مقالات

“الصيّاد” يصلح اللمبات تحت جنح الظلام

«السكافي حافي»، و»باب النجّار مخلوع» و»الحايِك عريان» و»السقّى عطشان»، أمثال شعبية تنطبق من حيث المظهر على «الكهربجي» غسان محمد الصيّاد الذي يمارس المهنة منذ ربع قرن، وقد استقرّت الحال به في محل ضيق ومظلم معاً في حيّ «المسالخية»، أحد أحياء صيدا القديمة، ليواصل عمله بحثاً عن رزقه وقوت يومه ولكن بطريقة مختلفة.

لكنّ هذه الأمثال الشعبية التي تُقال بسخرية للحرفيين من بعض الناس غير القادرين على القيام بشيء معين لأنفسهم، ولكنّهم يعملون مثله ويتقنونه لغيرهم، تختلف تماماً عن جوهر «الكهربجي» الصيّاد، إذ أنّ الكهرباء مقطوعة عنده نتيجة انقطاع تيار مؤسسة الكهرباء من جهة، وقراره قطع اشتراك المولد لإرتفاع رسومه وبالدولار الأميركي من جهة أخرى «لا قدرة لي على تسديده، ولو بقيت أعمل طوال الشهر ليل نهار لما استطعت جمع تكاليفه»، قبل أن يتساءل بمرارة «كيف أعيش إذاً، وآكل وأشرب وأؤمن قوت عائلتي؟» مشيراً إلى أنّ «المدينة تئنّ من وطأة انقطاع شبه تام للتغذية بالتيار الكهربائي ما يجبر المواطنين على الاشتراك بالمولّد الخاص أو اضاءة لمبات على البطاريات».

وحكاية «الكهربجي» الصيّاد لا تتوقّف عند عدم اشتراكه بالمولّد، بل بحرصه على العمل على ضوء اللمبات – البطارية ذات الشحن الكهربائي، وتلك التي يقوم بإصلاحها وبأسعار زهيدة جداً يصفها بأنها «ملاليم» لا تغني ولا تسمن من جوع، «فقد قرّرت ذلك بقناعة ورضى بسبب ظروف الناس المأسوية». ويقول وهو يفحص لمبة على ضوء البطارية وكأنّه يبحث عن إبرة في كومة قش: «مع طول أمد الأزمة المعيشية وتسعير كلّ شيء بالدولار وقبل أن يحلق سعر صرفه الجنوني، لم يعد بمقدور الناس شراء اللمبات لأنّها غالية وسرعان ما تتعطّل جرّاء تلاعب التيار الكهربائي فكيف الحال اليوم، فقرّرت الدخول في مجال تصليح اللمبات حتى يتمكّن الناس من توفير المال واعادة النور الى البيت مجدّداً من دون كلفة مرتفعة».

ويضيف «قد يتفاجأ كثر بأنّ اصلاح اللمبة لا يكلف سوى خمسة أو عشرة الآف، وأحياناً لا أتقاضى اي فلس، اذا كان وضع الزبون المالي تعيساً، أقدّم هذه الخدمة مجّاناً يكفي الدعاء لي، إنّه ثروة، وانا لا أريد الصيت والشهرة، ولو أردت لرفعت الأسعار وجنيت الكثير من الأموال واستطعت الاشتراك بالمولد وإضاءة لمبة».

وقناعة «الكهربجي» الصيّاد جعلت الزبائن يقصدونه من كلّ حدب وصوب، ليس من صيدا القديمة فقط، ولا المدينة وإنما من مختلف مناطق الجنوب واقليم الخروب وحتى بيروت، والأهم أنهم يطلبون اصلاحها من دون سؤال عن الكلفة كما يفعلون في غيرها من الاشياء، يسألون عن الكلفة ويقرّرون بعدها، هنا يضعون ما يريدون إصلاحه ويسألون فقط عن موعد العودة لاستلامه، لأنّهم يدركون جيداً أنّ الأسعار زهيدة ولا تذكر قياساً على المحال الأخرى.

وإلى جانب إصلاح اللمبات، يصلح «الكهربجي» الصيّاد الدفّايات والمراوح وغيرها من الأدوات الكهربائية. ولكنه يقول «في المقام الأول، يتعلّق عملي باللمبات، على أساس أنّها خدمة للمواطن المحتاج والذي لا يستطيع شراء لمبة جديدة، هذه حياتي وأنا راضٍ، وأسعى لإرضاء زبائني الذين يأتون إليّ ويخرجون راضين، وهناك ثقة في عملي من قبل زبائني».

المصدر
محمد دهشة- نداء الوطن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى