مقالات

14 شباط 2023 : “لا فرصة إيجابية”


حاول الجمهور الذي التقى الرئيس سعد الحريري على ضريح والده الشهيد رفيق الحريري ثم إلى بيت الوسط بالأمس، أن يتشبع بحضوره بعد غياب ما يقارب ال13 شهراً، من أجل التمسك بالأمل بإمكان تغيير المعاناة اللبنانية اليومية.

لعل من لم يأتوا إلى الضريح أيضاً ممن يحنّون إلى مرحلة الحريري الأب ساورهم الشعور نفسه، لأن المناسبة تذكرهم بما سعى إليه رفيق الحريري من نهوض اقتصادي وعمراني خلال سنوات ما بعد الحرب الأهلية، على طريق إعادة بناء الدولة الذي عرف من اغتالوه أنهم بإزاحته يجهضون قيامها. فرفيق الحريري الذي حاولت الوصاية السورية ومؤيدوها في لبنان حصر دوره بالاقتصاد ليترك لهم السياسة الخارجية والداخلية، كان يعرف ماذا يفعل.

إذ كان يردد حيال من يرفعون الصوت عن حق، ضد انتقاص السيادة، أن الأخيرة لا يمكن أن تتحقق من دون قيام الدولة وتعزيز مؤسساتها، وهذا يصعب الوصول إليه من دون تمتين الاقتصاد والنهوض به، “وهذا ما نفعله”. ولربما لهذا السبب قبل الحريري لفترة من الزمن أن يتعايش مع الوصاية على فداحة الأثمان التي يتطلبها ذلك، في انتظار أن يشتد عود الدولة اللبنانية. لكن خصومه الفعليين في الخارج والداخل، كانوا هم أيضاً يدركون ما يقوم به، ولذلك حاولوا تعطيل خطواته ثم أزاحوه.

لا عجب أن تهترئ مؤسسات الدولة الإدارية والقضائية والدستورية، ويصيبها العفن الذي يستمر في الحفر في أجسادها الهشة أصلاً، الواحدة تلو الأخرى، وسط معاندة معظم القيمين عليها، طالما أن الاقتصاد قد انهار. هذا إذا أراد المرء العودة إلى القاعدة التي تبناها الحريري الأب في نهجه. بل أن سبباً من أسباب الانهيار الذي تزداد تداعياته الاجتماعية والحياتية كل يوم، أنه جرى إخضاع الاقتصاد عبر تشابك علاقة قوى داخلية بمصالح خارجية، لمقتضيات الوصاية على القرار السياسي اللبناني ومصادرته.

قد يشي حضور الحريري الإبن الذكرى الثامنة عشرة للاغتيال، وسط الحشود، ولأن لا مجال لإبعاد السياسة عن الضريح، بأنه مناسبة تمهد لوصل ما انقطع في العلاقة مع الحلبة السياسية في فترة مقبلة، لكن العودة إلى ما كان قاله في كلمة تعليقه العمل السياسي “التقليدي” وتيار “المستقبل”، تبقي هذه اللحظة رهن المزيد من الوقت. فهو قال في 24 كانون الثاني 2022 في تبرير قراره الابتعاد، إنه ” مقتنع أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل (1)النفوذ الايراني و(2)التخبط الدولي، و(3)الانقسام الوطني و(4)استعار الطائفية و(5)اهتراء الدولة”.

بصرف النظر عن الظرف الإقليمي الذي يحيط بوقف تعليق عمله السياسي “التقليدي”، لا يبدو أن شيئاً تغير في واقع الحال الذي وصّفته الجملة المذكورة، طالما أن لا تسوية سياسية تنبئ بإمكان إحداث تغيير في العناصر الخمسة التي تضمنتها تلك العبارة، حتى تكون هناك “فرصة إيجابية” تسوغ العودة إلى الحلبة السياسية. وفي كل الأحوال، فإن الحشد الذي لاقى سعد الحريري أمس ونوستالجيا الجمهور السني العريض إلى زعامة تمثله في التركيبة اللبنانية، تؤدي إلى طرح السؤال عما إذا كان ممكناً أن تحصل تسوية حقيقية تتناول تلك العناصر الخمسة من دون مشاركة الحريرية السياسية في شقها الداخلي، طالما لم تفرز الساحة بدائل.

في خطابه الشهير بتعليق عمله السياسي قال الحريري إن التسويات التي قام بها و”أتت على حسابي” ومنها انتخاب الرئيس ميشال عون، تدعو إلى التساؤل عما إذا كانت دعوة الأخير له في اتصاله معه أول من أمس للعودة، قد نجمت عن استيعاب مدى الضرر الذي ألحقه بالحريري على مدى السنوات الثلاث التي تعامل معه خلالها.

قد تكون العودة إلى ما كتبه من واكب الأب والإبن بصمت ووفاء بعيداً عن المصالح والمنافع، الوزير السابق باسم السبع في 13 شباط 2022، مخاطباً رفيق الحريري بكلمة سياسية وجدانية، من أجل وضع اللحظة الراهنة في نصابها. فهو قال عن خروج سعد من الحلبة: “لعلك شعرت بغصته …بالغدر الذي تعرض له… واليأس من التعاون مع قوى اليأس والإنكار والهروب والتعطيل وفنون الكيد السياسي. أفترض أنك فرحت لخروجه من مستنقع لطالما أفصحت أنت عن رغبتك في تركه والتخلص من طحالبه”.

من يلتقون الحريري بعد عودته وقبلها في أبو ظبي ينقلون عنه ارتياحه إلى أنه ليس في سدة المسؤولية في هذه المرحلة التي تجلب تعقيداتها الويلات والمصائب في ظل عجز عن مواجهة المآسي التي تسببها.

المصدر
وليد شقير - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى