مقالات

السنّة في ذكرى الحريري وعشية الإنتخابات الرئاسية: مشهد مربك لطائفة دخلت برمّتها في مرحلة إنتقالية

تعاني الطائفة السنيّة من أزمة حضور فعلي في المشهد السياسي اللبناني، اذ تفقد التأثير في إعادة هيكلة الأمور على مستوى المكانة والدور المفقود اللذين تصدرت حضورهما على عشرات السنين. لطالما كان حضور رؤساء الحكومات وازناً في صناعة القرار وصياغته على المستويات كافة، ولا سيما الكفّة المحلية في إنتخاب رئيس الجمهورية، منذ رياض الصلح مروراً برشيد كرامي وصائب سلام وانتهاء برفيق الحريري، وهم شكّلوا رافعة تؤثر في مآل االإنتخابات والأحداث.

يكاد اليوم لا يكون للسنة أثر بالغ في الإستحقاق الرئاسي. ثماني عشرة سنة على اغتيال الحريري، الطائفة في أزمة. من كان محرك الرئاسات وشريكاً أساسياً في صناعتها إغتيل، فأصيبت معه طائفة بأكملها. رب قائل «إن رفيق الحريري وهو في الضريح لا يزال مسيطراً، والمقارنة دائماً مؤلمة، بين الموجود أياً كان اسمه، وبين رفيق الحريري، لأنه يخطف من وهجه».

منذ علق رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري عمله السياسي، وانسحب من المشهد، تطرح تساؤلات حول مستقبل الدور السني في الحياة السياسية، وفي الإستحقاق الرئاسي على وجه التحديد. يرتبط الدور السني الراهن من وجهة نظر مراقبة بالمكون الوجداني عند الشعب اللبناني وهو مكون طائفي، فمهما كانت الأشكال الديمقراطية المستوحاة من الغرب يبقى فعل الإنتماء وجدانياً إلى الطائفة. والدليل، قانون الإنتخاب الذي لم يتغيّر بين عامي 2018 و2022، فلماذا عبّر السنة عن أنفسهم في 2018 بكتلة نيابية متراصة بينما تشرذموا في 2022؟

لو كانت المسألة متعلقة بقانون الإنتخاب لكانت ظهرت النتيجة ذاتها، لكن الأمر مرتبط بالوجدان الجماعي، فالسنّة في لبنان دخلوا في حالة انفصام ما بين رفيق الحريري ونجله سعد و»تيار المستقبل». في الوجدان السني هناك رفيق الحريري المنقذ، ورفيق الحريري الشهيد، وهما اللذان شكلا رأس المال الذي سمح لسعد الحريري بالبقاء على قيد الحياة السياسية. ومهما قيل عن سوء إدارته إلّا أنّه كان يحمل في يده «خاتم سليمان»، أيّ الوجدان السني وفيه كل تاريخ رفيق الحريري في الإنجاز على المستوى السني وشهادته.

يرتبط حضور السنة في الحياة السياسية برئيس الحكومة أكثر مما يرتبط بتمثيلهم النيابي، فكيف إذا صودف الضعف في الناحيتين؟

في ذكرى إستشهاد رفيق الحريري يتعلق البحث عن موقف السنة من الرئاسة بالجواب عن سؤال: أين هم السنة اليوم؟ هل هم ممثلون بالنواب الحاليين (27 نائباً)؟ أم في حجم المقاطعة (62%) التي حصلت؟

ثمة من يجيب أنّ «الطائفة السنية لا كلمة لها في موضوع رئاسة الجمهورية ليس لأنها لا تعرف ماذا تريد، بل لانها لا تزال مسجونة في نتائج ما جرى مع سعد الحريري وأي كلام أخر غير منطقي». لكن هناك من يذهب أبعد ليقول إن «تجربة الزعامة السنية أخذها الحريري إلى الضريح ولم تخرج من إطاره بعد». ويتحدث مصدر سياسي مخضرم عن «مشهد سني مربك لطائفة دخلت برمتها في مرحلة إنتقالية، إنما بالوقائع، فلا أحد يفكر في تجاوز السنة رغم وضعهم».

رئيس الحكومة السنّي

يستذكر المصدر المخضرم الجهد الذي بذله رفيق الحريري «كي يطمئن المسيحيين ونجح، من بكركي إلى الفاتيكان، بينما مُني غيره بالفشل، وبقيت الأزمة في رئاسة الحكومة وكأنّه قائم فيها كالظل المخيف. يضيف: «وعلى هذا الأساس تعاطى الموارنة وتحديداً «التيار الوطني الحر» مع كل رؤساء الحكومات باعتبارهم يمثلون رفيق الحريري، وأي رئيس هو ضلع من الأصلي، بينما التقليد يحدث لنا قلقاً»، رغم أنّ «كل من أتى إلى رئاسة الحكومة كان يقوم بتقديم تسهيلات، كان الآخرون يقسون عليه أكثر فأكثر، من نجيب ميقاتي وحكومته الأولى عام 2011 ، إلى تمام سلام مع أنّه لم يشتبك معهم، فيما الوحيد الذي يطالب به «حزب الله» و»التيار» بالشكل هو سعد الحريري لأنه كان يتجاوب معهما في كثير من الأمور».

وفق المصدر المخضرم عينه «كانت تجربة سعد الحريري مخيّبة للآمال، لأنّ المنتظر منه هو أن يكون مثيلاً لوالده، وهذا مستحيل. ربما كان التماثل بوالده يحتاج إلى ظروف مماثلة بينما الظروف التي واجهها الإبن مختلفة تماماً». وبنتيجة الاداء الحكومي ولغاية اليوم بقيت «العاطفة تجاه سعد كبيرة إنما التقدير السياسي غير متوافر». المفارقة أنّ «نقطة قوة الحريري هي ذاتها نقطة ضعفه، وهي أنّه نجل النموذج الشهيد».

الإنتخابات والسنّة

شكلت الإنتخابات النيابية محطة مفصلية. توزّع تمثيل السنّة بين ثلاثة مدن: طرابلس الضبابية وعنها انتخب خمسة نواب من خمس لوائح مختلفة، وصيدا الممثلة بنائبين أحدهما مبدئي وثانيهما برغماتي ونائبة سابقة تحرص على إثبات حضورها. أمّا القاطرة الفعلية فهي بيروت وصورتها المربكة بين «تغييريين» يمثلون حالة علمانية أكثر مما يمثلون طائفتهم. وكلهم على متراس مختلف عن الآخر. ويتألف هؤلاء من بقايا «المستقبل» و»القدامى» منه، ولا يجمع بين التغييريين والمجتمع المدني توجه وطني أو مشروع عمل.

فشل النواب السنة مجتمعين في تشكيل حالة متماسكة يُركن إليها، التجمع الوحيد هو «الإعتدال الوطني» (يضم النوابَ أحمد الخير، وليد البعريني، محمد سليمان، سجيع عطية، عبد العزيز الصمد وأحمد رستم) المنفتح على الكل، يليه تجمع أقل تأثيراً يضم نبيل بدر وعماد الحوت وبلال الحشيمي، والباقي كلّ يغني على ليلاه. ولذا فإن المرحلة الإنتقالية على مستوى الحضور السني والشراكة «لا تُحسم إلا بعد الإنتخابات الرئاسية، فالسنة يقوون مع قوة الدولة لأنّهم حزب الدولة حينها تتوضح التوازنات وقواعد الميزان الجديد. وإلى حين يكتمل النصاب في إنتخاب رئيس جمهورية وتسمية رئيس حكومة فهناك حالة تفكك في مرحلة إنتقالية غير ثابتة قد تستمر الى أن يتم تحديد وزن رئيس الحكومة المقبل وحجم الدور السعودي المؤكد في المشاركة في تسمية الرئيسين».

في دهاليز البحث عن عمق أزمة السنة في لبنان ثمة همس يقول «مُني السنة بخسارتين: الثورة السورية ومقتل الحريري. حين تنتهي الذاكرة من رفيق الحريري يمكن أن نرى شخصية سنية تحكم». واقع لا ينفي حقيقة «أن لا أحد لديه القدرة على اختيار شخصية لا يرغب السنة بانتخابها ليس لأسباب سعودية بل لأسباب تتعلق بفكرة الدولة. لا يمكن للسنة أن يتحلقوا إلا حول فكرة الدولة وحول رئيس مقبول، لذا يظهر سليمان فرنجية الأكثر قبولاً من باب المعرفة والعلاقة القديمة والمحيط».

دور السعودية وموقعها

وعلى خلاف القائلين إنّ المملكة فشلت في إيجاد البديل عن سعد الحريري، يقول السياسي المخضرم «منذ العام 2017 لم يركّز السعوديون على أي شخصية سنية لدعمها أو لإبرازها بعدما ساءت العلاقة مع سعد الحريري وطويت صفحته. منذ ذلك الحين أدارت المملكة ظهرها للبنان. ولكن الملف اللبناني عاد إلى طاولتها مجدداً ولو أنه لا يحتل الأولوية «، متابعاً القول «جزء من التفكير السعودي هو بالرئيسين، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وليس برئيس واحد»، وفق معلوماته فإنّ «لا إسم محسوم بعد. بدت السعودية في اللقاء الخماسي الذي عقد في باريس مبدئية وحافظت على موقفها من ناحية الإمتناع عن الدخول في التسميات الرئاسية».

ويأتي هذا الكلام وسط حراك لسفير المملكة في لبنان وليد البخاري الذي هو موضع تساؤل حول موقف بلاده من المرشح الرئاسي «أفضل من يبرع في شراء الوقت هو السفير السعودي الذي يدرك تماماً خطوات حراكه، مبتكراً للأحداث وفي حراك متواصل، وأي سفير مكانه لكان انسحب من المشهد وتوارى»، يختم المصدر عينه كلامه.

المصدر
غادة حلاوي - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى