مقالات

رفيق الحريري.. ستبقى رفيقي

الرئيس فؤاد السنيورة

منذ أن التقينا أدركتُ أنك ستبقى رفيقي إلى آخر العمر، وأدركتُ أيضاً أن إرادتكَ أقوى من الامكانات المحدودة، وهمتُكَ أعلى من البحث عن ثروة فردية كان من شأنها أن تجعلك من أساطين المال والأعمال في العالم العربي وفي العالم، لو انصرفت فقط إلى تثميرها، ولكنك كنت المواطن الذي غادر بلده بعد قرار حاسم بالعودة إليه، ولم تكن تجد المتعة فيما جنيته من نجاح، إلا إذا عاد لبنان إلى تألقه، فمددت جسورك إليه مذ وطِئْتَ أرض المملكة، ورحت تبثُّ العزيمة بما يتيسر لك من موارد، فكأنك كنت تعلن أن ذاك أول القَطْر، وأنك سترجع بالغيث الذي يحتاجه اللبنانيون ويستحقه وطنك ويقتضيه تحقيق نهوضه ووضعه في مصاف التقدّم والتميّز والتنمية والديمقراطية الحق. ولقد حملت لواء اتفاق الطائف في إنجاز المصالحة الوطنية المرتكزة على العيش المشترك ونهائية لبنان كوطن سيد حر ومستقل لجميع أبنائه وعربي الهوية والانتماء. ميزتك أنك كنت رجل الأعمال المرحلي، ورجل الوطنية اللبنانية الدائم ورجل العروبة الحديثة.

ميزتك أيضاً أنك كنت واسع الرؤية إلى ما يتعدى الحلم. فلقد كنت عبقرياً في اصطياد الفرص في الداخل والخارج، وفي توظيفها لمصلحة لبنان، وأنك أحسن من استثمر في الإنسان الذي هو أغلى رأسمال من أجل الإعداد لتعزيز نهوض لبنان وتقدمه وازدهاره، وتحقيق تلاؤمه المستدام مع مقتضيات المستقبل الواعد.

أرسلت الشابات والشباب إلى جامعات الداخل والخارج لِتَلَقِّي العلم، من غير أي معيار مناطقي أو طائفي، فنأيت بهم في الوقت عينه عن الانخراط في الميليشيات وفتحت لعقولهم وقلوبهم نوافذ نور، وأرتك بصيرتك الحادة العاصمة الحبيبة المدمرة، مدينة عريقة للمستقبل، كأنك كنت تزيل الركام والمتاريس بخيالك، وتبني لؤلؤة المتوسط بواقع أغرب من الخيال.
خضت السياسة ولم تكن من أهلها التقليديين، فتلقفك النجاح بعد أن زوَّدت نفسك بجهاز امتصاص للصدمات والافتراءات، لأنك كنت على يقين أن في نتائج عملك رداً حاسماً على الحاقدين والفاشلين، وها هم، يتنصلون مما صنعت أيديهم تخريباً وعرقلة واستعصاء على الإصلاح، ويُحمِّلونك في مثواك مسؤولية سوء أعمالهم، فإذا نظروا حولهم لم يجدوا إلا ما عمَّرْتَه وخربوه، وحاولتَه وعرقلوه، وأنجزتَه فأنكروه.
وإني لم أزل أتساءل كيف استطاع رفيق الحريري أن يكون رجلاً دولياً تسعى إلى طائرته المطارات، ويحتفي به رؤساء العالم، من غير أن يتخلى لحظة عن انتمائه الوطني والقومي العربي الذي جمعنا معاً منذ عهد الشباب الأول.
يا رفيقي.. كنت تطلب المشورة من الخصوم قبل الاصدقاء وتحيط نفسك بالعقول الرحبة، ولا يضيق صدرك بمن يشاكسك، فأنا، على هذا أول الشهود، فكم كنت أخالفك الرأي أحياناً كثيرة وكنت تقابل ذلك بالابتسام والرضى، من خلال ابتكارك لمعادلة يتساوى فيها الكرم مع الحرص، فقد كنتَ كريماً من مالك، وقد كنتُ أنا حريصاً كما تحب وتشتهي على المال العام.

إليك أقول في ذكرى استشهادك، إن مكانك أقوى من الشغور، بل إن غيابك حضور متمادٍ، وأملي وطيد بأن يتزيَّن المستقبل، «بالمستقبل» الذي أسَّسْتَه والذي سيعود من غيبته، فكراً وطنياً وإصلاحياً، ومشروعاً نهضوياً، يسهم في استعادة الدولة لسلطتها الواحدة العادلة والقادرة، وبما يعني إخراجها من الوهدة التي أصبحت فيها، ويضعها على سكة الإصلاح والتحديث والتطوير والتلاؤم المستمر، وذلك استكمالاً لما بدأته أنت، ولما ينبغي علينا أن نستمر في التقدم على مساراته.
رحمك الله يا رفيقي.. وطيّب الله. مثواك وخلّد ذكراك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى