المملكة في بكركي… الرسالة وصلت
الحدث كان في بكركي احتفاء بكتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية” للأباتي أنطوان ضو الأنطوني. لكن أصداءه امتدت إلى ما بعد حدود البطريركية ليطاول البعد العربي والإقليمي والدولي لعلاقة لبنان بالسعودية .
وما زاد من “إستثنائية” الحدث وتميزه أنه شكل محطة جامعة لحشد سياسي وديبلوماسي وحزبي، تزامن مع تحرك أكثر استثنائية لسفيرتي الولايات المتحدة دوروثي شيا وفرنسا آن غريو في الرياض.
وفي قراءة لأبعاد الحدث الإستثنائي يقول منسق التجمع من اجل السيادة نوفل ضو الذي أشرف على عمليات البحث والتوثيق والنشر الخاصة بكتاب “علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية لـ”المركزية” ان ” ما شهده الصرح البطريركي هو بالدرجة الأولى يوم لبناني وطني تعبيرا عن التمسك بسيادة لبنان وحرية شعبه واستقلالية قراره السياسي الداخلي والخارجي، ورفض محاولات تغيير هويته السياسية والثقافية والحضارية، ودوره التاريخي في الجمع والوصل، ومقاومة مشروع الحاقه بالمحاور الأيديولوجية ومشاريع الحروب الإقليمية والصراعات الدولية”.وجاءت كلمة البطريرك الراعي لتذكر بمحطات تاريخية من مواقف بكركي ليس اقلها نداء مجلس المطارنة الموارنة في ايلول من العام 2000 الذي اعتبر بمثابة وثيقة تأسيسية للاستقلال الثاني”.
وأضاف ضو الذي ساهم في إحياء احتفال بكركي: “لقد تجاوزت مواقف البطريرك الراعي بعمقها ومدلولاتها المواقف السياسية اليومية والاشكاليات الفئوية الى تسليط الضوء على القواعد التأسيسية لمئوية ثانية عن عمر الكيان اللبناني المستقل. وقد حوّل حضور سفير خادم الحرمين الشريفين وليد بخاري وتأكيده في كلمته على السياسة السعودية الثابتة التي أرساها الملك المؤسس في دعم استقلال لبنان وسيادته وسلامة حدوده والشراكة بين المكونات اللبنانية، الاحتفال الى عرس لبناني سعودي ومسيحي اسلامي”.
مدلولات كثيرة خرج بها حدث بكركي ومن أبرزها يقول ضو “أهمية الحوار المسيحي الإسلامي المرتكز في جانب منه الى “لاهوت اللحظة وفقهها” وهو فكر يقوم على تجديد الخطاب الديني، وعلى “الاجتهاد والتفسير العلمي والتأويل والتأوين من أجل صنع التاريخ”… وقد جاءت المقابلة الأخيرة لولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان لمناسبة الذكرى السنوية لرؤية المملكة 2030، التي تحدث فيها عن الاعتدال ووسائل مواجهة التطرف ورفض التحجر والغرق في الماضي، لتثبت أن مواكبة العصر مع الاحتفاظ بالقيم والأخلاق والإيمان باتت توجهاً شاملاً ومدرسة سياسية ودينية لها أنصارها ومشجعوها ومتبنوها عند المرجعيات السياسية كما عند القيادات والمفكرين المسيحيين والمسلمين على حد سواء”.
مما لا شك فيه أن لقاء بكركي جاء ليثبت فشل مشروع تغيير الهوية اللبنانية وتزويرها. ويقول ضو” هذا الحدث أعاد القيمة للتوازن الداخلي من خلال إستعادة المنطق السيادي ووزنه في الحياة السياسية اللبنانية وكشف قيمة الوزن السيادي الذي لا يزال يشكل حضوره دورا فاعلا. فالمحاولات الهادفة منذ سنوات الى نقل لبنان من موقعه التاريخي منذ إعلان دولة لبنان الكبير، وضرب ميثاقه الوطني والعبث بتوازناته الداخلية، وضمه الى اصطفافات ومحاور اقليمية تجعل منه همزة قطع مع العرب والعالم الحر… كل هذه المحاولات تلقت ضربة قاسية من خلال لقاء بكركي الذي أظهر أن الموارنة تحديداً والمسيحيين عموماً واللبنانيين على نحو أشمل يتمسكون بالشرعيتين العربية والدولية سبيلاً وحيداً لإحياء شرعية الدولة اللبنانية وبسطها على كامل الأراضي اللبنانية.
وما مشهدية الحضور برعاية البطريرك الراعي والرهبانية الأنطونية ورجال الدين إضافة إلى السلك الديبلوماسي إلا دلالة موثقة الى أن لبنان ليس محمية إيرانية ولا يمكن أن يكون بشكل من الأشكال جزءا من المنظومة الإيرانية وفي مواجهة الشرعية الدولية” . ويختم ضو:” الاحتفال ليس مجرد عرض نوستالجي لبعض المحطات التاريخية في العلاقات المارونية السعودية، ولكنه تأكيد على التمسك بالثوابت التي قام عليها الكيان اللبناني، وتأسيس جديد لمئة سنة مقبلة من التعاون بين لبنان والمملكة العربية السعودية لمواكبة العولمة ومتطلبات استفادة الشعبين اللبناني والسعودي منها. وما شهدته بكركي خلال هذا الاحتفال شكل ردا فكرياً وثقافياً وحضارياً وسياسياً ووطنياً على “نظرية صراع الحضارات” وملحقاتها ومن أبرزها “تحالف الأقليات” في الشرق الأوسط”. فاللقاء، كما الكتاب والكلمات التي ألقيت لبنانياً وسعودياً، روحياً وعلمانياً، تؤكد على أهمية السير في المشاريع العربية الهادفة الى انخراط العرب في العولمة”.