عربي ودولي

تقرير جديد.. إلى متى تستطيع روسيا مواصلة حربها ضدّ أوكرانيا؟

عندما أمرَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشن الحرب على أوكرانيا، تصور أن القوات الروسية ستستولي على كييف في غضون أيام. ولكن بعد مرور عام، لم يقترب الجيش الروسي من تحقيق النصر المنشود، بل فقد جزءاً من الأراضي التي حاول ضمها في أيلول الماضي.

وذكر تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن خسائر روسيا في ساحة المعركة ضخمة لدرجة أن المسؤولين الغربيين يشكون في قدرتها على شن هجوم بنفس الحجم مرة أخرى. وفي غضون ذلك، أضرت العقوبات بالاقتصاد الروسي وأثرت عزلته عن سلاسل التوريد الضرورية في آلة بوتين الحربية.
 
وأضاف التقرير أنه على الرغم من الحالة المزرية للقوات الروسية والأزمة التي يواجهها الاقتصاد الروسي منذ سنوات، لم يُظهر بوتين أي مؤشر على التراجع عن أهدافه أو البحث عن مخرج من الحرب، وأصر على أن انتصار روسيا “حتمي” وأن “أهدافه ستتحقق بالكامل”.

 
مخزون الذخائر
وكشفت الصحيفة أن صناعة الدفاع الروسية تواجه معركة شاقة للتعويض عن خسائر موسكو الفادحة خلال الحرب. وبحسب وزير الدفاع البريطاني بن والاس، فقد خسرت روسيا منذ بدء الحرب ما لا يقل عن 4500 عربة مدرعة، و63 طائرة، و70 طائرة هليكوبتر، و150 طائرة مسيّرة، و12 سفينة، وأكثر من 600 نظام مدفعي.
وكانت تقديرات أوكرانيا لخسائر روسيا أعلى، بما في ذلك 6388 مركبة مدرعة، و2215 نظاماً مدفعياً، و294 طائرة، و284 طائرة هليكوبتر، و796 صاروخ كروز اعتباراً من أوائل شباط.

وعلى الرغم من أن روسيا تنشر حاليًا حوالي 1800 دبابة ولديها 5 آلاف دبابة أخرى احتياطية، فإن العديد منها تعود إلى الحقبة السوفياتية وفي حالة سيئة غالبا. وفي علامة على اليأس، تحولت روسيا إلى استخدام نظام الدفاع الجوي “إس-300” (S-300) لشن ضربات بعيدة المدى، وفق ما ذكرت “فايننشال تايمز”.
 
وعلى الخطوط الأمامية نفسها، كان الوضع صعبا بنفس القدر. وقالت الولايات المتحدة في كانون الأول الماضي إن مخزون روسيا من الذخائر يكفيها حتى مطلع عام 2023 في ظل تضاؤل مخزونات الذخيرة الصالحة للاستخدام بالكامل، مما يدفع قوات موسكو إلى استخدام الذخيرة المتدهورة.
 
وبحسب الصحيفة البريطانية، تشير الخسائر إلى الصعوبات المحتملة في استمرار الهجمات الجديدة، غير أنه يمكن لروسيا أن تجد رجاءها في بكين.

ففي نهاية الأسبوع، قالت إدارة بايدن إنها “قلقة للغاية” من أن تبدأ الصين تزويد روسيا بالأسلحة، مما يخفف بعض الضغط على مخزوناتها المستنفدة من الأسلحة.
 

وقالت “فايننشال تايمز” إنه عند فحص الأسلحة والمعدات الروسية، عثرت القوات المسلحة الأوكرانية على مكونات من أجهزة منزلية مثل الغسالات، وهو مؤشر على أن روسيا تبحث في المواد الاستهلاكية لتعويض النقص.
 
التمويل
في الشهر الماضي، أبلغ بوتين مجلس وزرائه الاقتصادي بفخر أن التنبؤات بحدوث انهيار اقتصادي روسي لم يكن لها أساس من الصحة.
 
مع هذا، فقد أشار الرئيس الروسي إلى أن “الديناميكيات الحقيقية تبيّن أنها أفضل من العديد من توقعات الخبراء”، وأضاف: “تذكروا أن بعض خبرائنا هنا في البلاد اعتقدوا أن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 10 أو 15 أو حتى 20%”.
 
وذكرت الصحيفة أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا انخفض بنسبة 2.1% فقط، حيث ساعدت أرباح النفط والغاز القياسية التي بلغت 11.6 تريليون روبل (168 مليار دولار) الكرملين على تعويض الجهود الغربية لعزل روسيا عن الأسواق العالمية وسلاسل التوريد.

لكن في كانون الثاني الماضي، انخفضت عائدات الطاقة بنسبة 46% على أساس سنوي، بينما تضخم الإنفاق العسكري، مما أدى إلى ارتفاع العجز.

وتتوقع روسيا أن ينخفض دخلها من الطاقة، الذي يمثل حوالي 40% من الإيرادات الحكومية، بنسبة 23% هذا العام.

ومع أن الصين والهند ساعدتا في تعويض الضرر عن طريق شراء كميات أكبر من النفط الروسي، فإن العقوبات الغربية بدأت في تقليص الأرباح. ومن أجل التعويض عن الزيادة في الإنفاق الدفاعي -الذي يمثل حاليا ثلث إجمالي نفقات الميزانية المعتمدة لعام 2023- يستعد الكرملين لخفض نفقاته المالية بشكل كبير والاعتماد على أسواق رأس المال الدولية.
 


وأجبرت الحرب صناع السياسة الروس على زيادة الاقتراض بشكل أساسي من البنوك المملوكة للدولة. وإلى جانب صندوق الثروة القومي الروسي والاقتراض، يمكن لروسيا اقتطاع حصة من أرباح الشركات كما فعلت من خلال فرض ضريبة على الأرباح بقيمة 20 مليار دولار على شركة غازبروم في عام 2022.
 
الجيش
وشرح تقرير “فايننشال تايمز” أنه قبل بدء الحرب، بلغ عدد قوات الجيش الروسي ما بين 740 ألفا و780 ألف فرد حسب خبير عسكري من جامعة تافتس، وهو أقل بكثير من الرقم الرسمي البالغ 1.15 مليون فرد.

وكان ما يصل إلى 168 ألف جندي فقط من القوات جاهزًا للقتال بشكل دائم في مجموعات الكتائب التكتيكية، بينما كان 100 ألف أو نحو ذلك في وحدات الاحتياطي والباقي من وحدات الدعم.

وتكبدت القوات الروسية المنتشرة في أوكرانيا خسائر فادحة في الأسابيع الأولى من الحرب. وفي 21 أيلول، أعلن بوتين عن مسودة لاستدعاء 300 ألف جندي للجبهة.

وبالنظر إلى النقص الواضح في القوى في ساحة المعركة، بدأت أوكرانيا الاستعداد لهجمات مضادة من شأنها تحرير مساحات من الأراضي التي احتلتها روسيا قبل بضعة أشهر فقط.

ويقدر الخبير الديمغرافي دميتري زاكوتيانسكي أن الجيش الروسي يمكنه نظريا تجنيد ما يصل إلى مليون رجل إضافي، على الرغم من أن ذلك “سيتطلب الكثير من الضغوط المالية والسياسية أيضا، وسيأتي على حساب تحول آخر في الرأي العام”.
 
ولكن -حسب فايننشال تايمز- هناك الكثير من القيود الأخرى التي تقف في وجه بوتين بدءاً من قدرة الجيش على إيواء القوات الجديدة وتجهيزها وتدريبها ودفع رواتبها، وصولا إلى مدى استعداد

الكرملين لإخراج هؤلاء من الحياة الاقتصادية وإثارة موجات جديدة من الذعر والهجرة الجماعية.
 
الرأي العام
وقالت “فايننشال تايمز” إن ضعف الحماس الشعبي بشأن تطورات الحرب يشير إلى أن المجتمع الروسي لا يزال يعاني من القلق. وبرغم سحق كل معارضة داخلية لبوتين وللحرب على أوكرانيا، فإن صعوبة تجسيد مظاهر الدعم للنظام هي قضية سيدفع ثمنها الكرملين قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، حيث من المتوقع أن يترشح بوتين لولاية جديدة.

وبينما يقول بوتين إن “العملية العسكرية في أوكرانيا” تحظى بتأييد ساحق، يؤكد محللون أن الحملة الروسية غير المسبوقة على المعارضة جعل معرفة حجم الدعم الحقيقي للرأي العام أمرا صعبا. وكان بوتين قد وقع قانوناً جديداً ينص على أحكام بالسجن تصل إلى 15 عامًا بتهمة “تشويه سمعة القوات المسلحة” لمن يصف الصراع بأنه “حرب”، بحسب الفايننشال تايمز.

وتقول الصحيفة إن الرقابة الحكومية دمرت بشكل كبير استقلالية وسائل الإعلام الروسية، وقضت على جميع الأنشطة المناهضة للحرب، وهذا يعني أن التأييد للحرب الذي ظهر في استطلاعات الرأي لا يكشف كافة جوانب الحقيقة.

المصدر
الجزيرة نت

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى