مقالات

هل العتب على بري في محله؟

تجهر قيادات روحية وسياسية بإعلان عتبها على رئيس مجلس النواب نبيه بري بسبب إخفاق المجلس في انتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة تقارب 6 أشهر مضت، بينما البلاد تنهار والبؤس يلف حياة الناس من كل حدب وصوب. وتعتبر هذه القيادات أن بري كان قادرا على لعب دور أكثر تأثيرا ومرونة، لأنه يرأس أم المؤسسات الدستورية، وقد مضى 10 أشهر على الانتخابات النيابية، ولم يتمكن ممثلو الشعب من بلورة أي موقف ناجع، لا في تشكيل حكومة تعبر عن التوازنات الجديدة، ولا في إقرار القوانين الضرورية لخطة التعافي المالي، ولا في انتخاب رئيس للدولة، بينما يمكن للآليات الديموقراطية الموضحة في الدستور أن تحسم غالبية الإشكاليات المطروحة، إذا ما تم اعتمادها بتجرد، وبصفاء النية.

والعتب شديد على بري في الساحة المسيحية على وجه الخصوص، وغالبية ممثلي هذه الساحة – لاسيما رجال الدين – لا يقبلون أي عذر منه في رفع جلسات الانتخاب 11 مرة فور الانتهاء من تعداد الأصوات في الدورة الأولى، بينما يفرض الدستور استمرار الجلسات مفتوحة ومتواصلة حتى الوصول إلى انتخاب رئيس بالغالبية المطلقة، ويتهم هؤلاء بري بالعمل بقوة للضغط على بعض النواب لقلب الأكثرية لصالح قوى الممانعة.

وتأخذ مصادر واسعة الاطلاع في الساحة المسيحية على بري أنه يستخدم موقعه الدستوري لخدمة حلفائه في الخط، ولاسيما منهم حزب الله، وهو لا يخرج عن التوجهات الإستراتيجية لهؤلاء، ولا تكفي بعض مجاملاته للقوى المحلية والخارجية الأخرى في إخفاء هذه الحقيقة. فهو سبق أن أقفل أبواب مجلس النواب عام 2007، وحرم أكثرية 14 آذار النيابية من لعب دورها التشريعي، ومنعها من انتخاب رئيس جمهورية من صفوفها في ذلك العام، وكاد أن يعطل عمل مجلس الوزراء بحجة عدم وجود ميثاقية فيه، بسبب الخلاف على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في حينها. ويقول المصدر ذاته: أن بري كان قادرا على منع إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع العام 2010، كما أن دوره كان ضعيفا في أحداث مايو 2008، بينما انتظر منه أصدقاؤه في الجهة المقابلة تأثيرا أكثر فاعلية ليمنع الفتنة، ولاحقا كان الرافعة الفعلية لأسوأ تجربة في الحكم بين العام 2016 والعام 2022 وكان يستحيل على «تفاهم مار مخايل» بين التيار العوني وحزب الله تحقيق أهدافه لولا بري، برغم أنه تلقى ضربات موجعة من الرئيس ميشال عون أحد طرفي التفاهم.

وتقول هذه المصادر: أن العتب على بري يتضاعف، لأن مواقفه المتشددة التي ساهمت في التعطيل لم تكن بسبب مطالب لطائفته، بل لأهداف غالبا ما كانت للتغطية على ارتكابات أمنية وسياسية قام بها حلفاؤه، كالموقف من التحقيق في تفجير مرفأ بيروت على سبيل المثال لا الحصر.

بالمقابل يأخذ الرئيس بري على هذه القوى – لاسيما المسيحية منها – أنها لم تتجاوب مع دعوته للحوار حول الملف الرئاسي، وهي تحاول شل حركة المجلس النيابي وحكومة تصريف الأعمال في وقت تحتاج عملية الإنقاذ للتعالي عن العصبيات الطائفية للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة. لكن القوى المسيحية مجمعة على رفض الحوار حول الانتخابات الرئاسية لخوفها من تكريسها كسابقة، وكي لا ينحرف الحوار إلى بحث قضايا تتعلق بإجراء تعديلات على تقاسم السلطة الذي حصل في اتفاق الطائف، من خلال الممارسة.

لا يمكن للرئيس بري الهروب من المسؤولية عن الاختلال القائم، بسبب مكانته المتقدمة كرئيس لمجلس نواب، ولأن قوى عديدة من الفريق السيادي والتغييري والعربي فتحت خطوط عريضة معه، ولديها أمل بأن يعطي بري أولوية لمصلحة البلاد العليا على الحسابات الذاتية لشريكه في الثنائية الشيعية، أو لحلفائه في قوى «الخط».

المصدر
الانباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى