مقالات

فوضى الدولار في الأسواق

يتكرر المشهد في اليوميات اللبنانية مع كل ارتفاع لسعر صرف الدولار الأميركي في أسواق بيروت، وتحديدا السوق الموازية لسعر الصرف الرسمي المعتمد من قبل مصرف لبنان والمعروفة بـ «السوق السوداء»: فوضى في متاجر المواد الغذائية، وازدحام على محطات المحروقات.

كالعادة، تمتد طوابير السيارات أمام المحطات في مشهد أسبوعي قبل صدور جدول تركيب الاسعار عن وزارة الطاقة. والأخيرة تعتمد تقنينا في التوزيع مكتفية بالتعبئة من خرطوم واحد فقط مداورة على السيارات التي تصطف في طوابير طويلة، ما يؤدي الى زحمة سير على الطرقات الفرعية وحتى الاوتوسترادات. وينتهي الازدحام بإقفال غالبية المحطات عصرا، محتفظة بمخزون يجنبها خسارة رصيدها من رأس المال بالعملة الصعبة، ويؤدي الى تحقيقها أرباحا بالعملة الوطنية في اليوم التالي.

الشيء عينه يبرز في متاجر المواد الغذائية الكبرى «السوبرماركت»، حيث تغيب الاسعار عن الرفوف وتتبدل حكما عند صناديق الدفع، ويعمد البعض الى تقنين البضائع، والطلب الى الزبائن عدم شراء كميات كبيرة. وتحجب في شكل كبير مشروبات الكحول المستوردة والمسعرة أساسا بالعملة الاجنبية.

يختلف الامر لدى المحلات المتوسطة والصغيرة: فغالبيتها تقفل أبوابها باكرا في عز ساعات الظهيرة، حفاظا على بضائعها، فيما يعمد البعض الى التسعير وفق سعر صرف اعلى من المتداول للدولار الاميركي «حفاظا على رأسمالنا الصغير»، كما تقول مهى زوجة صاحب متجر في منطقة الجديدة. «كنا نبيع بضائع ما يعرف بالدولار الواحد، وتشجعنا بعرض مساحيق تنظيف ثم مواد غذائية وسكاكر. ونعاني مع كل ارتفاع كبير لسعر صرف الدولار خسائر تصيبنا مباشرة. وربما الافضل الا نبيع قبل استقرار سعر العملة الوطنية، لنتمكن من البقاء في السوق عبر تأمين المزيد من البضائع».

الحكاية عينها يكررها اسعد وهو متقاعد من القوى العسكرية، وصاحب دكان «بقالة» صغير في قرنة شهوان بوسط المتن الشمالي.

قصد اسعد منتجع الزعرور للتزلج، جريا على عادة شتوية منذ 46 سنة. «اقفل محلي الصغير كل يوم اثنين بسبب انخفاض نسبة البيع في بداية الاسبوع لوجود الناس في أعمالها. ومنذ فترة، يساعدني الاقفال على عدم الوقوع في الخسارة. تحافظ بضائعي على قيمتها وترتفع اسعارها من دون ان اعمل وأبيع».

ما قاله اسعد يترجم بصورة مختلفة لدى متاجر متوسطة «ميني ماركت»، اذ يعمد اصحابها الى تقنين البضائع وعرض القليل منها، ما يؤدي الى فراغات كبيرة على الرفوف، جراء التخزين بعيدا من أعين الزبائن.

ويقلل محمد من ضرر التخزين، «لان غالبية زبائني غير قادرين على الشراء بكميات كبيرة، وبعضهم يأخذ حاجاته اليومية فقط بسبب ضيق الاحوال. وقد توقفت عن البيع بالدين. واذا وافقت على الدين تقديرا لظروف البعض من معارفي القدامى من الزبائن، فإني ابلغهم مسبقا بأن الدين لفترة قصيرة لا تتخطى اليومين، ولبضائع قليلة ومعينة».

فوضى اسعار صرف الدولار في لبنان تنعكس فوضى في الحياة اليومية. والسؤال الذي لا جواب عليه: ماذا يفعل الذين لا يقبضون رواتبهم (أو جزء منها) بالعملة الخضراء؟

المصدر
الأنباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى