مقالات

عن مبدأ فصل السلطات في لبنان

تنص الفقرة «ه» من الأحكام الرئيسية للدستور اللبناني على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، والمقصود: السلطة التنفيذية المناطة بمجلس الوزراء والسلطة التشريعية المناطة بمجلس النواب والسلطة القضائية التي تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام يحفظ للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة، على ما جاء في المادة 20 من الدستور ذاته.

في أخطر مرحلة يمر بها لبنان، نرى تجاوزات قضائية وسياسية تهدد مسار الانتظام العام برمته، ويتفق أساتذة الحقوق على أن مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون تجاوزت جهارا قانون أصول المحاكمات، بصرف النظر عن مبررات ملاحقاتها للمصارف، على اعتبار أنها خرجت عن الصلاحيات المكانية التي تحدد مهامها ضمن محافظة جبل لبنان، وشرعت في تعقبات هي من اختصاص مدعي عام محافظة بيروت، بينما غالبية الملاحقات التي تجريها ضد المصارف تعتبر من ضمن صلاحية المدعي العام المالي. إضافة الى ذلك، فلم يسبق في تاريخ لبنان أن أثير جدال علني حول الخلفيات السياسية والانتقامية لقاضي جزاء كما أثير حول القاضية عون.

أصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توصية لوزير الداخلية القاضي بسام مولوي للطلب الى القوى الأمنية عدم تنفيذ مذكرات القاضية عون ريثما تبث السلطات القضائية المختصة بالدعاوى المقدمة ضدها، وهي ترفض تبلغها. طلب ميقاتي يعتبر في الشكل تدخلا في شؤون السلطة القضائية، وخرقا لمبدأ فصل السلطات التي نص عليها الدستور، ولكن رئيس حكومة تصريف الأعمال وبغياب رئيس الجمهورية ملزم بالحفاظ على استقرار البلاد، وهذا الاستقرار مهدد حكما إذا ما جاء آخر الشهر والمصارف مقفلة احتجاجا على ملاحقات عون، و80% من اللبنانيين لا يمكنهم قبض رواتبهم، وعندها ستحصل فوضى لا مثيل لها، علما أن المهمة الأساسية للسلطة القضائية هي الحفاظ على الاستقرار وضمان وصول اللبنانيين الى حقوقهم. صياغة نص طلب ميقاتي الى وزير الداخلية كانت مدروسة بعناية، وهي حاذرت التدخل بشؤون القضاء، بل طلبت التمهل في تنفيذ مذكرات عون ريثما يبث القضاء في مدى قانونية إجراءاتها التي شلت عمل المصارف، ومن المعروف أن النظام الاقتصادي الحر ـ كما حال النظام اللبناني ـ لا يسير من دون البنوك، والاقتصاد النقدي لا يمكن تطبيقه على التعاملات في الأموال العمومية، لكون الأجهزة الإدارية غير مهيأة لهذه المهمة، وبالتالي فنحن أمام حالة ضرورات تلزم تجاوز المحظورات. الضجة التي أثيرت حول مذكرة ميقاتي مبررة من حيث الشكل، لكن المستغرب أن غالبية الذين لم يستسيغوها لم يحركوا ساكنا عندما حصل تدخل فاضح من السلطة التنفيذية بشؤون السلطة القضائية خلال فترة ولاية الرئيس ميشال عون الذي أوقف التشكيلات القضائية التي اقرها مع التأكيد والإصرار على مجلس القضاء الأعلى، لأن الرئيس عون كان يرفض نقل القاضية غادة عون من منصبها كمدع عام لمحافظة جبل لبنان، وهي لا تخفي انتماءها للتيار السياسي الذي يتزعمه فعليا الرئيس عون. من المؤكد أن الاختلال او التقصير في عمل الأجهزة القضائية المختصة، هما اللذان ساهما في إيصال الوضع الى هذه الفوضى. فمدعي عام التمييز لديه صلاحيات تمكنه من وضع حد للتجاوزات الشكلية المشهودة، ومجلس القضاء الأعلى يمكنه اتخاذ إجراءات لإلزام القاضية عون باحترام النظام القضائي المعمول به، لاسيما لناحية تبلغ الدفوعات ضدها، ودعوات مخاصمة الدولة من المتضررين، او احالتها الى التفتيش وكف يدها، وعندها يمكن المطالبة باحترام مبدأ فصل السلطات، وهو مطلب محق بطبيعة الحال.

هل وراء تحرك القاضية عون الأخير مشروع لإحداث فوضى يطلبها الذين يحاولون الهرب من التحقيقات الأوروبية، وسحب الملف من يد هؤلاء؟ وما علاقة الادعاء على حاكم مصرف لبنان في هذا التوقيت بالذات بهذه الأهداف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى