مقالات

“ملحمة” في البرلمان

كان أفضل حتماً أن يُطلق على الرئيس بري لقب “جوهرجي” البرلمان لو توَّجَ مشاريع قوانين الاصلاح بما يحاكي ترصيع اللبناني معوَّض رأس ملكة جمال الكون. وحبذا أن يحوز وسام أرفع مصمم قوانين لو طرَّز التوافقات النيابية بما يتوافق مع الدستور والوفاق. لكنه، على ما يبدو، فضَّل لقب “شيف الدستور”، مخططاً لجلسة تشريعية تُقطَّع القوانين فيها شقفاً لشَيْ المودعين بنار “حرامية” المصارف، وتُفرَم بنودٌ منها لإنضاج طبخة التمديد لمديريْن عامين، هم عملياً موظفون عاديون حان وقت تسليمهم المناصب الى آخرين.

الجلسة التشريعية التي يُهدّدنا بها رئيس المجلس هي ضربٌ من الاستقواء لا يتعلّق بالدستور من قريبٍ أو بعيد، قبل أن تكون قفزاً فوق رغبة أكثرية المسيحيين واللبنانيين وسائر الدول المهتمة بلبنان، معتبرةً أولوية انتخاب رئيس ممراً إلزامياً للخروج من الحفرة… وليس اللجوء الى فتاوى متهافتة لتبرير جلسةٍ لبرلمان “هيئة ناخبة”، إلا من باب إنكار انتهاء مفاعيل الوصاية، وإحلال الهيمنة، وعدم الاكتراث بانعكاسات فرض الإرادة على الوحدة الوطنية.

“التشريع لحماية السارقين والتمديد للمديرين” عنوانٌ جديد. يوماً بعد يوم تقدِّم المنظومة الحاكمة ذريعة إضافية لكلّ رافض للصيغة الحالية أو يائس منها، وتنزع من المتمسكين باتفاق الطائف حجة أخيرة جوهرها أن العلة ليست بالنظام بل بالفاسدين الذين تولّوا تطبيقه. وما المسار الذي تأخذه انتخابات رئاسة الجمهورية والانقلاب على التحقيق العدلي بتفجير مرفأ بيروت إلا دليلان فاقعان على إصرار المنظومة الحاكمة على تكرار تجربة التحكم بكرسي بعبدا، مع ما يعنيه انتخاب فرنجية من تعميق للانهيار، وتثبيت نهج “الإفلات من العقاب” ولو على دماء 224 ضحية سقطوا جراء تسبب أهلها وأزلامها بـ”تفجير النيترات”.

نعلم ان المفاوضات مع جبران باسيل لحضور جلسة انتهاك الدستور المزمعة هي جزء من المحاصصة والبازار المفتوح داخل المنظومة على كل الاستحقاقات. ونفهم أن ميوعة ويُتم “كتلة الاعتدال” قد يدفعانها الى الإلتحاق بجلسة أرادها المصرفيون لإقرار قانون “كابيتال كونترول” يحميهم من الملاحقات، وشاءها “الثنائي الشيعي” لتثبيت عباس ابراهيم في رئاسة مديرية الأمن العام لأسباب تتصل بمصالح “الثنائي” والشخص على السواء. لكن ما يدعو الى الاستنكار هو ان المنظومة كلها لم تستخلص من ثورة 17 تشرين أي عبرة، ولم يرفّ لها جفن بعدما تَسبَّب تحالف المافيا والسلاح بإفقار معظم الناس، بل ما زالت مصممة على استكمال تدمير الأمل بالنهوض عبر حجب سيف القضاء عن المصارف، واعتبار الموظفين، ولو برتبة مدراء عامين، أشخاصاً لا يستغنى عنهم فيما البدائل متاحة والكفاءات جاهزة حين يُحتكَم الى القانون بعيداً عن المحاصصات.

يُروى عن شارل ديغول أنه أجاب سائله عدم تغيير أحد الأشخاص لاستحالة الاستغناء عنه: “كلّ عظماء فرنسا المدفونين في “البانتيون” كانوا ممّن لا يستغنى عنهم”…

الأنبياء والأولياء الصالحون والقديسون توفّوا ايضاً، ووُجد مَن حملَ رسالاتهم الى البشرية جمعاء!

المصدر
بشارة شربل - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى