مقالات

لماذا تغضبون من الحقيقة؟

لا غرابة في أن تثور ثائرة من نشير إليهم بالبَنان والأسماء لأدوارهم المتكاملة في عرقلة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتضييع فرصة لبنان للخروج من الحفرة خدمة لمصالح المنظومة الفاسدة.

ولأن الخناق ضاق على هؤلاء، وألاعيبهم معروفة، وأدواتهم الإعلامية مكشوفة أمام سائر اللبنانيين، تراهم يَرمون من يدافع عن حقوق الناس بتهمة الكذب أو جهل الخبايا أو قلة العلم بـ”المصلحة الوطنية العليا”. وهي اتهامات لن تفتَّ من عزيمتنا أو تضعف تصميمنا على فضح من تسببوا بالانهيار المالي ودمَّروا مؤسسات الدولة ورهنوا سيادتها للخارج ويحُولون اليوم دون قارب نجاة، الَّلهُمَّ الا إذا سُخِّر لانتشال أصحاب الملايين والمليارات والفاسدين تاركاً عموم المواطنين على قارعة بنود الاتفاق.

يُزعج أهل السلطة أن نُدقق مع المصادر ذات الصلة الفعلية، وأن لا “نقبض” ما يروجونه مع أبواقهم في وسائل الإعلام. ويغيظهم أننا “ندينُهم من أفواههم” ونوثِّق ما نكتبه بموضوعية. الغموض والإبهام طريق هؤلاء الى تمرير مصالح المنظومة، إما باللعب المميت على الوقت، أو باقتناص الفرصة لتوجيه ضربة قاضية الى حقوق الناس و”أصول الدولة”.

إنهم يكذبون. نظرية “الودائع المقدسة” أكبر عملية تضليل في تاريخ الأزمة المستمرة منذ ثلاث سنوات. يعلمون أن الأموال “طارت” وأن البنوك فارغة بعدما أخرج أصحابها والنافذون فيها أموالهم. وبدل أن يبدأ توافقهم مع صندوق النقد بإقرار مبدأ محاسبة المرتكبين وإرغامهم على إعادة الأموال المهربة والتحويلات الاستنسابية تراهم يحورون ويدورون لطرح “أصول الدولة” فريسة أمام الذئاب أنفسهم أو أشباههم.

دعونا نسأل سؤالاً ساذجاً. ما دمتم يا أيها الممسكون بالقرار، مجلس نواب وحكومة ومافيا، تعلنون حرصكم على الاتفاق مع صندوق النقد، فلماذا تناورون منذ ثلاث سنوات ثم ترسلون من يطلب تغيير الاتفاق الأولي الذي حصل في نيسان الماضي؟ أنتم السلطة وخلافاتكم ظاهرة للعيان، ليس على ما هو الأفضل لصغار المودعين وأكثرية الناس ومليون و200 ألف حساب، بل على طرق ضمان مصلحة 11 ألف حساب فقط تحتوي 34 مليار دولار، اي ما يقارب نصف أرقام الفجوة المالية.

واضح أن “المعركة” بين “المنظومة” و”الصندوق” جارية على هذه الحسابات التي يمتلك كل واحد منها أكثر من مليون دولار. صندوق النقد ينصح بتدقيق جنائي فيها لأنها تتضمن على سبيل المثال قضاة وضباطاً ووزراء ونواباً يحوزون ملايين الدولارات، ومتهربين من الضرائب، مثلما تتضمن حسابات سليمة. الصندوق يقترح ان تحوز الحسابات الصالحة أسهماً في البنوك العاجزة عن السداد، فيما المنظومة التي ترفض توزيع الخسائر تتمسك برمي الكرة على الدولة وأصولها وتجنيب المصارف القصاص، حتى ولو تعثر لبنان ووصل ديْنه من الصندوق أربعة أضعاف ناتجه الاجمالي، وهو ما يرفضه الصندوق تماماً، وعلينا معارضته بلا تردد لأنه ضد مصلحة الشعب اللبناني.

تقاتل “المنظومة” بوقاحة على كل الجبهات لمنع اتفاق واقعي مع الصندوق بحجة أن “خصوصيتنا فوق كل اعتبار”، وأن الأمور بحاجة الى أخذ ورد وساعات طويلة من الحوارات، فيما لا تجد وقتاً قصيراً لفتح النقاش في البرلمان أو في السراي حول فجوة التعليم ومآسي الاستشفاء وانحدار كل القطاعات.

إغضبوا كما شئتم. نحن أحرص منكم على المصارف النظيفة والاقتصاد الحر. وسنبقى على نقيضكم لأننا مع الضعفاء وأصحاب الحق وأكثرية الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى