مقالات خاصة

محمد الأمين : الدولة مخطوفة.. فكيف ؟ ولماذا ؟

كتب محمد الأمين لقلم سياسي:

‎تتشارك الأغلبية اللبنانية الساحقة في أن الدولة مخطوفة والسيادة محتجزة والمؤسسات مطواعة بيد قوى السلاح،وأن أحد أقدم الرهائن عند الثنائي المسلح هي الطائفة الشيعية واتسعت مساحة السجن الى كل لبنان بحيث اصبحت كل اجزاء الوطن تحت هيمنة محسوسة أو معنوية، والسؤال الذي يطرح نفسه كيف حصل هذا التمدد؟ولماذا؟
‎والإجابة عليه فيه إدانة للقوى السياسية التي تشاركت مع قوى السلاح ولهذا أصبحت واقعاً مُشرعناً تماشت معه في فرض نفوذها وهيمنتها وتجاهلت كل معايير بناء الدولة من خلال عدم كف يد هذه القوى عن العبث بالسيادة والنظام ومصالح الوطن وتشاركت معها في مجلس الوزراء الذي شرعن لها سلاحها من خلال الثلاثية (جيش شعب مقاومه)ومن خلال اتفاقات وانتخابات تشاركوا فيها،وقد كان اتفاق الدوحة محطة محطات التحاصص التي ما زال لبنان يعاني منها.
‎وبعد كل هذا التجذر من قوى السلاح في رأس الدولة”أو رؤوسها”ومفاصلها تأتي دعوة البعض إلى إنشاء مناطق حرة خارج الهيمنة المسلحة المباشرة للثنائي المسلح،وقد يكون المطالبون بها يحاولون الخروج من أزمة تصيب كل لبنان ويشعر بها كل لبناني وبالخصوص سكان المناطق التي تهيمن عليها قوى السلاح بشكل مباشر،وهم الأكثر تضررًا في أعمالهم وحريتهم وعلاقاتهم وكيفية عيشهم،وهم في أكثريتهم إن لم يكونوا كلهم مثل باقي اللبنانيين يطالبون بالدولة ويرفضون أي سلطة خارج سلطتها.وإن إخراجهم من دائرة القمع والترهيب لا يمكن أن يكون إلا من خلال تضامن كل الرافضين للسلاح خارج الدولة وتعاونهم لتحرير لبنان من هذه الهيمنة.وتأتي الدعوة إلى إنشاء مناطق حرة لتزيدهم شعوراً بأن هناك من سيتركهم لمصيرهم البائس، وتلك المناطق الحرة لن تنعم بالاستقرار لأنها مهددة في كل آن من تلك القوى المستقوية بالسلاح،وبكل بساطة لأن الدولة المركزية ليس لها القدرة على بسط سلطتها الكاملة على تلك المناطق التي تهيمن عليها تلك القوى،وبالتالي ليس لها القدرة على حماية المناطق الحرة،ولا على حماية مواطنيها من التعديات،وهذا يعني أن كل المناطق في ظل غياب الدولة وضعفها تحت الخطر .. يقدم حزب الله على حرب لأنه يصادر قرار السلم والحرب،يشارك في حروب خارج البلد لأن ايران طلبت منه ذلك،ينشئ سرايا له في مناطق مختلفة،يرسم الثنائي المسلح اجتياحاً جديداً لبيروت، يعطل الحزبان مجلس الوزراء، يغلق رئيس مجلس النواب المجلس،حدود مشرعة للأنشطة العسكرية غير الشرعية،كل هذا وغيره ماذا يفعل اللبنانيون أمامها ؟
‎ولعل الدعوة إلى مناطق حرة أمر تسفيد منه قوى السلاح لأنها تساهم في اصابة طموح اللبنانين بمطالبتهم وسعيهم لدولة لا شريك لها في الحكم والقرار .
‎ما يتطلع اليه اللبنانيون هو دولة قوية هي المرجع الوحيد من دون وسيط ووكالة حزبية وزعامة طائفية،والإجتماع الوطني على دولة المؤسسات والقانون-وليس التفريق المناطقي- هو الذي يمنع تلك القوى من المضي في الإستقواء على المناطق وعلى الدولة.إن المشكلة ليست في أماكن وجود العقارات ومراكز الرئاسات والوزارات و…وإنما هي فيمن يتحكم بتلك الإدارات والمؤسسات ويدير سياستها،وليست في طائفة المسؤول بل في سلوكياته التي تقدم مصالح حزبه وجماعته وارتباطه الخارجي على مصلحة الوطن، فلا ضرر عند قوى السلاح من شرط وجود مناطق حرة تتمتع بنحو من الإستقلالية الإدارية في ظل هيمنتها على مؤسسات الدولة المركزية للدولة،فإن ذلك يعطيها السيطرة الكاملة على مناطقها ولا يمنعها ضعف الدولة المركزية من التمدد إلى المنطقة الحرة تنفيذاً لارتباطاتها الخارجية.وهذا يعني أن اللامركزية لا تنفع مع عدم وجود الدولة المركزية التي تبسط سلطتها على كامل أرض الوطن.
‎ولا تنفع المنطقة الحرة في حياد لبنان عن الصراعات ما دامت إدارات الدولة المركزية ومؤسساتها تحت الهيمنة غير الشرعية للسلاح غير الشرعي،وإن الحياد المطلوب هو لكل لبنان،ولا يتحقق بجزء منه،بل بالكل الذي تكون الدولة فيه مرجعية وحيدة للجميع.
‎إن الميليشيات المسلحة هي نقيض لمبدأ قيام الدولة، والدولة الحالية ضعيفة الى حد أن هذه الدويلة التي اسستها الميليشيات تلبست فيها وتحولت الى سلطة قوية بحيث تمنع على الدولة القيام بتحقيق باغتيال وتدقيق في جريمة واستدعاء لموظف حزبي أو لمسؤول في منظومتها الحزبية أو لنقل موظف من مركز إلى آخر،وتمنعها من إصدار قرار في جريمة تفجير ومن فتح ملف وإغلاق آخر كما تريد.
‎فكيف ستحمي هذه الدولة مناطق حرة من سطوتها الامنية والعسكرية وغيرها،وهي التي لا قدرة لها على اعتقال فردٍ من جحافل الدراجات الحزبية التي تعتدي على الآمنين.
‎ولا تجرؤ على معاقبة من يستولي على “أرض الجيران”.
‎وليس سراً أن الانهيارات المالية والاقتصادية والصورة القاتمة في هذا الشأن هي في توسع بسب التفرد الذي عزل لبنان ووضعه في الاهداف الايرانية لاستثماره لصالحه، وهذه الانهيارات لا تقتصر على منطقة تواجد الميليشات العسكري بل انها تشمل كل لبنان والخلاص منها يكون باستمرار الإنتفاضة العابرة للمناطق والطوائف وتعاون المؤمنين بلبنان الوطن والدولة السيدة الوحيدة على أرضها وشعبها.
‎علينا مواصلة العمل،من أجل أن نوقف جنونهم وجنوحهم نحو الفوضى والتهديد والوعيد والاستئثار والحروب والنزاعات،ومن أجل استعادة الدور الريادي للبنان في المنطقة والعالم، وقد تكون في الدعوة إلى مؤتمر دولي لإخراج لبنان من أزماته خطوة هامة لإسماع أصوات اللبنانيين للمجتمع الدولي التي تؤكد على أولوية واحدة هي استرجاع سيادة الدولة وبسط سلطتها الوحيدة على كل أرضها وشعبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى