مقالات

مخاوف من التأثير على التحقيقات وتحريفها


من أصعب ما تفرضه علينا الحياةُ أن يتحوّل أحباؤنا إلى خبرٍ وحدثٍ، فتسيطر علينا المشاعر عندما نخسر أخاً وصديقاً وعزيزاً كما خسرنا الشيخ الشهيد أحمد شعيب الرفاعي، في جريمة كادت أن تشعل فتنة كبرى، وشكّلت سقوطاً مدوِّياً لإنسانية المنفِّذين رغم صلة الرحم المباشرة بين القتلة والضحية، وهذا يجعلنا نقف مصدومين ومصعوقين أمام قدرة رأس الفتنة المدبِّر يحيى الرفاعي على التمثيل وتقمّص دور المتضامن مع أهل الشهيد، وكان من أعجب ما شهدناه أن يكون عضواً في لجنة متابعة «الإخفاء» رغم علم الجميع بأنّه المشتبه فيه الأول.

أسئلة كثيرة وكبيرة تفرضُ نفسها، وأكثرُها صعوبة هو هل استطاع القَتَلةُ أن ينفِّذوا جريمة بهذا الاحتراف والتعقيد بدون مساندة خارجية؟ وكيف وصلت بهم الدناءة الى استغلال حرص الشهيد أحمد الرفاعي على تقديم المساعدة للمحتاجين فاستدرجوه باتصال امرأة تستغيث لتحصل على المساعدة فباغتوه واختطفوه متسلّحين بقدراتٍ لوجستية عالية سواء لجهة السيارات أو السلاح أو إتقان تجنّب الكاميرات، ثمّ كيف استطاعوا نقله من البحصاص إلى عكار بعد رمي سيارته في الهيكلية – الكورة بالتوازي مع نشر إيحاءات مناطقية وطائفية مستفزّة لعلّهم يستطيعون إشعال فتنة تغطّي على جريمتهم.

لا شكّ أنّ تأكيد مفتي عكار الشيخ زيد زكريا أنّ الجريمة ذات أبعاد عائلية وليس لها أبعاد سياسية، إنّما يهدف إلى تهدئة النفوس ومنع ردود الفعل وضبطها وقطع الطريق على إمكانية حصول ردود فعل واسعة داخل العائلة والبلدة الواحدة، لكنّ الحقيقة هي أنّ الخلافات العائلية كانت انعكاساً للخلافات السياسية وليس العكس.

وقد جاء الاغتيال ليكشف عورات الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية وخضوعها لقوى الأمر الواقع. فرئيس البلدية المجرم، كان يمارس أبشع أنواع الاضطهاد بحقّ كلّ من يعارضه، وقام على مدى السنوات الفائتة بارتكاب عشرات الجرائم التي وثّقها الشيخ الشهيد أمام المخافر والقضاء، ومنها عمليات إطلاق نار عليه وعلى شقيقه وابن عمّه وإيقاع إصابات بالغة بأخيه وإحراق سيارة الشيخ والاعتداء على المنازل، إضافة إلى اغتصاب مساحات شاسعة من مشاعات بلدة القرقف واستخدامها بشكل شخصيّ ومباشر…

لم يكتف القائمون على القانون بعدم التحرّك لِلَجم المعتدين، بل إنّهم سخَّروا بعض الأمن وبعض القضاء لإصدار مذكرات توقيف بحقّ الشيخ وإخوته، وأحدهم مقيم في تركيا وبحقه مذكرة قضائية، ورغم كلّ الاعتداءات المتراكمة لم يلجأ الشيخ الشهيد إلى العنف بل ثابر على اللجوء إلى القضاء وطلب العدالة من أجهزة الدولة.

القرقف نسخة عن التوازنات اللبنانية المفقودة

يشبه ما حدث في القرقف العكارية ميزان القوى في لبنان، فالمخالف للقانون مدجّجٌ بالسلاح، محميّ ومحصّن لا تطاله يد الدولة، والضحيةُ رافضٌ للفساد محتكِمٌ للقانون ورافض لشريعة الغاب ومتمسِّكٌ بالدولة وقواها الأمنية الشرعية.

الخلاف بين رئيس البلدية الفاسد وإمام مسجد القرقف الكبير المغدور هو خلافٌ أخلاقيّ سياسيّ فلا يمكن استبعاد الروحية الوطنية التي سعى الشيخ الشهيد إلى بثِّها في عكار مقابل محاولات بثّ الفتن، فكان من رموز الشراكة الإسلامية المسيحية ورفض سياسات التطرّف والعزل بين اللبنانيين والاقتراب والتعاون مع القوى السيادية التي خسرت باستشهاده عـَلَماً من أعلام العمل الوطني المتميِّز بالريادة والشجاعة.

مخاوف من التأثير على التحقيق

ولذا، المطلوب من وزير الداخلية بسام مولوي وهو القاضي والمؤتمن على أمن المواطنين أن يفتح هذا الملفّ حتى النهاية، وليكن دم الشهيد أحمد الرفاعي دافعاً لكسر شوكة الفساد وهو الذي يقول إنّه «رغم كلّ الظروف نستطيع أن نبادر وننجح». فالمبادرة الآن مطلوبة وكذلك مراجعة أداء القوى الأمنية ليصبح أبعد عن الشبهات من منطلق التمسّك بالدولة.

لكنّ الضغط الأكبر يجب أن ينصبّ على منع تحريف التحقيقات من خلال تمرير مخرج يعتبر أنّ يحيى الرفاعي ليس مسؤولاً عن القتل على اعتبار أنّه اعترف بأنه قال:» لقد طلبتُ منهم أن يؤدّبوه وليس أن يقتلوه»، وصولاً إلى تحميل الجريمة لواحد أو اثنين من المجرمين المشاركين فيها وتصنيفها على أنّها قتل غير قصدي، بذريعة حصول تضارب ومقاومة ونتيجة ذلك أطلقوا النار عليه ليُصار إلى إخلاء ساحة الرأس الأول، وما يعزِّز هذه المخاوف طريقة التوقيف التي حصلت ليحيى وإطلاق سراحه رغم وضوح تورطه ثم توقيفه مرة أخرى.

المصدر
أحمد الأيوبي - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى