محلي

أزمات تولّد أزمات والحلّ واحد.. فما الذي يعيق تطبيقه؟!

لا تنتهي الأزمات في لبنان هذه الأيام، وكأنّ “قدر” هذا البلد أن ينتقل من أزمة إلى أخرى، “قدر” يعتقد كثيرون أنّه ليس بجديد، فجذور “المرحلة الاستثنائية” التي يعيشها الوطن تعود إلى سنواتٍ طويلة، وربما عقود، ولكنّ الأكيد أنّه وصل إلى “ذروته” في السنوات القليلة الماضية، وتحديدًا مع بدء مرحلة “الانهيار الشامل” عقب حراك السابع عشر من تشرين الأول 2019، ليأتي “الفراغ الرئاسي” ليعمّقه أكثر وأكثر.

تتداخل هذه الأزمات وتتقاطع، بين الشقّ السياسي “الطاغي”، باعتبار أنّها بمجملها نتيجة “تراكمات” تتحمّلها الطبقة السياسية مجتمعةً، التي كرّست أعرافًا غير مألوفة، كأن يصبح الفراغ في كرسيّ الرئاسة، أمرًا بديهيًا مع انتهاء كلّ “عهد”، إلى الشق الاقتصادي “المهيمن”، في ضوء أزمة “الدولار” غير المسبوقة، التي جعلت العملة الوطنية تخسر أكثر من 95 في المئة من قيمتها، بل تصبح برأي البعض، “بلا قيمة” بالمُطلَق.

وعن هذه الأزمات المستفحلة، “تتفرّع” أزمات أخرى، على المستويين السياسي والاقتصادي أيضًا، فـ”التطبيع مع الفراغ” مرفوض، ما يتطلّب “شلّ” سائر المؤسسات، كالبرلمان والحكومة، رغم فصل السلطات، فيصبح مصير “استحقاقات” أخرى يفترض أنّها بديهيّة هي الأخرى، غامضًا ومجهولاً، ليكون “الثابت” الوحيد أنّ الدولار وحده من “يتحرّك” في البلاد، وبوتيرة “جنونية”، قد تكون طبيعيّة في ظلّ جو عدم الأمان وغياب الاستقرار.

من الحكومة إلى البرلمان
لا تُحصى الأزمات إذًا، وهي بمجملها تنتج عن “ثابتتين” أصبحتا بمثابة “أمر واقع”، وهما الفراغ الرئاسي وارتفاع سعر الصرف، أمران أرخيا بثقلهما على الحكومة، التي أضحت اجتماعاتها، على قلّتها وبديهيّتها، في ظلّ الواقع المتردّي على كلّ المستويات، مثار جدل ومحور أخذ وردّ، في كلّ مرة يدعو رئيسها إلى التئامها، نتيجة إصرار أفرقاء، كـ”التيار الوطني الحر”، على “استحالة” انعقادها، إلا بحال حصول “كارثة”، رغم أنّ ما يشهده البلد يرقى لمستوى “الكارثة”، إلا إذا كان تحرّك الدولة مرهون فقط بزلزال مدمّر كالذي ضرب تركيا وسوريا.

وإذا كانت الحكومة نجحت في “تجاوز” المحنة، بالحدّ الأدنى، فضمنت قدرتها على الانعقاد، يبدو أنّ مجلس النواب لا يزال “يصارع” في هذا السبيل، فصفحة الجلسة التشريعية تكاد تُطوى، بعدما اصطدمت بواقع دستوريّ يتمسّك به البعض، قوامه أنّ البرلمان أضحى “هيئة ناخبة” ولا يجوز أن يشرّع قبل أن ينتخب رئيسًا للجمهورية، ولو أنّ المنظّرين لهذا الرأي لا يبذلون أيّ جهد لإنجاز “الواجب الأول” بنظرهم، أي انتخاب رئيس الجمهورية.

وبين هذا وذاك، أضحت استحقاقات كبرى في مهبّ الريح، إن لم ينجح المعنيّون بـ”اجتراح الحلول” لها، من تحت الطاولة، وربما خارج الصندوق، ومنها على سبيل المثال، التمديد للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي كان ينبغي أن يكون البند الرقم واحد على “أجندة” الجلسة التشريعية، ولكن أيضًا الانتخابات البلدية، التي تتطلب مختلف “سيناريوهاتها”، سواء حصلت أم لم تحصل، اجتماع مجلس النواب، يبدو متعذّرًا حتى إشعار آخر.

ما العمل؟!
إزاء ما تقدّم، يصحّ السؤال: “ما العمل؟!”، لكنّ السؤال يصبح سطحيًا، عندما يُعرَف أنّ خارطة طريق الحلّ واضحة، ولا تحتمل اللبس، وعنوانها انتخاب رئيس للجمهورية قبل أيّ شيء آخر، واليوم قبل الغد، وهو ما أكّد عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حديثه التلفزيوني الأخير، باعتبار أنّ مثل هذا الانتخاب “سيحرّر” الأجواء على كلّ الأصعدة، سياسيًا واقتصاديًا، علمًا أنّه وحده قادر على تخفيض الدولار عشرات آلاف الليرات دفعة واحدة.

ويؤكد العارفون أنّ أهمية انتخاب الرئيس اليوم قبل الغد، أنه سينهي كلّ “الجدل البيزنطي” القائم في البلاد حول “جواز” اجتماع الحكومة والبرلمان، أو مدى “التطبيع” مع الفراغ وغير ذلك، وبالتالي “سيحرّر” الجميع من نقاش مُضنٍ ولا أمل فيه، وسيعيد كلّ الاستحقاقات إلى “نصابها الدستوري” البديهي، فتشكّل حكومة وفق الأصول، ويلتئم البرلمان بالحدّ الأدنى، وتُصرَف الاعتمادات، وتجرى الانتخابات البلدية في موعدها، ومن دون أيّ عراقيل.

صحيح أنّ انتخاب الرئيس لن يكون “الحلّ الكامل” للأزمات بالمُطلَق، إذ من البساطة، أو ربما السطحية، بمكان الاعتقاد إنّه بمجرد انتخاب رئيس، أيّ رئيس، ستزول “الغيمة السوداء” عن البلاد، وسيعود كلّ شيء إلى صراطه المستقيم، لكنّ الأكيد أنّه يبقى “الخطوة الأولى” في مسار قد يكون طويلاً ومعقّدًا، وربما من “ألف ميل”، لكنّها خطوة إلزامية، لا بدّ منها ولا غنى عنها، والأكيد أنّ انعكاساتها ستكون إيجابية في المدى القصير، ولو بالحدّ الأدنى.

يعرف الجميع أنّ انتخاب الرئيس هو المَدخَل لكلّ الحلول، والحوار البنّاء والصريح هو الشرط الطبيعي لتحقيقه، لكنّهم يصرّون على وضع “العوائق”، أو بكلّ بساطة “المماطلة”، اعتقادًا منهم أنّ الظروف ستميل لصالحهم في وقت لاحق، والأنكى أنّ هؤلاء أنفسهم هم من “يشلّون” البلد بانتظار انتخاب يبدو “أسير” أهوائهم وتجاذباتهم. فهل يفرج هؤلاء أخيرًا عن الانتخاب، لتأخذ الأمور مسارها الطبيعي، أم أنّ رحلة الانتظار، وربما الرهان، تبقى أطول؟!

المصدر
لبنان24

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى