائية عند الناس برفع أجورهم والدخل الأسري.
إذاً، كل شيء في لبنان اليوم يتم إحتسابه بالدولار يخيل لك أنك تعيش في الولايات المتحدة الاميركية وما ينقصنا إلا الجنسية.
ومع ذلك، لهذه الخطوة إيجابيات وسلبيات نستعرضها مع المنسق التنفيذي لمؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي بول مرقص الذي طرح بعض النقاط التي تتحدث عن مدى قانونية آلية التسعير بالدولار في حديث قائلاً: بحسب النصوص التشريعية اللبنانية المرعية الإجراء لاسيّما التي ترعى هذا الموضوع نطرح النقاط التالية :
- في الواقع أن البلاد ترزح تحت كاهل الأزمة الاقتصادية والنقدية منذ أكثر من ثلاث سنوات وتقلّبات أسعار صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية تتأرجح صعوداً ونزولاً وبالتالي يصعب على المواطن (المستهلك) ووزارة الاقتصاد ومديرية حماية المستهلك والجهات المعنية كافة مراقبة الأسعار على نحو أكثر فعالية في سبيل حماية المصلحة العامة والخاصة.
- التسعير بعملة مستقرة كالدولار الأميركي يسهل على نقاط البيع بالتجزئة تسعير بضائعها بطريقة شفافة تعكس سعرها الحقيقي بغض النظر عن تقلبات سعر الصرف ويساهم في تفعيل المنافسة، مما يساعد المستهلك على المقارنة بين الأسعار المعلنة بعملة ثابتة والتوجه إلى نقطة البيع الأقل سعراً حسب سعر الصرف المعتمد. هذا ومن المفترض أن يؤدي ذلك إلى تخفيض الأسعار تلقائياً عند انخفاض سعر الصرف واستقرار الأسعار في نقاط البيع لهذه الجهة.
- قانون حماية المستهلك (القانون رقم 659 الصادر في 4-2-2005) في المادة /5/ منه يلزم المحترف بالاعلان عن الثمن بالليرة اللبنانية بشكل ظاهر بلصقه إما على السلعة أو على الرف المعروضة عليه. هذا يعني أن نية المشرع تهدف من خلال نص هذه المادة إلى تمكين المشتري (المستهلك) من معرفة ثمن السلعة بالليرة اللبنانية وهو واقف على الرف ليتمكن من الدفع بالليرة. فقرار الوزارة في المبدأ لا يخالف هذه النية إنما يضيف عليها وجوب التسعير أيضاً بالدولار بالإضافة إلى سعر الصرف بالليرة اللبنانية ليتمكن بذلك المستهلك من معرفة سعر السلعة بالدولار وبالليرة اللبنانية.
- نص القرار على إعطاء الخيار للمستهلك للدفع بالليرة حسب سعر الصرف المعلن في المتجر أو بالدولار، وتضمين الفاتورة الضريبة على القيمة المضافة بالليرة اللبنانية وايضا تاريخ الشراء وتوقيته وسعر صرف الدولار المعتمد على نحو واضح وظاهر للمستهلك. كذلك، اعتماد الأسعار الوسطية لسعر الصرف بين الشراء والبيع على أن لا يتعدى السعر الرائج وقت الشراء من قبل المستهلك.
- جاء القرار بصيغة قرار إداري مؤقت قابل للتعديل والالغاء والتغيير لمواكبة الضرورات التي تحمي المستهلك، ما يؤكد على أنه قرار ناتج عن الحالة الإستثنائية التي تمر بها البلاد ما يضفي عليه الصفة الانتقالية – المرحلية.
وأكد مرقص ، من المؤكد أن التسعير بعملة كالدولار الأميركي في بلد يفتقد له ولوسائل الإنتاج ويعاني من شح بالعملة الأجنبية ومن أزمة اقتصادية خانقة ليس الحل القانوني ولا الاقتصادي الأنسب لحماية المستهلك ولإزدهار الإقتصاد، ولكن يمكن القول أن هذا القرار يعتبر خطوة جيدة من الوزارة في سبيل تحرير سعر الصرف وتسهيل عملية مراقبة أسعار السلع وهامش الربح، من قبل المستهلك والجهات المعنية.
تجدر الإشارة يقول مرقص : إن التسعير بالليرة اللبنانية في نقاط البيع بالتجزئة حسب سعر الصرف في السوق السوداء كان يحصل حتى قبل صدور هذا القرار، إذ أن هذا هو السعر الذي يعتمده تجار الجملة الذين يستوردون معظم السلع (كما هو معلوم) بالدولار الأميركي الفريش.
لذلك، فمن هذه الناحية لم يغير القرار الوضع، لا بل بهكذا إجراء يحاول تنظيم الامر الواقع وتفادي عدم انخفاض سعر السلع عند انخفاض سعر الصرف، أو انقطاع السلع أو تخزينها واحتكارها وبيعها بالسوق السوداء بأسعار خيالية تفوق قيمتها الحقيقية، عدا ذلك صعوبة مراقبتها، مضيفا : يحاول القرار بقدر الإمكان لجم موضوع التسعير العشوائي (الذي هو من اختصاص وزارة الاقتصاد)، إلى حين إيجاد الحلول المناسبة والجذرية لإستقرار سعر الصرف من قبل المعنيين.
أما من يحمي المواطن من فوضى التسعير؟
يؤكد مرقص : إن الأزمة أكبر من أي جهاز إداري في الدولة اللبنانية حالياً، لاسيّما في ظل ترهّل هذه الإدارات وامكاناتها، بالاضافة إلى وجع موظفيها الذي لا يخفى على أحد. لذلك، الحل بيد المواطن نفسه الذي يمكنه أن يكون الداعم الأكبر للوزارة وموظفيها ومساعدتهم على مراقبة الأسعار من خلال الإبلاغ عن المخالفات التي يراها، ان عبر الهاتف أو البريد الالكتروني للوزارة. ونشجع المجتمع المدني على انشاء تطبيق الكتروني يخصص للتبليغ عن شكاوى المستهلك ويكون مفتوح لرؤية العامة على الانترنت، ما يسهل عمل الوزراة والجهات المعنية.
في هذا الإطار، كشف مرقص أن مؤسسة جوستيسيا تعمل حالياً على اطلاق مرصد قضائي على شكل تطبيق الكتروني لتمكين المواطنين من الإبلاغ عن المخالفات التي تضر بالمصلحة العامة علي اختلاف أنواعها، وذلك على نحو سهل، سريع وشفاف، مما يمكن المواطن من انتهاز الفرصة للمشاركة مباشرةً في عملية الإصلاح.