الأمن مهتزّ… لكنّ المحظور ممنوع!
تكثر التحذيرات الأمنية بعد كل هزّة إقتصادية ومالية، فتوسّع دائرة الإنهيار وتمدّدها يجعلان الناس مهيّئين لأي تحرّك ويُسرّعان وتيرة الدخول في الفوضى. وإذا كانت الإجتماعات الوزارية في السراي الحكومي برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تُركّز على محاولة إيجاد حلّ للمشاكل الإقتصادية، يحضر طيف الوضع الأمني بقوّة مع علم المسؤولين أنّ الفوضى الإقتصادية تولّد فوضى إجتماعية وأمنية.
والخطير في كلّ ما يحصل هو غياب رأس الدولة ووجود حكومة تصريف أعمال لا حكومة فعليّة، لذلك يُعتبر كلّ مسؤول سواء أكان أمنياً أم سياسياً بمثابة الحاكم على مؤسّسته، وهذا الأمر يُصعّب المهمة أكثر. وعلى سبيل المثال، ترد تقارير المؤسسات الأمنية وعلى رأسها مخابرات الجيش وشعبة المعلومات لتؤكّد متانة الأمن القومي بينما يبقى الأمن الإجتماعي مُهدّداً في كلّ لحظة.
والمقصود هنا بالأمن القومي هو المخاوف من القيام بأعمال أمنية كبيرة، وفي السياق تشرح مصادر أمنية درجة الحذر، فتقول إنّه بعد الضربات التي تلقّتها «داعش» وأخواتها في سوريا والعراق وتحرّكها، إتّخذت القوى الأمنية أقصى درجات الجهوزية وسط الخوف من استيقاظ الخلايا النائمة، لذلك كثّفت القوى العسكرية إجراءاتها.
وتلفت المصادر إلى أنّ هذه الإجراءات لا تظهر للعيان أو تكون على شكل حواجز يراها الناس، بل الأساس هو تكثيف النشاط الإستخباراتي وهذا الأمر إما يُعلن أو لا يعلن عنه.
لكنّ المصادر تُطمئن إلى أنّ الوضع من ناحية نشاط الجماعات الإرهابية مضبوط، والدليل غياب أيّ عمل تخريبي كبير منذ انتهاء معركة «فجر الجرود» في أيلول 2017، كما أنّ الأجهزة الأمنية تقوم بالتنسيق مع أجهزة مخابرات خارجية من أجل رصد نشاطات الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وقد حقّقت الأجهزة الأمنية نجاحاً كبيراً في ضرب تلك الشبكات.
ومن ناحية الأمن الإجتماعي، فهذا الملفّ يُربك الأجهزة لأنّ الإحتكاك هو مع الناس مباشرة والعناصر الأمنية هي جزء من هذا الشعب الذي يُعاني. وفي السياق، تكشف الأجهزة عدم دخول كلّ من يتحرّك على الأرض في إطار التحرّك العفوي، بل بيّنت التحقيقات الأخيرة وجود ثلاث فئات من المحتجّين: الفئة الأولى هي بالفعل موجوعة لم تعد قادرة على تحمّل الأزمات والوضع الإقتصادي، وهذه الفئة التي تتحرّك تتكوّن بأغلبيتها من المودعين الذين خسروا أموالهم في المصارف، ويلجأ قسم منهم إلى اقتحام المصارف، وهذه الإقتحامات ترتّب على الأجهزة الأمنية تعاملاً من نوع آخر. وتلفت المصادر الأمنية إلى وجود فرق شاسع بين السارق الذي يقتحم المصرف وبين المودع، فالسارق يُصنّف على أنه معتدٍ ويتمّ التعامل معه بطريقة أمنية، بينما المودع فهو صاحب حقّ وليس عدوّاً أو مجرماً لذلك تتعامل الأجهزة مع هذا الملفّ بحذر شديد وبحكمة.
أمّا الفئة الثانية فتأتي تحت ستار المشاغبين أو محبي إثارة الشغب، وهؤلاء يستغلّون أي حدث للتحرّك سواء أكان سياسياً أم إقتصادياً أم حتى رياضياً، وهؤلاء لا يشكّلون خطراً على الأمن لأن الأجهزة باتت على دراية كيف تتعامل معهم خصوصاً أنهم ليسوا مودعين.
لكن ما يثير مخاوف الأجهزة هو وجود فئة ثالثة تتحرّك لأجندات سياسية وأمنية لا تمتّ إلى ألم الناس بصلة، وكذلك هناك طابور خامس يهدف إلى إثارة الشغب والفوضى، وهؤلاء هم الخطرون لأنهم يستغلّون معاناة الناس ويُصوّبون في المكان الخطأ.
ووسط كل ما يجري تؤكد الأجهزة وعلى رأسها الجيش على الثوابت التي تسير عليها منذ بداية الإحتجاجات، وهذه الثوابت هي حفظ حرية الناس وحقّهم بالتظاهر السلمي والإعتراض وفق القوانين، وحماية الأملاك الخاصة والعامة، وعدم تحوّل الجيش إلى أداة للقمع أو استعماله لأدوات سياسية، فالجيش اللبناني ليس جيش نظام أو شخص بل مؤسّسة لجميع أطياف الشعب، وبالتالي تبقى الفوضى ممنوعة في أجندة الأجهزة العسكرية، وما يُطمئن هو بقاء الجيش موحّداً وعلى جهوزية عالية، وكذلك بقاء بقية الأجهزة متماسكة وسط تحلّل كل مؤسسات الدولة